ـ اعداد : الموروث :
هي رسالة تقدمت بها امل رشيد عباس العبيدي الى مجلس كلية التربية للبنات في جامعة بغداد لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها بإشراف الأستاذ الدكتور داود سلوم ، سنة 2005 م .أخترنا منها بعض الصفحات والسطور لنقدمها الى قارئنا الكريم .مما جاء في مقدمة الأطروحة وكما كتبت الباحثة :
((شهد النقد العربي منذ نشأته حتى يومنا هذا حركة واسعة ونشاطاً متميزاً وجهداً دؤوباً وتيارات متباينة، وتمخض عن ذلك الكثير من البحوث والدراسات والمصنفات والمقالات النقدية التي كان هاجسها الاساس البحث والرصد والملاحقة والتنظير والتحليل والدراسة والتقويم. إلا ان النقد في العراق ونجاحه في النصف الاول من القرن العشرين ظل بعيداً عن الدراسة ومازالت آراء النقاد والادباء مبثوتة في الصحف والمجلات تحتاج إلى من يسلط الضوء عليها ويخرجها إلى الدارسين سوى محاولات كان لها اهمية كبيرة قام بها الباحثون المعنيون بالادب والنقد، وعلى الرغم من كثرة انشغالهم في التصدي لحركة النقد الادبي في العراق إلا ان جهود الزهاوي والرصافي النقدية لم تحظ بدراسة جامعية او غير جامعية افردت لها مجتمعين فكانت جدة الموضوع واصالته وقيمة مادته النقدية مسوغاً لهذه الدراسة التي اقترحها عليّ الاستاذ المشرف. ولابد من الاشارة إلى المحاولات التي سبقتنا والتي افاد البحث منها وهي دراسة الدكتور احمد مطلوب (النقد الادبي الحديث في العراق) وكتاب الاستاذ عبد الرزاق الهلالي (الزهاوي في معاركه الادبية والفكرية) وكتاب الدكتور داود سلوم (اثر الفكر الغربي في الشاعر جميل صدقي الزهاوي) ودراسة الاستاذ عباس توفيق (نقد الشعر العربي الحديث في العراق).
اما المنهج الذي اتبعته هذه الدراسة فقام على التتبع والاستقصاء والعرض والدراسة والموازنة والتحليل والمناقشة الهادفة التي تفضي إلى التقويم الموضوعي.
وعلى وفق ذلك ارتأينا ان نقسم الدراسة عل تمهيد وثلاثة فصول تسبقهما مقدمة، تناول التمهيد الظروف السياسية والاجتماعية والتعليمية التي عاشها العراق في ظل الاحتلالين العثماني والانكليزي وقيام الحكومة الوطنية وما تلاها من احداث حتى عام 1945 وهو نهاية الحرب العالمية الثانية.
وخصص الفصل الاول لدراسة آراء الزهاوي النقدية وقسمناه على مبحثين تناول الاول نقد الشكل وشمل (الوزن والقافية والشعر المرسل والشعر المنثور) وتناول الاخر نقد المضمون وشمل (نقد الاغراض الشعرية ووحدة المضمون وآراء مختلفة في مقدمات دواوينه).
وتناولنا في الفصل الثاني آراء الرصافي النقدية وقسمناه على مبحثين ايضاً تناول الاول ماهية الشعر وشمل (الشعر نشأته وتطوره، وثقافة الشاعر، والتزام الشاعر ونظرية الفن للفن) اما الآخر فتناول مناهج دراسة الادب العربي وشمل (منهج دراسة اللغة، والاساليب النثرية والعامية وعلاقتها بالفصحى).
اما الفصل الثالث فخصص للدراسة المقارنة بين الزهاوي والرصافي وتوزع على قسمين تناول الاول مقارنات نقدية وشمل (وحدة القصيدة، والقافية والشعر المنثور والشعر المرسل) امّا الاخر فتناول مساجلات نقدية بين الناقد العراقي والناقد المصري وشمل (نقد الزهاوي، قصائد شوقي، ، ورد الزهاوي على آراء النقاد) ثم انهينا البحث بخاتمة اجملنا فيها اهم النتائج التي توصلنا اليها.
