اهمية مكة
كانت مكة المكرمة معظمة من قبل جميع الأديان والقوميات ، يقدمون لها الهدايا والقرابين
والنذور ويزورونها للدعاء حتى قبل بناء إبراهيم ( عليه السلام ) لها . فكانت الهنود يعظمونها
ويقولون أن روح " سينا " وهو الأقوم الثالث عندهم حلت في الحجر الأسود .
حيث زار سينا مع زوجته بلاد الحجاز.
وكانت الصابئة من الفرس والكلدانيين يعدونها أحد البيوت السبعة المعظمة .
وربما قيل أنه بيت زحل لقدم عهده وطول بقاءه ، وكانت الفرس يحترمون الكعبة
أيضا زاعمين أن روح هرمز حلت فيها.
وكان أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام وتطوف به تعظيما له ولجدها
إبراهيم . وكان آخر من حج منهم ساسان بن بابك . وقد أهدى غزالين من ذهب
وجواهر وسيوف وذهب كثير ، فدفن في زمزم . وقد افتخر بعض شعراء الفرس بعد
ظهور الإسلام وقال :
وما زلنا نحج البيت جمعا
ونلقى بالأباطح آمنينا
وساسان بن بابك سار حتى
أتى البيت العتيق يطوف دينا
وكانت اليهود يعظمونها ويعبدون الله فيها على دين إبراهيم ( عليه السلام ) وكان بها
صور وتماثيل فيها تمثال إبراهيم ( عليه السلام ) وإسماعيل ( عليه السلام ) وكان بها صور العذراء
والمسيح ( عليهما السلام ) ويشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها. وكان موضع البيت
الحرام يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض . ويدعو عنده المكروب فكل من
دعا هنالك إلا استجيب له . وكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله
مكانه لإبراهيم ( عليه السلام ) لما أراد عمارة بيته وإظهار دينه وشريعته.
ولم يزل منذ أهبط الله آدم ( عليه السلام ) إلى الأرض محرما بيته تتناسخه الأمم والملل
أمة بعد أمة وملة بعد ملة.
وكان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة يتعبد فيها ذلك النبي ومن
معه حتى يموت فيها فمات فيها من مات من الانبياء ، وقبورهم بين زمزم
والحجر.
وبين زمزم والركن قبر سبعين نبي.
ومن هذا نعلم مدى أهمية زعامة مكة عالميا وليس فقط بالنسبة للجزيرة
والعرب .
عهد آدم ( عليه السلام )
عندما أنزل الله سبحانه وتعالى آدم إلى الأرض حمله الأمانة على هذه
الأرض ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها
وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ).
ثم أخذ منه ومن ذريته ميثاق الربوبية ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من
ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا
يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ).
وعندما أحس آدم وحواء ( عليهما السلام ) بالوحدة والوحشة طلبا من الله سبحانه
وتعالى أن يأتيهما صالحا يأنسا به ، فأوصى الله تعالى إلى آدم ( سأخرج من صلبك
من يسبحني ويحمدني وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكري واجعل فيها بيتا أخصه
بكرامتي وأسميه بيتي واجعله حرما آمنا تعمره أنت يا آدم ما كنت حيا . ثم تعمره
الأمم والقرون والأنبياء من ولدك ).
ولما حقق الله له ذلك وأصبحت له ذريه وأصبحوا له رعية . واجه آدم
المشكلة الأولى ، وهي الصراع بين قابيل وهابيل .
( وأتلوا عليهم نبأ بني آدم بالحق إذ قربا
قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ).
فاستشاط قابيل غيضا عندما جاء الحكم ليس بصالحه ورفض الحكم وقتل
أخيه هابيل بعد أن قال له هابيل ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا باسط يدي
إليك لأقتلك ) لكن قابيل ( فطوعت له نفسه قتل أخيه ) فقتله .
ومن هذا الحدث الخطير انقسمت الإنسانية ومنذ عصر آدم ( عليه السلام ) إلى قسمين .
