الكامل في التاريخ - ابن الأثير - ج 6 - ص 173
ولما وصل الرشيد إلى مكة ومعه أولاده والفقهاء والقضاة والقواد كتب كتابا أشهد فيه على محمد الأمين وأشهد فيه من حضر بالوفاء للمأمون وكتب كتابا للمأمون أشهدهم عليه فيه بالوفاء للأمين وعلق الكتابين في الكعبة وجدد العهود عليهما في الكعبة ولما فعل الرشيد ذلك قال الناس قد ألقى بينهم شرا وحربا ، وخافوا عاقبة ذلك فكان ما خافوه .
الامين يخلع المامون ويدعو لابنه
أمر الأمين بالدعاء على المنابر لابنه موسى .
وكان السبب في ذلك أن الفضل بن الربيع لما قدم العراق من طوس ، ونكث عهد المأمون أفكر في أمره وعلم أن المأمون إن أفضت إليه الخلافة وهو حي لم يبق عليه فسعى في إغراء الأمين وحثه على خلع المأمون والبيعة لابنه موسى بولاية العهد ولم يكن ذلك في عزم محمد الأمين فلم يزل الفضل يصغر عنده أمر المأمون ويزين له خلعه وقال له ما تنتظر بعبد الله والقاسم فإن البيعة كانت لك قبلهما وإنما أدخل فيها بعدك .
ووافقه على هذا علي بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما فرجع
الأمين إلى قولهم .
ثم إنه أحضر عبد الله بن خازم فلم يزل في مناظرته حتى انقضى الليل ، وكان مما قال عبد الله أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تكون أول الخلفاء نكث عهده ونقض ميثاقه ورد رأي الخليفة قبله فقال الأمين : اسكت فعبد الملك كان أفضل رأيا وأكمل نظرا يقول لا يجتمع فحلان في أجمة .
ثم جمع القواد وعرض عليهم خلع المأمون فأبوا ذلك وربما ساعده قوم حتى بلغ إلى خزيمة بن خازم فقال يا أمير المؤمنين لم ينصحك من كذبك ولم يغشك من صدقك لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك فان الغادر مخذول والناكث مغلول .
فأقبل الأمين على علي بن عيسى بن ماهان فتبسم وقال لكن شيخ الدعوة ونائب هذه الدولة لا يخالف على إمامه ولا يوهن طاعته .
ثم رفعه إلى موضع لم يرفعه إليه قبلها لأنه كان هو والفضل بن الربيع يعينانه على الخلع ؛ ولج الأمين في خلع المأمون حتى أنه قال يوما للفضل بن الربيع يا فضل أحياة مع عبد الله لا بد من خلعه والفضل يغريه ويقول فمتى ذلك إذا غلب على خراسان وما فيها فأول ما فعله أن كتب إلى جميع العمال بالدعاء لابنه موسى بالامرة بعد الدعاء للمأمون وللمؤتمن .
فلما بلغ ذلك المأمون مع عزل المؤتمن عما كان بيده أسقط اسم الأمين من الطرز وقطع البريد عنه .
وكان رافع بن لليث بن نصر بن سيار لما بلغه حسن سيرة المأمون طلب الأمان فأجابه إلى ذلك فحضر عند المأمون ، وأقام هرثمة بسمرقند ومعه طاهر بن الحسين ثم قدم هرثمة على المأمون فأكرمه وولاه الحرس فأنكر ذلك كله الأمين ؛ فكان مما وتر عليه أن كتب إلى العباس ن عبد الله بن مالك وهو عامل المأمون على الري يأمره أن ينفذ بغرائب غروس الري يريد امتحانه إليه بما أمره وكتم ذلك عن المأمون وذي الرياستين فبلغ المأمون فبدله بالحسن بن علي المأموني .
ثم وجه الأمين إلى المأمون أربعة أنفس وهم العباس بن موسى بن عيسى بن محمد بن علي وعيسى بن جعفر بن المنصور وصالح صاحب المصلى ومحمد بن عيسى بن نهيك يطلب إليه أن يقدم ابنه موسى على نفسه !! ويحضر عنده فقد استوحش لبعده فبلغ الخبر المأمون فكتب إلى عماله بالري ونيسابور وغيرهما ، يأمرهم بإظهار العدة والقوة ففعلوا ذلك وقدم الرسل على المأمون وأبلغوه الرسالة ؛ وكان ابن ماهان أشار بذلك وأخبر الأمين أن أهل خراسان معه .
فلما سمع المأمون هذه الرسالة استشار الفضل بن سهل فقال له أحضر هشاما والد علي وأحمد ابن هشام واستشره فاحضروه واستشاره فقال له : إنما أخذت البيعة علينا على أن لا تخرج من خراسان فمتى فعل
محمد ذلك ، فلا بيعة لك في أعناقنا والسلم عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ومتى هممت بالمسير اليه تعلقت بك يميني فإذا قطعت تعلقت بيساري فإذا قطعت تعلقت بلساني فإذا ضربت عنقي كنت أديت ما علي .
فقوي عزم المأمون على الامتناع فأحضر العباس وأعلمه أنه لا يحضر وأنه لا يُقدم موسى على نفسه فقال العباس بن موسى ما عليك أيها الأمير من ذلك فهذا جدي عيسى بن موسى قد خُلع فما ضره فصاح به ذو الرياستين اسكت إن جدك كان أسيرا في أيديهم وهذا بين أخواله وناصريه .
ثم قاموا فخلا ذو الرياستين بالعباس بن موسى واستماله ووعده إمرة الموسم ومواضع من مصر فأجاب إلى بيعة المأمون وسمى المأمون ذلك الوقت بالإمام!!! فكان العباس يكتب إليهم بالأخبار من بغداد .
ويشير عليهم بالرأي ورجع الرسل إلى الأمين فأخبروه بامتناع المأمون وألح الفضل وعلي بن عيسى على الأمين في خلع المأمون والبيعة لابنه موسى بن الأمين ؛ وكان الأمين قد كتب إلى المأمون يطلب منه أن ينزل عن بعض كور خراسان وأن يكون له عنده صاحب البريد يكاتبه بالأخبار فاستشار المأمون خواصه وقواده فأشاروا باحتمال هذا الشر والإجابة إليه خوفا من شر هو أعظم منه .
فقال لهم الحسن بن سهل : أتعلمون أن الأمين طلب ما ليس له ؟ قالوا : نعم ! ويحتمل ذلك لضرر منعه ؛ قال : فهل تثقون بكفه بعد إجابته فلا يطلب غيرها ، قالوا لا قال فإن طلب غيرها فما ترون ؟ قالوا :
نمنعه ، قال فهذا خلاف ما سمعناه من قول الحكماء استصلح عاقبة أمرك باحتمال ما عرض من مكروه في يومك ولا تلتمس هدنة يومك بإخطار أدخلته على نفسك في غدك .
فقال المأمون لذي الرياستين ما تقول أنت فقال أسعدك الله هل تأمن أن يكون الأمين طالبك بفضل قوتك ليستظهر بها عليك بل إنما أشار الحكماء بحمل ثقل ترجون به صلاح العاقبة .