ولا تدعي هذه الرسالة الكمال فالكمال لله وحده وقد لا اكون محقة فيما ذهبت اليه جميعه لكنها محاولة كسائر المحاولات في البحث والدراسة هدفت إلى إخراج فكر نقدي إلى حيز الوجود، فإن بلغت ما تبتغيه فذاك رجاء وأمل وان لم تصل فحسبها انها اجتهدت واثارت قضية في النقد وقد قيل: ومن قرض شعراً او وضع كتاباً فقد استهدف للخصوم وأُستشرف للألسن إلا عند من نظر فيه يعني العدل وحكم بغير الهوى )) .
تناول الفصل الأول آراء الزهاوي النقدية . ومما جاء في هذا الفصل :
(( لابد لكل أمةٍ من ان تمر بحقب ركود حضاري وفكري كما تمر بحقب ازدهار فبطبيعة الحال إن حقب الازدهار تقترن في الغالب بموجبات الصراع الذي يكون بين العناصر الجديدة التي تأتي بها الحياة الجديدة وبين العناصر القديمة التي تحرص روح المجتمعات المحافظة الابقاء عليها والعراق كغيره من المجتمعات نجد فيه مثل هذا الصراع وبخاصة في المرحلة التي تسمى بمرحلة النهضة الحديثة، فمنذ مطلع القرن العشرين الذي يؤرخ بعض الكتاب بداية النقد الادبي الحديث في العراق ان تظهر طبقة من الأدباء الذين تشربت نفوسهم بروح العصر الجديد ان يلتفتوا إلى الأدب فيجدوه ما زال متأخراً هزيلاً يقبع في قيود التقليد والضعف التي ورثها من عهود الانحطاط التي سبقت هذا القرن، ومع اليقظة الفكرية يظهر الإحساس بعدم جدوى هذه القيود والنفور من هذه التقاليد الموروثة. ويتحول الإحساس إلى ثورة تندد بالقديم وتدعو للتخلص من قيوده ولعل أول من حمل لواء هذه الثورة من الشعراء النقاد العراقيين هو جميل صدقي الزهاوي وزميله معروف عبد الغني الرصافي اللذان يعدان ابرز رائدين من رواد نهضة العراق الأدبية الحديثة ويتجلى ذلك من خلال ما طرحاه من آراء ومفاهيم حول الشعر عبرا عنها بالنثر حيناً وبالنظم حيناً آخر . وقد افرد الزهاوي باباً خاصاً في الرباعيات سماه (الشعر والشعراء) عاد وأفرد له ثانية قسماً في ديوانه بالاسم نفسه فضلاً عما جاء في مقدمته للجزء الثاني من كتاب شعراء العصر المطبوع عام 1912 تحت عنوان ( كلمة في الشعر ) المنشورة أيضاً مقدمة ديوان (اللباب) الصادر عام 1928م وتم نشرها كذلك في مجلة لغة العرب كما نشر في مقدمة ديوانه المطبوع سنة 1924 تحت عنوان (نزعتي في الشعر) كذلك محاضرة طويلة القاها في المعهد العلمي العراقي سنة 1922 نشرت فيما بعد في كتاب سحر الشعر لروفائيل بطي المطبوع سنة 1923 سماها الشعر (في كتاب سحر الشعر) .
