في كتاب الارشاد أن أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام دخل ذات يوم المسجد ،
فوجد شابا حدثا يبكي وحوله قوم ، فسأل أمير المؤمنين عليه السلام عنه ،
فقال : إن شريحا قضى علي بقضية لم ينصفني فيها ، قال : ( وما
شأنك ؟ ) قال : إن هؤلاء النفر - وأومأ إلى نفر حضور - أخرجوا أبي
معهم في سفر ، فرجعوا ولم يرجع ، فسألتهم عنه فقالوا : مات ،
فسألتهم عن ماله الذي استصحبه ، فقالوا . ما نعرف له مالا ،
فاستحلفهم شريح وتقدم إلي بترك التعرض لهم .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر : إجمع القوم وادع لي
شرط الخميس ثم جلس ودعا النفر والحدث معهم ، فسأله عما قال ،
فأعاد الدعوى وجعل يبكي ويقول : أنا والله أتهمهم على أبي يا أمير
المؤمنين ، فإنهم احتالوا عليه حتى أخرجوه معهم ، وطمعوا في ماله . فسأل
أمير المؤمنين عليه السلام القوم ، فقالوا كما قالوا لشريح : مات
الرجل ولا نعرف له مالا ، فنظر في وجوههم ثم قال لهم : ( ماذا ؟ أتظنون أني
لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى ! إني إذا لقليل العلم ) .
ثم أمر بهم أن يفرقوا ، ففرقوا في المسجد ، وأقيم كل رجل منهم
إلى جانب أسطوانة من أساطين المسجد ، ثم دعا عبيد الله بن أبي رافع
كاتبه يومئذ فقال له : ( اجلس ) ثم دعا واحدا منهم فقال له : ( أخبرني
ولا ترفع صوتك ، في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الغلام
معكم ؟ ) فقال : في يوم كذا وكذا ، فقال لعبيد الله : ( أكتب ) ثم قال
له : ( في أي شهر كان ؟ ) قال : في شهر كذا ، قال : ( أكتب ) ثم قال :
( في أي سنة ؟ ) قال : في سنة كذا ، فكتب عبيد الله ذلك ، قال : ( فبأي
مرض مات ؟ ) قال : بمرض كذا ، قال : ( ففي أي منزل مات ؟ ) قال :
في موضع كذا ، قال : ( من غسله وكفنه ؟ ) قال : فلان ، قال : ( فبم
كفنتموه ؟ ) قال : بكذا ، قال : ( فمن صلى عليه ؟ ) قال : فلان ، قال :
( فمن أدخله القبر ؟ ) قال : فلان ، وعبيد الله بن أبي رافع يكتب ذلك
كله ، فلما انتهى إقراره إلى دفنه ، كبر أمير المؤمنين عليه السلام تكبيرة
سمعها أهل المسجد ، ثم أمر بالرجل فرد إلى مكانه .
ودعا بآخر من القوم فأجلسه بالقرب منه ، ثم سأله عما سأل الأول
عنه ، فأجاب بما خالف الأول في الكلام كله . وعبيد الله بن أبي رافع يكتب
ذلك ، فلما فرغ من سؤاله كبر تكبيرة سمعها أهل المسجد ، ثم أمر بالرجلين
جميعا أن يخرجا عن المسجد نحو الحبس ، فيوقف بهما على بابه .
ثم دعا بثالث فسأله عما سأل الرجلين فحكى خلاف ما قالا ،
وأثبت ذلك عنه ، ثم كبر وأمر بإخراجه نحو صاحبيه .
ودعا برابع من القوم فاضطرب قوله ولجلج ، فوعظه وخوفه
فاعترف أنه وأصحابه قتلوا الرجل وأخذوا ماله ، وأنهم دفنوه في
موضع كذا وكذا بالقرب من الكوفة ، فكبر أمير المؤمنين عليه السلام
وأمر به إلى السجن .
واستدعى واحدا من القوم فقال له : ( زعمت أن الرجل مات
حتف أنفه وقد قتلته ، اصدقني عن حالك ، وإلا نكلت بك ، فقد وضح
لي الحق في قصتكم ) فاعترف من قتل الرجل بما اعترف به صاحبه ، ثم
دعا الباقين فاعترفوا عنده بالقتل وسقط في أيديهم ، واتفقت كلمتهم
على قتل الرجل وأخذ ماله . فأمر من مضى مع بعضهم إلى موضع
المال الذي دفنوه ، فاستخرجه منه وسلمه إلى الغلام ابن الرجل المقتول ،
ثم قال له : ( ما الذي تريد ؟ قد عرفت ما صنع القوم بأبيك ) قال :
أريد أن يكون القضاء بيني وبينهم بين يدي الله عز وجل ، وقد عفوت عن
دمائهم في الدنيا ، فدرأ عنهم أمير المؤمنين عليه السلام حد القتل
وأنهكهم عقوبة .