فقال المأمون : بإيثار دعة العاجل صار إلى فساد العاقبة في دنياه وآخرته فامتنع المأمون من إجابته إلى ما طلب ؛ وأنفذ المأمون ثقته إلى الحد فلا يمكن أحدا من العبور إلى بلاده إلا مع ثقة من ناحيته وحصر أهل خراسان أن يستمالوا برغبة أو رهبة وضبط الطرق بثقات أصحابه فلم يمكنوا من دخول خراسان إلا من عرفوه وأتى بجواز أو [ كان ] تاجرا معروفا وفتشت الكتب .
وقيل : لما أراد الأمين أن يكتب إلى المأمون يطلب بعض كور خراسان قال له إسماعيل بن صبيح يا أمير المؤمنين إن هذا مما يقوي التهمة وينبه على الحذر ولكت اكتب اليه فأعلمه حاجتك وما تحب من قربه والاستعانة به على ما ولاك الله واسأله القدوم عليك لترجع إلى رأيه فيما تفعل .
فكتب إليه بذلك وسير الكتاب مع نفر وأمرهم أن يبلغوا الجهد في إحضاره وسير معهم الهدايا الكثيرة فلما حضر الرسل عنده ، وقرأ الكتاب
أشاروا عليه بإجابة الأمين ، وأعلموه ما في إجابته من المصلحة العامة والخاصة فأحضر ذا الرياستين وأقرأه الكتاب واستشاره فأشار عليه بملازمة خراسان وخوفه من القرب من الأمين فقال لا يمكنني مخالفته وأكثر القواد والأموال معه والناس مائلون إلى الدرهم والدينار لا يرغبون في حفظ عهد ولا أمانة ولست في قوة حتى أمتنع ، وقد فارق جيغويه الطاعة والتوى خاقان ملك التبت وملك كابل قد استعد للغارة على ما يليه وملك اترادبنده قد منع الضريبة ومالي بواحد من هذه الأمور بد وأنا أعلم أن محمدا الامين لم يطلب قدومي إلا لشر يريده ولا أرى إلا تخلية ما أنا فيه واللحاق بخاقان ملك الترك والاستجارة به لعلي آمن على نفسي .
فقال ذو الرياستين : إن عاقبة الغدر شديدة وتبعه البغي غير مأمونة ورب مقهور قد عاد قاهرا وليس النصر بالكثرة والقلة والموت أيسر من الذل والضيم وما أرى أن تصير إلى أخيك متجردا من قوادك وجندك كالرأس الذي فارق بدنه فتكون عنده كبعض رعيته يجري عليك حكمه من غير أن تبدي عذرا في قتال ، واكتب إلى جيغويه وخاقان فولهما بلادهما وابعث إلى ملك كابل بعض هدايا خراسان ووادعه واترك لملك اترادبنده ضريبته ثم اجمع إليك أطرافك وضم جندك واضرب الخيل بالخيل والرجال بالرجال فإن ظفرت وإلا لحقت بخاقان .
فعرف المأمون صدقه ففعل ما أشار به فرضي أولئك الملوك العصاة ،
وضم جنده ، وجمعهم عنده وكتب إلى الأمين أما بعد فقد وصل إلي كتاب أمير المؤمنين وإنما أنا عامل من عماله وعون من أعوانه أمرني الرشيد بلزوم هذا الثغر ولعمري إن مقامي به أرد على أمير المؤمنين وأعظم غناء للمسلمين من الشخوص إلى أمير المؤمنين فإن كنت مغتبطا بقربه مسرورا بمشاهدة نعمة الله عنده فإن رأى أمير المؤمنين أن يقرني على عملي ويعفيني من الشخوص إليه فعل إن شاء الله .
فلما قرأ الأمين كتاب المأمون علم أنه لا يتابعه على ما يريده فكتب إليه يسأله أن ينزل عن بعض كور خراسان كما تقدم ذكره فلما امتنع المأمون أيضا من إجابته إلى ما طلب أرسل جماعة ليناظروه في منع ما طلب منه فلما وصلوا إلى الري منعوا ووجدوا تدبيره محكما وحفظوا في حال سفرهم إقامتهم من أن يخبروا ويستخبروا وكانوا معدين لوضع الأخبار في العامة فلم يمكنهم ذلك فلما رجعوا أخبروا الأمين بما رأوا .
وقيل ان الأمين لما عزم على خلع المأمون وزين له ذلك الفضل وابن ماهان دعا يحيى بن سليم وشاوره في ذلك فقال يا أمير المؤمنين كيف تفعل ذلك مع ما قد أكد الرشيد من بيعته وأخذ الشرائط والايمان في الكتاب الذي كتبه فقال الأمين ان رأي الرشيد كان فلتة شببها عليه جعفر بن يحيى فلا ينفعنا ما نحن فيه إلا بخلعه وقلعه واحتشاشه .
فقال يحيى : إذا كان رأي أمير المؤمنين خلعه فلا تجاهره ليستنكر الناس ذلك ولكن تستدعي الجند بعد الجند والقائد بعد القائد وتؤنسهما بالألطاف والهدايا وتفرق ثقاته ومن معه وترغبهم بالأموال فإذا وهنت قوته واستفرغت رجاله أمرته بالقدوم عليك فإن قدم صار إلى الذي تريد
منه ، وإن أبى كنت قد تناولته وقد كل حده وانقطع عزه .
فقال الأمين : أنت مهذار خطيب ولست بذي رأي مصيب قم فالحق بمدادك وأقلامك .
وكان ذو الرياستين الفضل بن سهل قد اتخذ قوما يثق بهم ببغداد يكاتبونه بالأخبار وكان الفضل بن الربيع قد حفظ الطرق وكان أحد أولئك النفر إذا كاتب ذا الرياستين بما تجدد ببغداد سير الكتاب مع امرأة وجعله في عود أكفاف وتسير كالمجتازة من قرية إلى قرية فلما ألح الفضل بن الربيع في خلع المأمون أجابه الأمين إلى ذلك وبايع لولده موسى في صفر وقيل في ربيع الأول سنة خمس وتسعين ومائة على نذكره إن شاء الله تعالى وسماه الناطق بالحق ونهى عن ذكر المأمون والمؤتمن على المنابر وأرسل إلى الكعبة بعض الحجبة فأتاه بالكتابين الذين وضعهما
الرشيد في الكعبة ببيعة الأمين والمأمون فأحضرهما عنده فمزقهما الفضل .
فلما أتت الأخبار إلى المأمون بذلك قال لذي الرياستين : هذه أمور أخبر الرأي عنها ، وكفانا أن نكون مع الحق .