اما الرصافي فقد جاءت اكثر آراؤه الشعرية مبثوثة في ديوانه أما آراؤه النثرية فكان اغلبها مبثوثاً في كتاب دروس في تاريخ آداب اللغة العربية،يعد الزهاوي من أوائل النقاد العراقيين الذين تناولوا قضية الوزن الشعري، اذ لم يكن يرضَ بالجمود على الاوزان التي اكتشفها الخليل بن احمد الفراهيدي ويعدها من اسباب تأخر الشعر العربي الحديث ودعا الى تطويرها إذ يقول عن الوزن الشعري ((من اسباب تأخر الشعر عندنا جمودنا على القديم من (الاوزان) ولو كان الشعر متقدماً عندنا لما اضطررنا ان نغير كثيراً من الكلمات عن طبيعتها لتجيء موافقة للوزن ويعني بتطور الاوزان في رأيه المجرد اشتقاق موسيقى جديدة او اوزان جديدة تلائم العصر فهو لا يدعو الى ترك الوزن في الشعر وانما دعوة لتطور الوزن وايجاد اوزان جديدة لم يعرفها القدماء ونرى أن الزهاوي يناقض نفسه فمرة يرى القافية قيداً وأخرى يرى ان لا مانع من استخدامها وتغييرها بعد كل بضعة أبيات في القصيدة وتبقى القافية عندهم مشكلة يضطر الشاعر الى استحضار المعنى للحشو فقط من أجل ضبط القافية في القصيدة الواحدة غير إنه عبر مقالاته التي يتحدث فيها عن الشعر يرى ان القافية هي العضو الاثري الذي بقي من كلمات كان يكررها في آخر كل بيت النادب في المناحات والمتحمس في الحرب والصدام يوم تولد الشعر في عصور الجاهلية الأولى ...... يقول الزهاوي:- ((والقافية عندنا أصعب مما هي عند الغربيين بما لا يقاس إذ الروي عندهم ساكن دائماً وعندنا متحرك يجب أن نأتي به في كل ابيات القصيدة على صورةٍ واحدة من ضمة أو كسرة أو فتحة وبعبارة أخرى أوضح يجب أن نجد لآخر الابيات كلمات تتوافق في وزنها وتكون متممة للمعنى المراد وان يكون رويها على شكل واحد من الاعراب) ثم يحدد موقف الغربيين من القافية متهماً إياهم بأنهم قد بتروها وابقو على الوزن وبقي بعضهم متحملاً عبأها ومع ذلك يصر الزهاوي على إنها صائرة الى الزوال فيقول:- ((على ان كثيراً من ادباء الغرب بتروا هذا الذنب الذي لم تبق فيه اليوم فائدة للشعر واكتفوا بالوزن الذي هو قوام الشعر وبقي كثيرٌ منهم متحملاً عبأها يخفف وطأته بتغييرها في القصيدة وهي مع كل حرصهم عليها صائرةُ الى الزوال ........... الزهاوي يرى أن الشاعر الجيّد هو الذي يستطيع ان يجد القافية المناسبة للمعنى وهذه لا تتوافر للشعراء كلهم وذلك لكون القافية ثقيلة وقلة الكلمات غير المهجورة في العربية لذا يضطر الشاعر الى ترك المعاني الجيدة لعدم حصوله على الفاظ (القافية) المناسبة بمعنى ان الشاعر يضحي بالمعنى من أجل القافية وهذا سبب تأخر الشعر العربي من وجهة نظره. ونخالفه هذا الرأي في أن اللغة العربية زاخرة بالالفاظ الدالة لكن الامر يتوقف على الشاعر نفسه في امتلاكه الخزين اللغوي ............. الزهاوي يعد من ابرز الرواد العراقيين الذين حملوا لواء الدعوة الى التجديد في شكل القصيدة العربية في مطلع القرن العشرين وهو من طليعة الذين دعوا الى الشعر المرسل في العراق وتعاطوا نظمه وادعا أنه هو الذي إستحدثه في الشعر العربي ..