أهل الخير وأهل الشر . إحتفظ أبناء آدم الخيرين من ذرية آدم بموقعهم قرب
الكعبة في جبال مكة وضواحيها . بينما ذهب قابيل وبنيه إلى سهول الجزيرة واليمن
اندفعوا في أرض الله الواسعة بعيدا عن نور النبوة ومشعل الهدى فراحوا في ظلام
الجهل يتخبطهم الشيطان يفعلون المنكر ويأتون الشهوات ويعثون في الأرض
فسادا ، وتعلموا الطرب والغناء وما شابه ذلك من الموبقات .
عهد شيث ابن آدم (عليهما السلام)
عندما مرض آدم ( عليه السلام ) مرضه الأخير . جعل الوصية لابنه شيث وأمره أن يكتم
علمه عن قابيل حتى لا يفعل به ما فعله مع هابيل .
ومن نشاطات شيث : أنه بنى الكعبة من الحجارة والطين بعد ما كانت من
الخيام .
واستطاع شيث أن يضبط من كان تحت ولايته على المنهج الإلهي الصحيح
فترة حياته ، ليحافظوا على الفطرة التي فطرهم الله
تعالى والأمانة التي أودعها سبحانه وتعالى ويلتزموا بالميثاق الذي أخذه الله على
الإنسان .
وعندما حضرته الوفاة أوصى لابنه آنوش ما أوصاه آدم ( عليه السلام ) إليه . وما زال
أبناء آدم الذين سكنوا الحرم محافظين على إلتزامهم
، ويتوارد زعامتهم صالح بعد صالح إلى أن جاء " برد " فنزل بعض ذرية
شيث من الجبل واختلطوا بذرية قابيل التي عمها الفساد وبعد " برد "
" أخنوح "
وقيل إنه إدريس النبي ( عليه السلام ) فزاد الاختلاط وكثر الفساد حتى بين أبناء شيث ولم
يبق من الصالحين إلا نفر قلائل . فنقضوا الميثاق وعبدوا الأوثان وبدأت مرحلة
العمل الإصلاحي التي تزعمها نوح ( عليه السلام ) .
عهد نوح (عليه السلام)
وفي زمانه إستشرى الفساد وعبدوا الأوثان كما ذكر القرآن الكريم ( وقالوا لا
تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ونسرا قد أضلوا كثير ). ولما
طالت دعوته دون أن يستجيب له أحد ، بل وجد الأبناء أشر من الآباء اعتذر نوح
إلى ربه ( قال ربي إني دعوت قومي ليلا ونهارا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ).
فأجابه ربه ( ربي لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ).
فاقتضت الحكمة الإلهية أن تطهر الأرض من الكافرين لتبدأ دورة حياة
جديدة للإنسان . فأمر الله تعالى نوحا أن يصنع الفلك ( واصنع الفلك بأعيننا
ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) وفعلا تحقق أمر الله فيهم
وعلموا ما كانوا يجهلون ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ) وحتى لا تنقرض
الحياة على هذا الكوكب ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق
عليه القول . ومن آمن ) واستثني من أهله ابنه ( لأنه عمل غير صالح ) ثم جاء
أمر الله إلى السماء والأرض ( ففتحنا أبواب السما بماء منهمر ) ولم ينفع ابن نوح
الذي اعتصم بأحد الجبال الشاهقة حيث ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من
رحم ) وعندما طهرت الأرض من الظالمين ( قيل بعدا للقوم الظالمين )
عند ذلك جاء الأمر الإلهي الآخر ( قيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي
وغيض الماء ) .
وبهذا بدأت دورة حياة جديدة للإنسانية . وزع عناصرها نوح ( عليه السلام ) - مما بقي
معه في السفينة - على الكرة الأرضية. فكان سام الابن الأكبر لنوح ووصيه
كذلك ، جعله في القسم الذي فيه مكة . وفي الفترة بين نوح ( عليه السلام ) وإبراهيم ( عليه السلام ) لم يحدثنا
التاريخ أن مكة بنيت في هذه الفترة أو مصرت . إلا أنها بقيت مقدسة وكان يأتيها
المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض ويدعوا عنده المكروب ، فكل من دعا هنالك
استجيب له . وكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله مكانه
لإبراهيم ( عليه السلام ).