فكان أول ما دبره ذو الرياستين ، حين بلغه ترك الدعاء للمأمون وصح عنده ، أن جمع الأجناد الذين كان اتخذهم بجنبات الري مع الأجناد الذين كانوا بها ، وأمدهم بالأقوات وغيرها ؛ وكانت البلاد عندهم قد أجدبت ، فأكثر عندهم ما يريدونه ، حتى صاروا في أرغد عيش ، وأقاموا بالحد لا يتجاوزونه ، ثم أرسل إليهم طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن أسعد أبا العباس
الخزاعي أميرا فيمن ضم إليه من قواده وأجناده ، فسار مجدا حتى ورد الري ، فنزلها ، فوضع المسامح والمواصل ، فقال بعض شعراء خراسان :
رمى أهل العراق ومن عليها
إمام العدل والملك الرشيد
بأحزم من نشا رأيا وحزما
وكيدا نافذا مما يكيد
بداهية تأدى خنفقيق
يشب لهول صولتها الوليد
فأما الأمين فإنه وجه عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان في الف رجل وأمره أن يوجه مقدمته إلى ساوة ويقيم بهمذان وجعل الفضل بن الربيع وعلي بن عيسى يبعثان الأمين ويغريانه بحرب المأمون .
ولما بايع الأمين لولده موسى جعله في حجر علي بن عيسى وجعل على شرطه محمد بن عيسى بن نهيك وعلى حرسه عثمان بن عيسى بن نهيك وعلى ديوان رسائله علي بن صالح صاحب المصلى .
بدأ الحرب بين الامين والمأمون
ثم إن الأمين أمر علي بن عيسى بن ماهان بالمسير لحرب المأمون وكان سبب مسيره دون غيره أن ذا الرياستين كان له عين عند الفضل بن الربيع يرجع إلى قوله ورأيه فكتب ذو الرياستين إلى ذلك الرجل يأمره أن يشير بانفاذ ابن ماهان لحربهم وكان مقصوده أن ابن ماهان لما ولي خراسان أيام الرشيد أساء السيرة في أهلها فظلمهم فعزله الرشيد لذلك ونفر أهل خراسان عنه وأبغضوه فأراد ذو الرياستين أن يزداد أهل خراسان جدا في محاربة الأمين وأصحابه .
ففعل ذلك الرجل ما أمر ذو الرياستين ، فأمر الأمين بن ماهان بالمسير .
وقيل : كان سببه أن عليا قال للأمين إن أهل خراسان كتبوا إليه يذكرون أنه إن قصدهم هو أطاعوه وانقادوا له وإن كان غيره فلا فأمره بالمسير وأقطعه كور الجبل كلها نهاوند وهمذان وقم وأصبهان وغير ذلك ، [ وولاه ] حربها وخراجها وأعطاه الأموال وحكمه في الخزائن وجهز معه خمسين ألف دارس وكتب إلى أبي دلف القاسم بن إدريس بن عيسى العجلي وهلال بن عبد الله الحضرمي بالانضمام إليه وأمده بالأموال والرجال شيئا بعد شيء .
فلما عزم على المسير من بغداد ركب إلى باب زبيدة أم الأمين ليودعها فقالت له يا علي إن أمير المؤمنين [ و ] إن كان ولدي واليه انتهت شفقتي فإني على عبد الله منعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه وأذى وإنما ابني ملك نافس أخاه في سلطانه [ وغاره على ما في يده ] ، والكريم يأكل لحمه ويميقه غيره فاعرف لعبد الله حق ولادته وأخوته ولا تجبهه بالكلام فإنك لست [ له ] بنظير ، ولا تقتسره اقتسار العبيد ولا توهنه بقيد ولا غل ولا تمنع عنه جارية ولا خادما ولا تعنف عليه في السير ولا تساوه في المسير ولا تركب قبله وخذ بركابه وان شتمك فاحتمل منه .
ثم دفعت إليه قيدا من فضة وقالت إن صار إليك فقيده بهذا القيد فقال لها : يأفعل مثل ما أمرت .
ثم خرج علي بن عيسى في شعبان وركب الأمين يشيعه ومعه القواد والجنود وذكر مشايخ بغداد أنهم لم يروا عسكرا أكثر رجالا ، وأفره
كراعا وأتم عدة وسلاحا من عسكره ووصاه الأمين وأمره إن قاتله المأمون أن يحرص على أسره .
ثم سار فلقيه القوافل عند جلولاء فسألهم فقالوا له إن طاهرا مقيم بالري يعرض أصحابه ويرم آلته والامداد تأتيه من خراسان وهو يستعد للقتال فيقول إنما طاهر شوكة من أغصاني وشرارة من ناري وما مثل طاهر يتولى الجيوش ويلقى الحروب ثم قال لأصحابه ما بينكم وبين أن ينقصف انقصاف الشجر من الريح العاصف إلا أن يبلغه عبورنا عقبة همذان فإن السخال لا تقوى على النطاح والثعالب لا صبر لها على لقاء الأسد وان أقام تعرض لحد السيف وأسنة الرماح وإذا قابلنا الري ودنونا منهم فت ذلك في أعضادهم .
ثم أنفذ الكتب إلى ملوك الديلم وطبرستان وما والاها من الملوك يعدهم الصلات وأهدى لهم التيجان والأسورة وغيرها وأمرهم أن يقطعوا طريق خراسان فأجابوه إلى ذلك وسار حتى أتى أول أعمال الري وهو قليل الاحتيال فقال له جماعة من أصحابه لو أركبت العيون وعملت خندقا لأصحابك وبعثت الطلائع لأمنت البيات وفعلت الرأي فقال مثل طاهر لا يستعد له وإن حاله يؤول إلى أمرين إما [ أن ] يتحصن بالري فيبيته أهلها فيكفونا أمره وإما أن يرجع ويتركها إذا قربت خيلنا منه فقالوا له لو كان عزمه تركها والرجوع لفعل فإننا قد قربنا منه فلم يفعل .
ولما صار بينه وبين الري عشرة فراسخ استشار طاهر أصحابه فأشاروا
عليه أن يقيم بالري ، ويدافع القتال ما قدر عليه إلى أن يأتيه من خراسان المدد وقائد يتولى الأمور دونه وقالوا له إن مقامك [ بمدينة الري ] أرفق بأصحابك [ وبك ] ، واقدر لهم على الميرة واكن من البرد وتعتصم بالبيوت وتقدر على المماطلة فقال طاهر إن الرأي ليس ما رأيتم إن أهل الري لعلي هائبون ومن سطوته مشفقون ومعه من أعراب البوادي وصعاليك الجبال والقرى كثير ولست آمن إن أقمت بالري أن يثب أهلها بنا خوفا من علي وما الرأي إلا أن نسير إليه فإن ظفرنا والا عولنا عليها فقاتلناه فيها إلى أن يأتينا مدد .
فنادى طاهر في أصحابه فخرج من الري في أقل من أربعة آلاف فارس وعسكر على خمسة فراسخ فأتاه أحمد بن هشام وكان على شرطة طاهر فقال له : إن أتانا علي بن عيسى فقال أنا عامل أمير المؤمنين وأقررنا له بذلك فليس لنا أن نحاربه فقال طاهر لم يأتني في ذلك شيء فقال دعني وما أريد فقال افعل فصعد المنبر فخلع محمدا ودعا للمأمون بالخلافة وساروا عنها وقال له بعض أصحابه ان جندك قد هابوا هذا الجيش فلو أخرت القتال إلى أن يشامهم أصحابك ويأنسوا بهم ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم فقال إني لا أوتى من قلة تجربة وحزم إن أصحابي قليل والقوم عظيم سوادهم كثير عددهم فإن أخرت القتال اطلعوا على قلتنا واستمالوا من معي برهبة ورغبة ، فيخذلني
أهل الصبر والحفاظ ولكن ألف الرجال بالرجال وأقحم الخيل على الخيل واعتمد على الطاعة والوفاء واصبر صبر محتسب للخير حريص على الفوز بالشهادة فإن نصرنا الله فذلك الذي نريده ونرجوه وإن تكن الأخرى فلست بأول من قاتل وقتل وما عند الله أجزل وأفضل .