فقال شريح : يا أمير المؤمنين كيف هذا الحكم ؟ فقال له : ( إن
داود عليه السلام مر بغلمان يلعبون وينادون بواحد منهم : يا مات
الدين قال : والغلام يجيبهم ، فدنا داود عليه السلام منهم فقال له :
يا غلام ما اسمك ؟ قال : اسمي مات الدين ، قال له داود : ومن سماك
بهذا الاسم ؟ قال : أمي ، فقال له داود عليه السلام : وأين أمك ؟
قال : في منزلها ، فقال داود عليه السلام : انطلق بنا إلى أمك ، فانطلق
به إليها فاستخرجها من منزلها فخرجت ، فقال : يا أمة الله ما اسم ابنك
هذا ؟ قالت : اسمه مات الدين ، قال لها داود : من سماه بهذا الاسم ؟
قالت : أبوه ، قال : وما كان سبب ذلك ؟ قالت : إنه خرج في سفر له
ومعه قوم ، وأنا حامل بهذا الغلام ، فانصرف القوم ولم ينصرف
زوجي معهم ، فسألتهم عنه فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله فقالوا :
ما ترك مالا ، فقلت لهم : فهل وصاكم بوصية ؟ قالوا : زعم أنك
حبلى ، فإن ولدت جارية أو غلاما فسميه مات الدين ، فسميته كما
وصى ولم أحب خلافه ، فقال لها داود عليه السلام : فهل تعرفين
القوم ؟ قالت : نعم ، قال لها داود : انطلقي مع هؤلاء - يعني قوما بين
يديه - فاستخرجيهم من منازلهم ، فلما حضروه حكم فيهم بهذه
الحكومة ، فثبت عليهم الدم ، واستخرج منهم المال ، ثم قال لها : يا أمة الله
سمي ابنك هذا بعاش الدين .
فوجد شابا حدثا يبكي وحوله قوم ، فسأل أمير المؤمنين عليه السلام عنه ،
فقال : إن شريحا قضى علي بقضية لم ينصفني فيها ، قال : ( وما
شأنك ؟ ) قال : إن هؤلاء النفر - وأومأ إلى نفر حضور - أخرجوا أبي
معهم في سفر ، فرجعوا ولم يرجع ، فسألتهم عنه فقالوا : مات ،
فسألتهم عن ماله الذي استصحبه ، فقالوا . ما نعرف له مالا ،
فاستحلفهم شريح وتقدم إلي بترك التعرض لهم .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر : إجمع القوم وادع لي
شرط الخميس ثم جلس ودعا النفر والحدث معهم ، فسأله عما قال ،
فأعاد الدعوى وجعل يبكي ويقول : أنا والله أتهمهم على أبي يا أمير
المؤمنين ، فإنهم احتالوا عليه حتى أخرجوه معهم ، وطمعوا في ماله . فسأل
أمير المؤمنين عليه السلام القوم ، فقالوا كما قالوا لشريح : مات
الرجل ولا نعرف له مالا ، فنظر في وجوههم ثم قال لهم : ( ماذا ؟ أتظنون أني
لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى ! إني إذا لقليل العلم ) .
ثم أمر بهم أن يفرقوا ، ففرقوا في المسجد ، وأقيم كل رجل منهم
إلى جانب أسطوانة من أساطين المسجد ، ثم دعا عبيد الله بن أبي رافع
كاتبه يومئذ فقال له : ( اجلس ) ثم دعا واحدا منهم فقال له : ( أخبرني
ولا ترفع صوتك ، في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الغلام
معكم ؟ ) فقال : في يوم كذا وكذا ، فقال لعبيد الله : ( أكتب ) ثم قال
له : ( في أي شهر كان ؟ ) قال : في شهر كذا ، قال : ( أكتب ) ثم قال :
( في أي سنة ؟ ) قال : في سنة كذا ، فكتب عبيد الله ذلك ، قال : ( فبأي
مرض مات ؟ ) قال : بمرض كذا ، قال : ( ففي أي منزل مات ؟ ) قال :
في موضع كذا ، قال : ( من غسله وكفنه ؟ ) قال : فلان ، قال : ( فبم
كفنتموه ؟ ) قال : بكذا ، قال : ( فمن صلى عليه ؟ ) قال : فلان ، قال :
( فمن أدخله القبر ؟ ) قال : فلان ، وعبيد الله بن أبي رافع يكتب ذلك
كله ، فلما انتهى إقراره إلى دفنه ، كبر أمير المؤمنين عليه السلام تكبيرة
سمعها أهل المسجد ، ثم أمر بالرجل فرد إلى مكانه .