واما الشعر المنثور فكان الزهاوي من بين الشعراء الذين رفضوا هذا اللون من الشعر وعدّه نوعاً من السجع ......... أما بصدد الفصيحة والعامية فقد كان الزهاوي من أوائل العراقيين الذين التفتوا إلى ذلك وكتب مقالة تحت عنوان (لغة الكتابة ووجوب اتحادها باللغة المحكية ) يفهم منها الدعوة إلى تهذيب العامية واتخاذها لغة الكتابة ولعله تأثر بالدعوات التي نادى بها السوريون واللبنانيون الذين هاجروا الى المهاجر الأمريكية كجبران وميخائيل نعيمة وآخرون لكنه تراجع عن هذه الدعوة وبطلان هذا الرأي الذي يجعل الفصيحة أثرية كاللاتينية ويؤدي الى تمزيق الأمة العربية . ........ ويؤكد الزهاوي أن الشعر الصادق المؤثر وهو شعر الطبع والسجية .... واحسن الشعر عند الزهاوي- وهنا يبرز الجانب العقلاني في تفكيره- هو ((ما استند إلى الحقائق اكثر من العواطف والخيال البعيدين عنها فكانت حصة العقل فيه اكثر من حصتهما ........... ونرى ان الزهاوي قد اصاب الحقيقة حين قسم الشعر هذه التقسيمات إذ جمع ضمن قسم الوصف اغراضاً كثيرة منها الغزل والمديح والرثاء والفخر ووصف الاشياء والاشخاص وهذه ايضاً التفاتة منه إلى طروحات النقاد الاول إذ يرون ان الشعر العربي الغنائي مرده كله إلى الوصف. حتى قال ابن رشيق القيرواني إن ((الشعر إلا اقله راجع إلى باب الوصف ولا سبيل إلى حصره واستقصائه)) ......... لم يأخذ الزهاوي على الشعراء تقليدهم شعراء العرب السابقين بل انكر ايضاً على الشعراء الذين يحاولون تقليد شعراء الغرب وقد عبّر عن ذلك في مقدمة ديوانه (اللباب) إذ يقول:- ((أمّا التقليد فهو ذميم سواء كان تقليداً لشعراء العرب الاقدمين او لشعراء الغرب المحدثين فإن لكل أمة شعوراً لا يتفق في الغالب وشعور أمةٍ اخرى قد فرقت بينهما سنة الوراثة في اجيال بعد اجيال كما ان الموسيقى عندهما لا تتفق )) . وقال عن التجديد:- ((والجديد من الشعر هو ما كان مشبعاً بالشعور العصري وكان لذلك الشعور تأثير في شعور الاخرين يبهجه فيهم كأنه الكهرباء وكانت الفاظه بمثابة الاسلاك الموصلة لذلك الكهرباء مستوفية لجمال اللغة وموسيقى الوزن سواء كانت من اوزان الخليل او غيرها ولما كان التقليد تكراراً لشعور هو لغير صاحبه وكانت المبالغة ضرباً من الكذب لا صلة لها بالشعور كانا وخيمين لا يهضمهما العصر الحاضر)) ...........
أشار الزهاوي في مقدمة ديوانه (اللباب) إلى الشعر الجيّد من وجهة نظره المستند إلى الحقيقة اكثر من استناده إلى العاطفة والخيال وركز على الناحية العقلية في الشعر فقال:- ((وأحسن الشعر في نظري ما استند إلى الحقائق اكثر من العواطف والخيال البعيدين عنهما فكانت حصة العقل فيه اكثر من حصتهما. وفي الشعر القديم ولاسيما شعر العواطف منه كثير من الجيّد الخالد ولكن تقليده اليوم غير جيّد فهو صدى لصوت قد تقدمه فلا خير فيه والفرق بين الشعورين القديم والجديد ان الاول ضيّق لضيق معارف اصحابه والثاني متسع لسعة معارف أهله ومن هنا تعرف إنما يُطلب من الشاعر العصري اكثر مما يُطلب من المتقدمين وان ما يرفع هذا غير ما يرفع ذاك وان كان كل منهما صادقاً في شعوره ...........
ويرى الزهاوي ان الشاعر يجب ان تتوافر فيه شروط حددها بثلاثة فيقول:- ((والشاعر لا يكون شاعراً إلا إذا توافرت فيه شروط ثلاثة الاول ان يكون له استعداد ذاتي للشعر والثاني ان تغزر مادته في اللغة والعلم والثالث ان يكون قد مارسه طويلاً والسبب في ان اكثر الشباب تعوزه صحة التعبير وسلامة اللفظ هو كونه غير متوسع في اللغة او قليل الممارسة للشعر والتوسع في اللغة والممارسة المجدية يحتاجان إلى زمان طويل ولا يبلغ الحاجة منهما الشاب إلا بعد ان يكون قد فارق شبابه وقليل اولئك الشباب الذين تكون خطواتهم واسعة توصلهم إلى الغايات قبل ان يفارقوا شبابهم ....... كما يرى الزهاوي ان النقد يجب ان يكون نقداً موضوعياً صادراً عن علم ودراية واخلاص وإلا تحول إلى حقدٍ ..... )) .