وقال علي لأصحابه بادروهم فإنهم قليلون ولو وجدوا حرارة السيوف وطعن الرماح لم يصبروا عليها .
وعبى جنده ميمنة وميسرة وقلبا وعبى عشرة رايات مع كل راية مائة رجل وقدمها راية راية وجعل بين كل رايتين غلوة سهم وأمر أمراءها إذا قاتلت الراية الأولى وطال قتالهم أن تتقدم التي تليها وتتأخر هي حتى تستريح وجعل أصحاب الجواشن أمام الرايات ووقف في شجعان أصحابه .
وعبى طاهر أصحابه كراديس وسار بهم يحرضهم ويوصيهم ويرجيهم وهرب من أصحاب طاهر نفر إلى على فجلد بعضهم وأهان الباقين فكان ذلك مما ألب الباقين على قتاله وزحف الناس بعضهم إلى بعض ؛ فقال أحمد بن هشام لطاهر ألا تذكر علي بن عيسى البيعة التي أخذها هو علينا للمأمون خاصة معاشر أهل خراسان قال أفعل ، فأخذ البيعة فعلقها على رمح وقام بين الصفين وطلب الأمان فأمنه علي بن
عيسى . فقال له ألا تتقي الله عز وجل هذه نسخة البيعة التي أخذتها أنت خاصة اتق الله فقد بلغت باب قبرك فقال علي من أتاني به فله الف درهم فشتمه أصحاب محمد وخرج من أصحاب علي رجل يقال له حاتم الطائي فحمل عليه طاهر وأخذ السيف بيديه وضربه فصرعه فلذلك سمي طاهر ذا اليمينين .
ووثب أهل الري فأغلقوا باب المدينة فقال طاهر لأصحابه اشتغلوا بمن أمامكم عمن خلقكم فإنه لا ينجيكم إلا الجد والصدق ثم اقتتلوا قتالا شديدا وحملت ميمنة علي على ميسرة طاهر فانهزمت هزيمة منكرة وميسرته على ميمنة طاهر فأزالتها أيضا عن موضعها فقال طاهر اجعلوها جدكم وبأسكم على القلب واحملوا حملة خارجية فإنكم متى فضضتم منها راية واحدة رجعت أوائلها على أواخرها فصبر أصحابه صبرا صادقا وحملوا على أول رايات القلب فهزموهم وأكثروا فيهم القتل ورجعت الرايات بعضها على بعض فانتقضت ميمنة علي .
ورأى ميمنة طاهر وميسرته ما فعل أصحابهم فرجعوا على من بإزائهم فهزموهم وانتهت الهزيمة إلى علي فجعل ينادي أصحابه أين أصحاب الخواص والجوائز والأسورة والأكاليل إلى الكرة بعد الفرة فرماه رجل من أصحاب طاهر بسهم فقتله وقيل داود سياه هو الذي حمل رأسه إلى طاهر وشدت يداه إلى رجليه وحمل على خشبة إلى طاهر فأمر به فألقي في بشر فأعتق طاهر من كان عنده من غلمانه شكرا لله تعالى وتمت الهزيمة ووضع أصحاب طاهر فيهم السيوف وتبعوهم فرسخين
واقعوهم فيها اثنتي عشرة مرة في كل ذلك ينهزم عسكر الأمين وأصحاب طاهر يقتلون ويأسرون حتى حال الليل بينهم وغنموا غنيمة عظيمة .
ونادى طاهر : من القي سلاحه فهو آمن فطرحوا أسلحتهم ونزلوا عن دوابهم ، ورجع طاهر إلى الري وكتب إلى المأمون وذي الرياستين بسم الله الرحمن الرحيم كتابي إلى أمير المؤمنين ورأس علي بن عيسى بين يدي وخاتمه في إصبعي وجنده مصرفون تحت أمري والسلام فورد الكتاب مع البريد في ثلاثة أيام وبينهما نحو من خمسين ومائتي فرسخ ، فدخل ذو الرياستين على المأمون فهنأه بالفتح وأمر الناس فدخلوا عليه فسلموا عليه بالخلافة ثم وصل رأس علي بعد الكتاب بيومين فطيف به في خراسان .
ولما وصل الكتاب بالفتح كان المأمون قد جهز هرثمة في جيش كثير ليسيره نجدة لطاهر فأتاه الخبر بالفتح .
وأما الأمين فإنه أتاه نعي علي بن عيسى وهو يصطاد السمك فقال للذي أخبره ويلك دعني فإن كوثرا قد اصطاد سمكتين وأنا ما صدت شيئا بعد .
ثم بعض الفضل إلى نوفل الخادم وهو وكيل المأمون على ملكه بالسواد والناظر في أمر أولاده ببغداد وكان للمأمون معه ألف ألف درهم كان قد وصله بها الرشيد فأخذ جميع ما عنده وقبض ضياعه وغلاته فقال بعض شعراء بغداد في ذلك :
أضاع الخلافة غش الوزير
وفسق الأمير وجهل المشير
ففضل وزير وبكر مشير
يريدان ما فيه حتف الأمير
وما ذاك إلا طريق غرور
وشر المسالك طرق الغرور
حيث ذكرها مع روعه وندم الأمين على نكثه وغدره ومشى القواد بعضهم إلى بعض في النصف من شوال فاتفقوا على طلب الأرزاق والشغب ففعلوا ذلك ففرق فيهم مالا كثيرا بعد أن قاتلهم عبد الله بن خازم فمنعه الأمين .
ذكر توجيه عبد الرحمن بن جبلة
لما اتصل بالأمين قتل علي بن عيسى وهزيمة عسكره وجه عبد الرحمن بن جبلة الأنباري في عشرين ألف رجل نحو همذان واستعمله عليها وعلى كل ما يفتحه من أرض خراسان وأمره بالجد وأمده بالأموال فسار حتى نزل همذان وحصنها ورم سورها .
وأتاه طاهر إلى همذان فخرج إليه عبد الرحمن على تعبية فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر الفريقان وكثر القتل والجراح فيهم ثم انهزم عبد الرحمن ودخل همذان فأقام بها أياما حتى قوي أصحابه واندمل جراحهم ثم خرج إلى طاهر فلما رآهم قال لأصحابه إن عبد الرحمن يريد أن يتراءى لكم فإذا قربتم منه قاتلكم فإن هزمتموه ودخل المدينة قاتلكم على خندقها وإن هزمكم اتسع له المجال ولكن قفوا قريبا من عسكرنا وخندقنا فإن قرب منا قاتلناه .