ودعا بآخر من القوم فأجلسه بالقرب منه ، ثم سأله عما سأل الأول
عنه ، فأجاب بما خالف الأول في الكلام كله . وعبيد الله بن أبي رافع يكتب
ذلك ، فلما فرغ من سؤاله كبر تكبيرة سمعها أهل المسجد ، ثم أمر بالرجلين
جميعا أن يخرجا عن المسجد نحو الحبس ، فيوقف بهما على بابه .
ثم دعا بثالث فسأله عما سأل الرجلين فحكى خلاف ما قالا ،
وأثبت ذلك عنه ، ثم كبر وأمر بإخراجه نحو صاحبيه .
ودعا برابع من القوم فاضطرب قوله ولجلج ، فوعظه وخوفه
فاعترف أنه وأصحابه قتلوا الرجل وأخذوا ماله ، وأنهم دفنوه في
موضع كذا وكذا بالقرب من الكوفة ، فكبر أمير المؤمنين عليه السلام
وأمر به إلى السجن .
واستدعى واحدا من القوم فقال له : ( زعمت أن الرجل مات
حتف أنفه وقد قتلته ، اصدقني عن حالك ، وإلا نكلت بك ، فقد وضح
لي الحق في قصتكم ) فاعترف من قتل الرجل بما اعترف به صاحبه ، ثم
دعا الباقين فاعترفوا عنده بالقتل وسقط في أيديهم ، واتفقت كلمتهم
على قتل الرجل وأخذ ماله . فأمر من مضى مع بعضهم إلى موضع
المال الذي دفنوه ، فاستخرجه منه وسلمه إلى الغلام ابن الرجل المقتول ،
ثم قال له : ( ما الذي تريد ؟ قد عرفت ما صنع القوم بأبيك ) قال :
أريد أن يكون القضاء بيني وبينهم بين يدي الله عز وجل ، وقد عفوت عن
دمائهم في الدنيا ، فدرأ عنهم أمير المؤمنين عليه السلام حد القتل
وأنهكهم عقوبة .
فقال شريح : يا أمير المؤمنين كيف هذا الحكم ؟ فقال له : ( إن
داود عليه السلام مر بغلمان يلعبون وينادون بواحد منهم : يا مات
الدين قال : والغلام يجيبهم ، فدنا داود عليه السلام منهم فقال له :
يا غلام ما اسمك ؟ قال : اسمي مات الدين ، قال له داود : ومن سماك
بهذا الاسم ؟ قال : أمي ، فقال له داود عليه السلام : وأين أمك ؟
قال : في منزلها ، فقال داود عليه السلام : انطلق بنا إلى أمك ، فانطلق
به إليها فاستخرجها من منزلها فخرجت ، فقال : يا أمة الله ما اسم ابنك
هذا ؟ قالت : اسمه مات الدين ، قال لها داود : من سماه بهذا الاسم ؟
قالت : أبوه ، قال : وما كان سبب ذلك ؟ قالت : إنه خرج في سفر له
ومعه قوم ، وأنا حامل بهذا الغلام ، فانصرف القوم ولم ينصرف
زوجي معهم ، فسألتهم عنه فقالوا : مات ، فسألتهم عن ماله فقالوا :
ما ترك مالا ، فقلت لهم : فهل وصاكم بوصية ؟ قالوا : زعم أنك
حبلى ، فإن ولدت جارية أو غلاما فسميه مات الدين ، فسميته كما
وصى ولم أحب خلافه ، فقال لها داود عليه السلام : فهل تعرفين
القوم ؟ قالت : نعم ، قال لها داود : انطلقي مع هؤلاء - يعني قوما بين
يديه - فاستخرجيهم من منازلهم ، فلما حضروه حكم فيهم بهذه
الحكومة ، فثبت عليهم الدم ، واستخرج منهم المال ، ثم قال لها : يا أمة الله
سمي ابنك هذا بعاش الدين .