هي رسالة تقدمت بها امل رشيد عباس العبيدي الى مجلس كلية التربية للبنات في جامعة بغداد لنيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها بإشراف الأستاذ الدكتور داود سلوم ، سنة 2005 م .أخترنا منها بعض الصفحات والسطور لنقدمها الى قارئنا الكريم .مما جاء في مقدمة الأطروحة وكما كتبت الباحثة :
((شهد النقد العربي منذ نشأته حتى يومنا هذا حركة واسعة ونشاطاً متميزاً وجهداً دؤوباً وتيارات متباينة، وتمخض عن ذلك الكثير من البحوث والدراسات والمصنفات والمقالات النقدية التي كان هاجسها الاساس البحث والرصد والملاحقة والتنظير والتحليل والدراسة والتقويم. إلا ان النقد في العراق ونجاحه في النصف الاول من القرن العشرين ظل بعيداً عن الدراسة ومازالت آراء النقاد والادباء مبثوتة في الصحف والمجلات تحتاج إلى من يسلط الضوء عليها ويخرجها إلى الدارسين سوى محاولات كان لها اهمية كبيرة قام بها الباحثون المعنيون بالادب والنقد، وعلى الرغم من كثرة انشغالهم في التصدي لحركة النقد الادبي في العراق إلا ان جهود الزهاوي والرصافي النقدية لم تحظ بدراسة جامعية او غير جامعية افردت لها مجتمعين فكانت جدة الموضوع واصالته وقيمة مادته النقدية مسوغاً لهذه الدراسة التي اقترحها عليّ الاستاذ المشرف. ولابد من الاشارة إلى المحاولات التي سبقتنا والتي افاد البحث منها وهي دراسة الدكتور احمد مطلوب (النقد الادبي الحديث في العراق) وكتاب الاستاذ عبد الرزاق الهلالي (الزهاوي في معاركه الادبية والفكرية) وكتاب الدكتور داود سلوم (اثر الفكر الغربي في الشاعر جميل صدقي الزهاوي) ودراسة الاستاذ عباس توفيق (نقد الشعر العربي الحديث في العراق).
اما المنهج الذي اتبعته هذه الدراسة فقام على التتبع والاستقصاء والعرض والدراسة والموازنة والتحليل والمناقشة الهادفة التي تفضي إلى التقويم الموضوعي.
وعلى وفق ذلك ارتأينا ان نقسم الدراسة عل تمهيد وثلاثة فصول تسبقهما مقدمة، تناول التمهيد الظروف السياسية والاجتماعية والتعليمية التي عاشها العراق في ظل الاحتلالين العثماني والانكليزي وقيام الحكومة الوطنية وما تلاها من احداث حتى عام 1945 وهو نهاية الحرب العالمية الثانية.
وخصص الفصل الاول لدراسة آراء الزهاوي النقدية وقسمناه على مبحثين تناول الاول نقد الشكل وشمل (الوزن والقافية والشعر المرسل والشعر المنثور) وتناول الاخر نقد المضمون وشمل (نقد الاغراض الشعرية ووحدة المضمون وآراء مختلفة في مقدمات دواوينه).
وتناولنا في الفصل الثاني آراء الرصافي النقدية وقسمناه على مبحثين ايضاً تناول الاول ماهية الشعر وشمل (الشعر نشأته وتطوره، وثقافة الشاعر، والتزام الشاعر ونظرية الفن للفن) اما الآخر فتناول مناهج دراسة الادب العربي وشمل (منهج دراسة اللغة، والاساليب النثرية والعامية وعلاقتها بالفصحى).
اما الفصل الثالث فخصص للدراسة المقارنة بين الزهاوي والرصافي وتوزع على قسمين تناول الاول مقارنات نقدية وشمل (وحدة القصيدة، والقافية والشعر المنثور والشعر المرسل) امّا الاخر فتناول مساجلات نقدية بين الناقد العراقي والناقد المصري وشمل (نقد الزهاوي، قصائد شوقي، ، ورد الزهاوي على آراء النقاد) ثم انهينا البحث بخاتمة اجملنا فيها اهم النتائج التي توصلنا اليها.