يتبع ....
ولما وصل الرشيد إلى مكة ومعه أولاده والفقهاء والقضاة والقواد كتب كتابا أشهد فيه على محمد الأمين وأشهد فيه من حضر بالوفاء للمأمون وكتب كتابا للمأمون أشهدهم عليه فيه بالوفاء للأمين وعلق الكتابين في الكعبة وجدد العهود عليهما في الكعبة ولما فعل الرشيد ذلك قال الناس قد ألقى بينهم شرا وحربا ، وخافوا عاقبة ذلك فكان ما خافوه .
الامين يخلع المامون ويدعو لابنه
أمر الأمين بالدعاء على المنابر لابنه موسى .
وكان السبب في ذلك أن الفضل بن الربيع لما قدم العراق من طوس ، ونكث عهد المأمون أفكر في أمره وعلم أن المأمون إن أفضت إليه الخلافة وهو حي لم يبق عليه فسعى في إغراء الأمين وحثه على خلع المأمون والبيعة لابنه موسى بولاية العهد ولم يكن ذلك في عزم محمد الأمين فلم يزل الفضل يصغر عنده أمر المأمون ويزين له خلعه وقال له ما تنتظر بعبد الله والقاسم فإن البيعة كانت لك قبلهما وإنما أدخل فيها بعدك .
ووافقه على هذا علي بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما فرجع
الأمين إلى قولهم .
ثم إنه أحضر عبد الله بن خازم فلم يزل في مناظرته حتى انقضى الليل ، وكان مما قال عبد الله أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تكون أول الخلفاء نكث عهده ونقض ميثاقه ورد رأي الخليفة قبله فقال الأمين : اسكت فعبد الملك كان أفضل رأيا وأكمل نظرا يقول لا يجتمع فحلان في أجمة .
ثم جمع القواد وعرض عليهم خلع المأمون فأبوا ذلك وربما ساعده قوم حتى بلغ إلى خزيمة بن خازم فقال يا أمير المؤمنين لم ينصحك من كذبك ولم يغشك من صدقك لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك فان الغادر مخذول والناكث مغلول .
فأقبل الأمين على علي بن عيسى بن ماهان فتبسم وقال لكن شيخ الدعوة ونائب هذه الدولة لا يخالف على إمامه ولا يوهن طاعته .
ثم رفعه إلى موضع لم يرفعه إليه قبلها لأنه كان هو والفضل بن الربيع يعينانه على الخلع ؛ ولج الأمين في خلع المأمون حتى أنه قال يوما للفضل بن الربيع يا فضل أحياة مع عبد الله لا بد من خلعه والفضل يغريه ويقول فمتى ذلك إذا غلب على خراسان وما فيها فأول ما فعله أن كتب إلى جميع العمال بالدعاء لابنه موسى بالامرة بعد الدعاء للمأمون وللمؤتمن .
فلما بلغ ذلك المأمون مع عزل المؤتمن عما كان بيده أسقط اسم الأمين من الطرز وقطع البريد عنه .
وكان رافع بن لليث بن نصر بن سيار لما بلغه حسن سيرة المأمون طلب الأمان فأجابه إلى ذلك فحضر عند المأمون ، وأقام هرثمة بسمرقند ومعه طاهر بن الحسين ثم قدم هرثمة على المأمون فأكرمه وولاه الحرس فأنكر ذلك كله الأمين ؛ فكان مما وتر عليه أن كتب إلى العباس ن عبد الله بن مالك وهو عامل المأمون على الري يأمره أن ينفذ بغرائب غروس الري يريد امتحانه إليه بما أمره وكتم ذلك عن المأمون وذي الرياستين فبلغ المأمون فبدله بالحسن بن علي المأموني .
ثم وجه الأمين إلى المأمون أربعة أنفس وهم العباس بن موسى بن عيسى بن محمد بن علي وعيسى بن جعفر بن المنصور وصالح صاحب المصلى ومحمد بن عيسى بن نهيك يطلب إليه أن يقدم ابنه موسى على نفسه !! ويحضر عنده فقد استوحش لبعده فبلغ الخبر المأمون فكتب إلى عماله بالري ونيسابور وغيرهما ، يأمرهم بإظهار العدة والقوة ففعلوا ذلك وقدم الرسل على المأمون وأبلغوه الرسالة ؛ وكان ابن ماهان أشار بذلك وأخبر الأمين أن أهل خراسان معه .
فلما سمع المأمون هذه الرسالة استشار الفضل بن سهل فقال له أحضر هشاما والد علي وأحمد ابن هشام واستشره فاحضروه واستشاره فقال له : إنما أخذت البيعة علينا على أن لا تخرج من خراسان فمتى فعل
محمد ذلك ، فلا بيعة لك في أعناقنا والسلم عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ومتى هممت بالمسير اليه تعلقت بك يميني فإذا قطعت تعلقت بيساري فإذا قطعت تعلقت بلساني فإذا ضربت عنقي كنت أديت ما علي .
فقوي عزم المأمون على الامتناع فأحضر العباس وأعلمه أنه لا يحضر وأنه لا يُقدم موسى على نفسه فقال العباس بن موسى ما عليك أيها الأمير من ذلك فهذا جدي عيسى بن موسى قد خُلع فما ضره فصاح به ذو الرياستين اسكت إن جدك كان أسيرا في أيديهم وهذا بين أخواله وناصريه .
ثم قاموا فخلا ذو الرياستين بالعباس بن موسى واستماله ووعده إمرة الموسم ومواضع من مصر فأجاب إلى بيعة المأمون وسمى المأمون ذلك الوقت بالإمام!!! فكان العباس يكتب إليهم بالأخبار من بغداد .
ويشير عليهم بالرأي ورجع الرسل إلى الأمين فأخبروه بامتناع المأمون وألح الفضل وعلي بن عيسى على الأمين في خلع المأمون والبيعة لابنه موسى بن الأمين ؛ وكان الأمين قد كتب إلى المأمون يطلب منه أن ينزل عن بعض كور خراسان وأن يكون له عنده صاحب البريد يكاتبه بالأخبار فاستشار المأمون خواصه وقواده فأشاروا باحتمال هذا الشر والإجابة إليه خوفا من شر هو أعظم منه .
فقال لهم الحسن بن سهل : أتعلمون أن الأمين طلب ما ليس له ؟ قالوا : نعم ! ويحتمل ذلك لضرر منعه ؛ قال : فهل تثقون بكفه بعد إجابته فلا يطلب غيرها ، قالوا لا قال فإن طلب غيرها فما ترون ؟ قالوا :
نمنعه ، قال فهذا خلاف ما سمعناه من قول الحكماء استصلح عاقبة أمرك باحتمال ما عرض من مكروه في يومك ولا تلتمس هدنة يومك بإخطار أدخلته على نفسك في غدك .
فقال المأمون لذي الرياستين ما تقول أنت فقال أسعدك الله هل تأمن أن يكون الأمين طالبك بفضل قوتك ليستظهر بها عليك بل إنما أشار الحكماء بحمل ثقل ترجون به صلاح العاقبة .
