كثيراً ماكتب الكتاب من النقاد وغيرهم عن أساليب الحداثة ونبذِ أساليب
التقليد فكان لهم رأيهم الخاص الذي استنبطوه من مفاهيمهم النقدية في
الأدب والفن فلو إننا عرَّ فنا الحداثة بأنها : تحديث التعبير في الأسلوب
الأدبي والفني طبقاً لأساسياتهما لوصلنا إلى نتيجة وسطى وفضَّ النزاعُ القائم بين الشعر التقليدي والشعر المنثور والرسم التقليدي والرسم التجريدي والمسرح القديم والمسرح الحديث على اختلاف ماتعارفت عليه المصطلحات فالحداثة ليس هي الخروج من المألوف بغية الشهرة بالاختلاف بحجة غرابة الفكرة وشدة الجنون فللغرابة والجنون في الأدب والفن ضوابط يجب الانصياع لها ؛ منها وجود تفسير لهما على مسرح الواقع ومطابقتهما للأسس العلمية وإذا ابتكرت أسس أخرى يجب الإتيان بالعلة الفنية كي تعتمد رسميا فلو سألنا سؤالاً لماذا نالت الشيخوخة من شعر التفعيلة ِ لكان الجواب الأمثل إن شعراءهُ ماعادوا فرسانه إلا ثلة ً قليلة أي لو أننا حدَّثنا تعابيرهُ اللغوية ووجدنا علاقات جديدة بين المفردات تنمو من خيالٍ خضب غاب رغم بساطتهِ عن صانعيه لكان عملاقاً في الساحة الأدبية وهذا لايعني إننا ننكر استحقاق الشاعرية المنثورة ولو انَّ بعض المشجعين عليه احتجوا بابتكاره على انَّ الشعر كان تفعيلة بالعمودي أو بالحر عندما يترجم لا يترجم بأوزانه وهذه ليست حجة لأنها تنطبق على النثر والقصة والخطابة والشعر الشعبي ويقيناً أن وجود الشعر المنثور هو طفرة أدبية ولكن بشرط أن يخضع للقواعد الحداثوية المذكورة أنفاً وإلا صنـِّفَ نثراً على انه خاطرة ٍأو مذكراتٍ أو لربما هذيانٍ من حرقةٍ طارئة ٍفالسبب الأوحد والمنطقي لابتكار هذا اللون هو إن الغرض من الأدب والفن بشكل عام هو إيصال الكلمة الطيبة المُصاغة بعطور البلاغة إلى المتلقي للاستفادة منها في تصحيح الخطأ الحاصل في الفكر الاجتماعي والعقائدي والى أخره من احتياجات الحياة أو إثبات الصواب ، فالشعر المنثور والرسم التجريدي والمسرح الحديث مادام يحدث أثرا ايجابياً في النفس البشرية إذن بلغنا الغاية َوحققنا المراد في تصحيح الخطأ واثبات الصواب فالحداثة في جميع الأساليب هي تداعيات الزمن في روح المثقف الصادق، وان أخر ماتوصلت إليه الحداثة هو الغرابة في الفكرة مع إمكانية الجمع بين الأساليب مصاحبة ً بموسيقى الحروف أو ما يسمى بالتجانس اللفظي الذي اكتشف آنفا من تذوق الموسيقى الباطنية الناتجة من تجانس الحروف في الآيات القرآنية وأول الآيات التي دلتهم لذلك ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) وبعدها تابعوا الآيات التي دلت على الترغيب وما لها من موسيقى رقيقة على عكس الآيات التي دلت على الترهيب التي امتلكت موسيقى صاخبة توحي بالخوف الباطني ؛ فلاحظوا يا إخوتي الأدباء إن لدينا تراثاً أدبيا لم نستفدْ منه واستفادَ منه غيرنا وبدأ يصدِّرهُ لنا فكفانا مغالطة ً للحقيقة ومجاراةً للنفس الأمارة .