ولا تدعي هذه الرسالة الكمال فالكمال لله وحده وقد لا اكون محقة فيما ذهبت اليه جميعه لكنها محاولة كسائر المحاولات في البحث والدراسة هدفت إلى إخراج فكر نقدي إلى حيز الوجود، فإن بلغت ما تبتغيه فذاك رجاء وأمل وان لم تصل فحسبها انها اجتهدت واثارت قضية في النقد وقد قيل: ومن قرض شعراً او وضع كتاباً فقد استهدف للخصوم وأُستشرف للألسن إلا عند من نظر فيه يعني العدل وحكم بغير الهوى )) .
تناول الفصل الأول آراء الزهاوي النقدية . ومما جاء في هذا الفصل :
(( لابد لكل أمةٍ من ان تمر بحقب ركود حضاري وفكري كما تمر بحقب ازدهار فبطبيعة الحال إن حقب الازدهار تقترن في الغالب بموجبات الصراع الذي يكون بين العناصر الجديدة التي تأتي بها الحياة الجديدة وبين العناصر القديمة التي تحرص روح المجتمعات المحافظة الابقاء عليها والعراق كغيره من المجتمعات نجد فيه مثل هذا الصراع وبخاصة في المرحلة التي تسمى بمرحلة النهضة الحديثة، فمنذ مطلع القرن العشرين الذي يؤرخ بعض الكتاب بداية النقد الادبي الحديث في العراق ان تظهر طبقة من الأدباء الذين تشربت نفوسهم بروح العصر الجديد ان يلتفتوا إلى الأدب فيجدوه ما زال متأخراً هزيلاً يقبع في قيود التقليد والضعف التي ورثها من عهود الانحطاط التي سبقت هذا القرن، ومع اليقظة الفكرية يظهر الإحساس بعدم جدوى هذه القيود والنفور من هذه التقاليد الموروثة. ويتحول الإحساس إلى ثورة تندد بالقديم وتدعو للتخلص من قيوده ولعل أول من حمل لواء هذه الثورة من الشعراء النقاد العراقيين هو جميل صدقي الزهاوي وزميله معروف عبد الغني الرصافي اللذان يعدان ابرز رائدين من رواد نهضة العراق الأدبية الحديثة ويتجلى ذلك من خلال ما طرحاه من آراء ومفاهيم حول الشعر عبرا عنها بالنثر حيناً وبالنظم حيناً آخر . وقد افرد الزهاوي باباً خاصاً في الرباعيات سماه (الشعر والشعراء) عاد وأفرد له ثانية قسماً في ديوانه بالاسم نفسه فضلاً عما جاء في مقدمته للجزء الثاني من كتاب شعراء العصر المطبوع عام 1912 تحت عنوان ( كلمة في الشعر ) المنشورة أيضاً مقدمة ديوان (اللباب) الصادر عام 1928م وتم نشرها كذلك في مجلة لغة العرب كما نشر في مقدمة ديوانه المطبوع سنة 1924 تحت عنوان (نزعتي في الشعر) كذلك محاضرة طويلة القاها في المعهد العلمي العراقي سنة 1922 نشرت فيما بعد في كتاب سحر الشعر لروفائيل بطي المطبوع سنة 1923 سماها الشعر (في كتاب سحر الشعر) .