فقال المأمون : بإيثار دعة العاجل صار إلى فساد العاقبة في دنياه وآخرته فامتنع المأمون من إجابته إلى ما طلب ؛ وأنفذ المأمون ثقته إلى الحد فلا يمكن أحدا من العبور إلى بلاده إلا مع ثقة من ناحيته وحصر أهل خراسان أن يستمالوا برغبة أو رهبة وضبط الطرق بثقات أصحابه فلم يمكنوا من دخول خراسان إلا من عرفوه وأتى بجواز أو [ كان ] تاجرا معروفا وفتشت الكتب .
وقيل : لما أراد الأمين أن يكتب إلى المأمون يطلب بعض كور خراسان قال له إسماعيل بن صبيح يا أمير المؤمنين إن هذا مما يقوي التهمة وينبه على الحذر ولكت اكتب اليه فأعلمه حاجتك وما تحب من قربه والاستعانة به على ما ولاك الله واسأله القدوم عليك لترجع إلى رأيه فيما تفعل .
فكتب إليه بذلك وسير الكتاب مع نفر وأمرهم أن يبلغوا الجهد في إحضاره وسير معهم الهدايا الكثيرة فلما حضر الرسل عنده ، وقرأ الكتاب
أشاروا عليه بإجابة الأمين ، وأعلموه ما في إجابته من المصلحة العامة والخاصة فأحضر ذا الرياستين وأقرأه الكتاب واستشاره فأشار عليه بملازمة خراسان وخوفه من القرب من الأمين فقال لا يمكنني مخالفته وأكثر القواد والأموال معه والناس مائلون إلى الدرهم والدينار لا يرغبون في حفظ عهد ولا أمانة ولست في قوة حتى أمتنع ، وقد فارق جيغويه الطاعة والتوى خاقان ملك التبت وملك كابل قد استعد للغارة على ما يليه وملك اترادبنده قد منع الضريبة ومالي بواحد من هذه الأمور بد وأنا أعلم أن محمدا الامين لم يطلب قدومي إلا لشر يريده ولا أرى إلا تخلية ما أنا فيه واللحاق بخاقان ملك الترك والاستجارة به لعلي آمن على نفسي .
فقال ذو الرياستين : إن عاقبة الغدر شديدة وتبعه البغي غير مأمونة ورب مقهور قد عاد قاهرا وليس النصر بالكثرة والقلة والموت أيسر من الذل والضيم وما أرى أن تصير إلى أخيك متجردا من قوادك وجندك كالرأس الذي فارق بدنه فتكون عنده كبعض رعيته يجري عليك حكمه من غير أن تبدي عذرا في قتال ، واكتب إلى جيغويه وخاقان فولهما بلادهما وابعث إلى ملك كابل بعض هدايا خراسان ووادعه واترك لملك اترادبنده ضريبته ثم اجمع إليك أطرافك وضم جندك واضرب الخيل بالخيل والرجال بالرجال فإن ظفرت وإلا لحقت بخاقان .
فعرف المأمون صدقه ففعل ما أشار به فرضي أولئك الملوك العصاة ،
وضم جنده ، وجمعهم عنده وكتب إلى الأمين أما بعد فقد وصل إلي كتاب أمير المؤمنين وإنما أنا عامل من عماله وعون من أعوانه أمرني الرشيد بلزوم هذا الثغر ولعمري إن مقامي به أرد على أمير المؤمنين وأعظم غناء للمسلمين من الشخوص إلى أمير المؤمنين فإن كنت مغتبطا بقربه مسرورا بمشاهدة نعمة الله عنده فإن رأى أمير المؤمنين أن يقرني على عملي ويعفيني من الشخوص إليه فعل إن شاء الله .
فلما قرأ الأمين كتاب المأمون علم أنه لا يتابعه على ما يريده فكتب إليه يسأله أن ينزل عن بعض كور خراسان كما تقدم ذكره فلما امتنع المأمون أيضا من إجابته إلى ما طلب أرسل جماعة ليناظروه في منع ما طلب منه فلما وصلوا إلى الري منعوا ووجدوا تدبيره محكما وحفظوا في حال سفرهم إقامتهم من أن يخبروا ويستخبروا وكانوا معدين لوضع الأخبار في العامة فلم يمكنهم ذلك فلما رجعوا أخبروا الأمين بما رأوا .
وقيل ان الأمين لما عزم على خلع المأمون وزين له ذلك الفضل وابن ماهان دعا يحيى بن سليم وشاوره في ذلك فقال يا أمير المؤمنين كيف تفعل ذلك مع ما قد أكد الرشيد من بيعته وأخذ الشرائط والايمان في الكتاب الذي كتبه فقال الأمين ان رأي الرشيد كان فلتة شببها عليه جعفر بن يحيى فلا ينفعنا ما نحن فيه إلا بخلعه وقلعه واحتشاشه .
فقال يحيى : إذا كان رأي أمير المؤمنين خلعه فلا تجاهره ليستنكر الناس ذلك ولكن تستدعي الجند بعد الجند والقائد بعد القائد وتؤنسهما بالألطاف والهدايا وتفرق ثقاته ومن معه وترغبهم بالأموال فإذا وهنت قوته واستفرغت رجاله أمرته بالقدوم عليك فإن قدم صار إلى الذي تريد
منه ، وإن أبى كنت قد تناولته وقد كل حده وانقطع عزه .
فقال الأمين : أنت مهذار خطيب ولست بذي رأي مصيب قم فالحق بمدادك وأقلامك .
وكان ذو الرياستين الفضل بن سهل قد اتخذ قوما يثق بهم ببغداد يكاتبونه بالأخبار وكان الفضل بن الربيع قد حفظ الطرق وكان أحد أولئك النفر إذا كاتب ذا الرياستين بما تجدد ببغداد سير الكتاب مع امرأة وجعله في عود أكفاف وتسير كالمجتازة من قرية إلى قرية فلما ألح الفضل بن الربيع في خلع المأمون أجابه الأمين إلى ذلك وبايع لولده موسى في صفر وقيل في ربيع الأول سنة خمس وتسعين ومائة على نذكره إن شاء الله تعالى وسماه الناطق بالحق ونهى عن ذكر المأمون والمؤتمن على المنابر وأرسل إلى الكعبة بعض الحجبة فأتاه بالكتابين الذين وضعهما
الرشيد في الكعبة ببيعة الأمين والمأمون فأحضرهما عنده فمزقهما الفضل .
فلما أتت الأخبار إلى المأمون بذلك قال لذي الرياستين : هذه أمور أخبر الرأي عنها ، وكفانا أن نكون مع الحق .
فكان أول ما دبره ذو الرياستين ، حين بلغه ترك الدعاء للمأمون وصح عنده ، أن جمع الأجناد الذين كان اتخذهم بجنبات الري مع الأجناد الذين كانوا بها ، وأمدهم بالأقوات وغيرها ؛ وكانت البلاد عندهم قد أجدبت ، فأكثر عندهم ما يريدونه ، حتى صاروا في أرغد عيش ، وأقاموا بالحد لا يتجاوزونه ، ثم أرسل إليهم طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن أسعد أبا العباس
الخزاعي أميرا فيمن ضم إليه من قواده وأجناده ، فسار مجدا حتى ورد الري ، فنزلها ، فوضع المسامح والمواصل ، فقال بعض شعراء خراسان :
رمى أهل العراق ومن عليها
إمام العدل والملك الرشيد
بأحزم من نشا رأيا وحزما
وكيدا نافذا مما يكيد
بداهية تأدى خنفقيق
يشب لهول صولتها الوليد
فأما الأمين فإنه وجه عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان في الف رجل وأمره أن يوجه مقدمته إلى ساوة ويقيم بهمذان وجعل الفضل بن الربيع وعلي بن عيسى يبعثان الأمين ويغريانه بحرب المأمون .
ولما بايع الأمين لولده موسى جعله في حجر علي بن عيسى وجعل على شرطه محمد بن عيسى بن نهيك وعلى حرسه عثمان بن عيسى بن نهيك وعلى ديوان رسائله علي بن صالح صاحب المصلى .
بدأ الحرب بين الامين والمأمون
ثم إن الأمين أمر علي بن عيسى بن ماهان بالمسير لحرب المأمون وكان سبب مسيره دون غيره أن ذا الرياستين كان له عين عند الفضل بن الربيع يرجع إلى قوله ورأيه فكتب ذو الرياستين إلى ذلك الرجل يأمره أن يشير بانفاذ ابن ماهان لحربهم وكان مقصوده أن ابن ماهان لما ولي خراسان أيام الرشيد أساء السيرة في أهلها فظلمهم فعزله الرشيد لذلك ونفر أهل خراسان عنه وأبغضوه فأراد ذو الرياستين أن يزداد أهل خراسان جدا في محاربة الأمين وأصحابه .
ففعل ذلك الرجل ما أمر ذو الرياستين ، فأمر الأمين بن ماهان بالمسير .
وقيل : كان سببه أن عليا قال للأمين إن أهل خراسان كتبوا إليه يذكرون أنه إن قصدهم هو أطاعوه وانقادوا له وإن كان غيره فلا فأمره بالمسير وأقطعه كور الجبل كلها نهاوند وهمذان وقم وأصبهان وغير ذلك ، [ وولاه ] حربها وخراجها وأعطاه الأموال وحكمه في الخزائن وجهز معه خمسين ألف دارس وكتب إلى أبي دلف القاسم بن إدريس بن عيسى العجلي وهلال بن عبد الله الحضرمي بالانضمام إليه وأمده بالأموال والرجال شيئا بعد شيء .
فلما عزم على المسير من بغداد ركب إلى باب زبيدة أم الأمين ليودعها فقالت له يا علي إن أمير المؤمنين [ و ] إن كان ولدي واليه انتهت شفقتي فإني على عبد الله منعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه وأذى وإنما ابني ملك نافس أخاه في سلطانه [ وغاره على ما في يده ] ، والكريم يأكل لحمه ويميقه غيره فاعرف لعبد الله حق ولادته وأخوته ولا تجبهه بالكلام فإنك لست [ له ] بنظير ، ولا تقتسره اقتسار العبيد ولا توهنه بقيد ولا غل ولا تمنع عنه جارية ولا خادما ولا تعنف عليه في السير ولا تساوه في المسير ولا تركب قبله وخذ بركابه وان شتمك فاحتمل منه .
ثم دفعت إليه قيدا من فضة وقالت إن صار إليك فقيده بهذا القيد فقال لها : يأفعل مثل ما أمرت .
ثم خرج علي بن عيسى في شعبان وركب الأمين يشيعه ومعه القواد والجنود وذكر مشايخ بغداد أنهم لم يروا عسكرا أكثر رجالا ، وأفره
كراعا وأتم عدة وسلاحا من عسكره ووصاه الأمين وأمره إن قاتله المأمون أن يحرص على أسره .
ثم سار فلقيه القوافل عند جلولاء فسألهم فقالوا له إن طاهرا مقيم بالري يعرض أصحابه ويرم آلته والامداد تأتيه من خراسان وهو يستعد للقتال فيقول إنما طاهر شوكة من أغصاني وشرارة من ناري وما مثل طاهر يتولى الجيوش ويلقى الحروب ثم قال لأصحابه ما بينكم وبين أن ينقصف انقصاف الشجر من الريح العاصف إلا أن يبلغه عبورنا عقبة همذان فإن السخال لا تقوى على النطاح والثعالب لا صبر لها على لقاء الأسد وان أقام تعرض لحد السيف وأسنة الرماح وإذا قابلنا الري ودنونا منهم فت ذلك في أعضادهم .
ثم أنفذ الكتب إلى ملوك الديلم وطبرستان وما والاها من الملوك يعدهم الصلات وأهدى لهم التيجان والأسورة وغيرها وأمرهم أن يقطعوا طريق خراسان فأجابوه إلى ذلك وسار حتى أتى أول أعمال الري وهو قليل الاحتيال فقال له جماعة من أصحابه لو أركبت العيون وعملت خندقا لأصحابك وبعثت الطلائع لأمنت البيات وفعلت الرأي فقال مثل طاهر لا يستعد له وإن حاله يؤول إلى أمرين إما [ أن ] يتحصن بالري فيبيته أهلها فيكفونا أمره وإما أن يرجع ويتركها إذا قربت خيلنا منه فقالوا له لو كان عزمه تركها والرجوع لفعل فإننا قد قربنا منه فلم يفعل .
ولما صار بينه وبين الري عشرة فراسخ استشار طاهر أصحابه فأشاروا
عليه أن يقيم بالري ، ويدافع القتال ما قدر عليه إلى أن يأتيه من خراسان المدد وقائد يتولى الأمور دونه وقالوا له إن مقامك [ بمدينة الري ] أرفق بأصحابك [ وبك ] ، واقدر لهم على الميرة واكن من البرد وتعتصم بالبيوت وتقدر على المماطلة فقال طاهر إن الرأي ليس ما رأيتم إن أهل الري لعلي هائبون ومن سطوته مشفقون ومعه من أعراب البوادي وصعاليك الجبال والقرى كثير ولست آمن إن أقمت بالري أن يثب أهلها بنا خوفا من علي وما الرأي إلا أن نسير إليه فإن ظفرنا والا عولنا عليها فقاتلناه فيها إلى أن يأتينا مدد .
فنادى طاهر في أصحابه فخرج من الري في أقل من أربعة آلاف فارس وعسكر على خمسة فراسخ فأتاه أحمد بن هشام وكان على شرطة طاهر فقال له : إن أتانا علي بن عيسى فقال أنا عامل أمير المؤمنين وأقررنا له بذلك فليس لنا أن نحاربه فقال طاهر لم يأتني في ذلك شيء فقال دعني وما أريد فقال افعل فصعد المنبر فخلع محمدا ودعا للمأمون بالخلافة وساروا عنها وقال له بعض أصحابه ان جندك قد هابوا هذا الجيش فلو أخرت القتال إلى أن يشامهم أصحابك ويأنسوا بهم ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم فقال إني لا أوتى من قلة تجربة وحزم إن أصحابي قليل والقوم عظيم سوادهم كثير عددهم فإن أخرت القتال اطلعوا على قلتنا واستمالوا من معي برهبة ورغبة ، فيخذلني
أهل الصبر والحفاظ ولكن ألف الرجال بالرجال وأقحم الخيل على الخيل واعتمد على الطاعة والوفاء واصبر صبر محتسب للخير حريص على الفوز بالشهادة فإن نصرنا الله فذلك الذي نريده ونرجوه وإن تكن الأخرى فلست بأول من قاتل وقتل وما عند الله أجزل وأفضل .