اما الرصافي فقد جاءت اكثر آراؤه الشعرية مبثوثة في ديوانه أما آراؤه النثرية فكان اغلبها مبثوثاً في كتاب دروس في تاريخ آداب اللغة العربية،يعد الزهاوي من أوائل النقاد العراقيين الذين تناولوا قضية الوزن الشعري، اذ لم يكن يرضَ بالجمود على الاوزان التي اكتشفها الخليل بن احمد الفراهيدي ويعدها من اسباب تأخر الشعر العربي الحديث ودعا الى تطويرها إذ يقول عن الوزن الشعري ((من اسباب تأخر الشعر عندنا جمودنا على القديم من (الاوزان) ولو كان الشعر متقدماً عندنا لما اضطررنا ان نغير كثيراً من الكلمات عن طبيعتها لتجيء موافقة للوزن ويعني بتطور الاوزان في رأيه المجرد اشتقاق موسيقى جديدة او اوزان جديدة تلائم العصر فهو لا يدعو الى ترك الوزن في الشعر وانما دعوة لتطور الوزن وايجاد اوزان جديدة لم يعرفها القدماء ونرى أن الزهاوي يناقض نفسه فمرة يرى القافية قيداً وأخرى يرى ان لا مانع من استخدامها وتغييرها بعد كل بضعة أبيات في القصيدة وتبقى القافية عندهم مشكلة يضطر الشاعر الى استحضار المعنى للحشو فقط من أجل ضبط القافية في القصيدة الواحدة غير إنه عبر مقالاته التي يتحدث فيها عن الشعر يرى ان القافية هي العضو الاثري الذي بقي من كلمات كان يكررها في آخر كل بيت النادب في المناحات والمتحمس في الحرب والصدام يوم تولد الشعر في عصور الجاهلية الأولى ...... يقول الزهاوي:- ((والقافية عندنا أصعب مما هي عند الغربيين بما لا يقاس إذ الروي عندهم ساكن دائماً وعندنا متحرك يجب أن نأتي به في كل ابيات القصيدة على صورةٍ واحدة من ضمة أو كسرة أو فتحة وبعبارة أخرى أوضح يجب أن نجد لآخر الابيات كلمات تتوافق في وزنها وتكون متممة للمعنى المراد وان يكون رويها على شكل واحد من الاعراب) ثم يحدد موقف الغربيين من القافية متهماً إياهم بأنهم قد بتروها وابقو على الوزن وبقي بعضهم متحملاً عبأها ومع ذلك يصر الزهاوي على إنها صائرة الى الزوال فيقول:- ((على ان كثيراً من ادباء الغرب بتروا هذا الذنب الذي لم تبق فيه اليوم فائدة للشعر واكتفوا بالوزن الذي هو قوام الشعر وبقي كثيرٌ منهم متحملاً عبأها يخفف وطأته بتغييرها في القصيدة وهي مع كل حرصهم عليها صائرةُ الى الزوال ........... الزهاوي يرى أن الشاعر الجيّد هو الذي يستطيع ان يجد القافية المناسبة للمعنى وهذه لا تتوافر للشعراء كلهم وذلك لكون القافية ثقيلة وقلة الكلمات غير المهجورة في العربية لذا يضطر الشاعر الى ترك المعاني الجيدة لعدم حصوله على الفاظ (القافية) المناسبة بمعنى ان الشاعر يضحي بالمعنى من أجل القافية وهذا سبب تأخر الشعر العربي من وجهة نظره. ونخالفه هذا الرأي في أن اللغة العربية زاخرة بالالفاظ الدالة لكن الامر يتوقف على الشاعر نفسه في امتلاكه الخزين اللغوي ............. الزهاوي يعد من ابرز الرواد العراقيين الذين حملوا لواء الدعوة الى التجديد في شكل القصيدة العربية في مطلع القرن العشرين وهو من طليعة الذين دعوا الى الشعر المرسل في العراق وتعاطوا نظمه وادعا أنه هو الذي إستحدثه في الشعر العربي ..