وقال علي لأصحابه بادروهم فإنهم قليلون ولو وجدوا حرارة السيوف وطعن الرماح لم يصبروا عليها .
وعبى جنده ميمنة وميسرة وقلبا وعبى عشرة رايات مع كل راية مائة رجل وقدمها راية راية وجعل بين كل رايتين غلوة سهم وأمر أمراءها إذا قاتلت الراية الأولى وطال قتالهم أن تتقدم التي تليها وتتأخر هي حتى تستريح وجعل أصحاب الجواشن أمام الرايات ووقف في شجعان أصحابه .
وعبى طاهر أصحابه كراديس وسار بهم يحرضهم ويوصيهم ويرجيهم وهرب من أصحاب طاهر نفر إلى على فجلد بعضهم وأهان الباقين فكان ذلك مما ألب الباقين على قتاله وزحف الناس بعضهم إلى بعض ؛ فقال أحمد بن هشام لطاهر ألا تذكر علي بن عيسى البيعة التي أخذها هو علينا للمأمون خاصة معاشر أهل خراسان قال أفعل ، فأخذ البيعة فعلقها على رمح وقام بين الصفين وطلب الأمان فأمنه علي بن
عيسى . فقال له ألا تتقي الله عز وجل هذه نسخة البيعة التي أخذتها أنت خاصة اتق الله فقد بلغت باب قبرك فقال علي من أتاني به فله الف درهم فشتمه أصحاب محمد وخرج من أصحاب علي رجل يقال له حاتم الطائي فحمل عليه طاهر وأخذ السيف بيديه وضربه فصرعه فلذلك سمي طاهر ذا اليمينين .
ووثب أهل الري فأغلقوا باب المدينة فقال طاهر لأصحابه اشتغلوا بمن أمامكم عمن خلقكم فإنه لا ينجيكم إلا الجد والصدق ثم اقتتلوا قتالا شديدا وحملت ميمنة علي على ميسرة طاهر فانهزمت هزيمة منكرة وميسرته على ميمنة طاهر فأزالتها أيضا عن موضعها فقال طاهر اجعلوها جدكم وبأسكم على القلب واحملوا حملة خارجية فإنكم متى فضضتم منها راية واحدة رجعت أوائلها على أواخرها فصبر أصحابه صبرا صادقا وحملوا على أول رايات القلب فهزموهم وأكثروا فيهم القتل ورجعت الرايات بعضها على بعض فانتقضت ميمنة علي .
ورأى ميمنة طاهر وميسرته ما فعل أصحابهم فرجعوا على من بإزائهم فهزموهم وانتهت الهزيمة إلى علي فجعل ينادي أصحابه أين أصحاب الخواص والجوائز والأسورة والأكاليل إلى الكرة بعد الفرة فرماه رجل من أصحاب طاهر بسهم فقتله وقيل داود سياه هو الذي حمل رأسه إلى طاهر وشدت يداه إلى رجليه وحمل على خشبة إلى طاهر فأمر به فألقي في بشر فأعتق طاهر من كان عنده من غلمانه شكرا لله تعالى وتمت الهزيمة ووضع أصحاب طاهر فيهم السيوف وتبعوهم فرسخين
واقعوهم فيها اثنتي عشرة مرة في كل ذلك ينهزم عسكر الأمين وأصحاب طاهر يقتلون ويأسرون حتى حال الليل بينهم وغنموا غنيمة عظيمة .
ونادى طاهر : من القي سلاحه فهو آمن فطرحوا أسلحتهم ونزلوا عن دوابهم ، ورجع طاهر إلى الري وكتب إلى المأمون وذي الرياستين بسم الله الرحمن الرحيم كتابي إلى أمير المؤمنين ورأس علي بن عيسى بين يدي وخاتمه في إصبعي وجنده مصرفون تحت أمري والسلام فورد الكتاب مع البريد في ثلاثة أيام وبينهما نحو من خمسين ومائتي فرسخ ، فدخل ذو الرياستين على المأمون فهنأه بالفتح وأمر الناس فدخلوا عليه فسلموا عليه بالخلافة ثم وصل رأس علي بعد الكتاب بيومين فطيف به في خراسان .
ولما وصل الكتاب بالفتح كان المأمون قد جهز هرثمة في جيش كثير ليسيره نجدة لطاهر فأتاه الخبر بالفتح .
وأما الأمين فإنه أتاه نعي علي بن عيسى وهو يصطاد السمك فقال للذي أخبره ويلك دعني فإن كوثرا قد اصطاد سمكتين وأنا ما صدت شيئا بعد .
ثم بعض الفضل إلى نوفل الخادم وهو وكيل المأمون على ملكه بالسواد والناظر في أمر أولاده ببغداد وكان للمأمون معه ألف ألف درهم كان قد وصله بها الرشيد فأخذ جميع ما عنده وقبض ضياعه وغلاته فقال بعض شعراء بغداد في ذلك :
أضاع الخلافة غش الوزير
وفسق الأمير وجهل المشير
ففضل وزير وبكر مشير
يريدان ما فيه حتف الأمير
وما ذاك إلا طريق غرور
وشر المسالك طرق الغرور
حيث ذكرها مع روعه وندم الأمين على نكثه وغدره ومشى القواد بعضهم إلى بعض في النصف من شوال فاتفقوا على طلب الأرزاق والشغب ففعلوا ذلك ففرق فيهم مالا كثيرا بعد أن قاتلهم عبد الله بن خازم فمنعه الأمين .
ذكر توجيه عبد الرحمن بن جبلة
لما اتصل بالأمين قتل علي بن عيسى وهزيمة عسكره وجه عبد الرحمن بن جبلة الأنباري في عشرين ألف رجل نحو همذان واستعمله عليها وعلى كل ما يفتحه من أرض خراسان وأمره بالجد وأمده بالأموال فسار حتى نزل همذان وحصنها ورم سورها .
وأتاه طاهر إلى همذان فخرج إليه عبد الرحمن على تعبية فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر الفريقان وكثر القتل والجراح فيهم ثم انهزم عبد الرحمن ودخل همذان فأقام بها أياما حتى قوي أصحابه واندمل جراحهم ثم خرج إلى طاهر فلما رآهم قال لأصحابه إن عبد الرحمن يريد أن يتراءى لكم فإذا قربتم منه قاتلكم فإن هزمتموه ودخل المدينة قاتلكم على خندقها وإن هزمكم اتسع له المجال ولكن قفوا قريبا من عسكرنا وخندقنا فإن قرب منا قاتلناه .
يتبع ....