واما الشعر المنثور فكان الزهاوي من بين الشعراء الذين رفضوا هذا اللون من الشعر وعدّه نوعاً من السجع ......... أما بصدد الفصيحة والعامية فقد كان الزهاوي من أوائل العراقيين الذين التفتوا إلى ذلك وكتب مقالة تحت عنوان (لغة الكتابة ووجوب اتحادها باللغة المحكية ) يفهم منها الدعوة إلى تهذيب العامية واتخاذها لغة الكتابة ولعله تأثر بالدعوات التي نادى بها السوريون واللبنانيون الذين هاجروا الى المهاجر الأمريكية كجبران وميخائيل نعيمة وآخرون لكنه تراجع عن هذه الدعوة وبطلان هذا الرأي الذي يجعل الفصيحة أثرية كاللاتينية ويؤدي الى تمزيق الأمة العربية . ........ ويؤكد الزهاوي أن الشعر الصادق المؤثر وهو شعر الطبع والسجية .... واحسن الشعر عند الزهاوي- وهنا يبرز الجانب العقلاني في تفكيره- هو ((ما استند إلى الحقائق اكثر من العواطف والخيال البعيدين عنها فكانت حصة العقل فيه اكثر من حصتهما ........... ونرى ان الزهاوي قد اصاب الحقيقة حين قسم الشعر هذه التقسيمات إذ جمع ضمن قسم الوصف اغراضاً كثيرة منها الغزل والمديح والرثاء والفخر ووصف الاشياء والاشخاص وهذه ايضاً التفاتة منه إلى طروحات النقاد الاول إذ يرون ان الشعر العربي الغنائي مرده كله إلى الوصف. حتى قال ابن رشيق القيرواني إن ((الشعر إلا اقله راجع إلى باب الوصف ولا سبيل إلى حصره واستقصائه)) ......... لم يأخذ الزهاوي على الشعراء تقليدهم شعراء العرب السابقين بل انكر ايضاً على الشعراء الذين يحاولون تقليد شعراء الغرب وقد عبّر عن ذلك في مقدمة ديوانه (اللباب) إذ يقول:- ((أمّا التقليد فهو ذميم سواء كان تقليداً لشعراء العرب الاقدمين او لشعراء الغرب المحدثين فإن لكل أمة شعوراً لا يتفق في الغالب وشعور أمةٍ اخرى قد فرقت بينهما سنة الوراثة في اجيال بعد اجيال كما ان الموسيقى عندهما لا تتفق )) . وقال عن التجديد:- ((والجديد من الشعر هو ما كان مشبعاً بالشعور العصري وكان لذلك الشعور تأثير في شعور الاخرين يبهجه فيهم كأنه الكهرباء وكانت الفاظه بمثابة الاسلاك الموصلة لذلك الكهرباء مستوفية لجمال اللغة وموسيقى الوزن سواء كانت من اوزان الخليل او غيرها ولما كان التقليد تكراراً لشعور هو لغير صاحبه وكانت المبالغة ضرباً من الكذب لا صلة لها بالشعور كانا وخيمين لا يهضمهما العصر الحاضر)) ...........
أشار الزهاوي في مقدمة ديوانه (اللباب) إلى الشعر الجيّد من وجهة نظره المستند إلى الحقيقة اكثر من استناده إلى العاطفة والخيال وركز على الناحية العقلية في الشعر فقال:- ((وأحسن الشعر في نظري ما استند إلى الحقائق اكثر من العواطف والخيال البعيدين عنهما فكانت حصة العقل فيه اكثر من حصتهما. وفي الشعر القديم ولاسيما شعر العواطف منه كثير من الجيّد الخالد ولكن تقليده اليوم غير جيّد فهو صدى لصوت قد تقدمه فلا خير فيه والفرق بين الشعورين القديم والجديد ان الاول ضيّق لضيق معارف اصحابه والثاني متسع لسعة معارف أهله ومن هنا تعرف إنما يُطلب من الشاعر العصري اكثر مما يُطلب من المتقدمين وان ما يرفع هذا غير ما يرفع ذاك وان كان كل منهما صادقاً في شعوره ...........
ويرى الزهاوي ان الشاعر يجب ان تتوافر فيه شروط حددها بثلاثة فيقول:- ((والشاعر لا يكون شاعراً إلا إذا توافرت فيه شروط ثلاثة الاول ان يكون له استعداد ذاتي للشعر والثاني ان تغزر مادته في اللغة والعلم والثالث ان يكون قد مارسه طويلاً والسبب في ان اكثر الشباب تعوزه صحة التعبير وسلامة اللفظ هو كونه غير متوسع في اللغة او قليل الممارسة للشعر والتوسع في اللغة والممارسة المجدية يحتاجان إلى زمان طويل ولا يبلغ الحاجة منهما الشاب إلا بعد ان يكون قد فارق شبابه وقليل اولئك الشباب الذين تكون خطواتهم واسعة توصلهم إلى الغايات قبل ان يفارقوا شبابهم ....... كما يرى الزهاوي ان النقد يجب ان يكون نقداً موضوعياً صادراً عن علم ودراية واخلاص وإلا تحول إلى حقدٍ ..... )) .