عهد إبراهيم )عليه السلام)
في خضم الصراع البشري بين الحق والباطل والكفر والإيمان . ينتصر
إبراهيم ( عليه السلام ) على رسالة الحقد بعد أن ادخره الله وحفظه بالإعجاز من طاغوت عصره
النمرود . ليكلفه تبليغ رسالة السماء وتكلفه هذه الرسالة الشئ الكثير وتضطره
للهجرة هنا وهناك والتنقل من بلاد إلى أخرى ويبتليه كما ابتلي سائر الأنبياء
والرسل ويمتحنه عدة امتحانات ومما أمتحن به إبراهيم ( عليه السلام ) خلوة من الولد - بعد أن
بلغ من العمر عتيا - ليكون وصيه يحمل هم الرسالة من بعده . فمد يد الضراعة إلى
الله والسؤال ( ربي هب لي من الصالحين ) ويأتي الجواب من رب العالمين
( وبشرناه بغلام حليم ) لكن لا من زوجته ساره . وإنما من أمتها هاجر . التي
وهبتها لإبراهيم ( عليه السلام ) . بعد أن دفعتها مشاعر الحنو إلى صوت الطفولة ليبدد سكون
البيت الممل . ولكن ما ان تلد هاجر إسماعيل حتى تنقلب المشاعر إلى مشاعر الغيرة الكامنة
في النفس . فتطلب سارة من إبراهيم أن لا يساكنها مع هاجر في مكان واحد . فيأتي
الأمر الإلهي لإبراهيم ( عليه السلام ) أن يهاجر بهاجر وابنها إلى حرم الله . ولما انتهت الرحلة
بأرض مكة القاحلة توجه إبراهيم إلى ربه ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير
ذي زرع عند بيتك ) فاستجاب له ربه أن هيأ أسباب الحياة في ذلك
الوادي فنبع الماء من تحت قدم إسماعيل . ثم جاء الرئيس الذي ترجوه هاجر بعد ما
دلت الطيور النازلة في ذلك الوادي على الماء فاجتذبت تلك الطيور إحدى القوافل
إلى ذلك الوادي فوجدوا هاجر وابنها تحت عريشها . فاستأذنوها بالهبوط معها في
ذلك الوادي فأذنت لهم مستبشرة بذلك ، ولما علموا أنها حرم إبراهيم وهذا ابنه
إسماعيل زادوها احتراما وأهدوا لولدها مجموعة من الماعز ولما بلغ إسماعيل ( عليه السلام )
مبلغ الرجال تزوج منهم زوجته الأولى .
وكان لإبراهيم ( عليه السلام ) ثلاث زيارات لإسماعيل قبل بناء البيت وعند زيارة
إبراهيم الأولى ، لم يجد إبراهيم الحفاوة والتكريم المعهود في عصره من زوجته
( زوجة إسماعيل ) بعد أن كان إسماعيل غائبا عنها في الصيد .
فترك رسالة شفوية رمزية . تقول له " غير عتبة بابك ". ومفادها أن
يطلق زوجته فامتثل إبراهيم ( عليه السلام ) أمر أبيه وطلق زوجته وتزوج بثانية . وعندما
زاره للمرة الثانية وجد الحفاوة التامة والكرم حتى أنها ( زوجة إسماعيل الثانية )
غسلت رأسه من غبار التعب . فترك إبراهيم ( عليه السلام ) رسالة شفوية أخرى تقول له
" لقد استقامت عتبة بابك ".
وأما الزيارة الثالثة . فقد جاء بأمر عظيم . ألا وهو الأمر الإلهي ببناء الكعبة
لتكون مثابة للناس وأمنا ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا
تقبل منا إنك أنت السميع العليم ).
ولما فرغ إبراهيم وإسماعيل من البناء أتاه جبرائيل ( عليه السلام ) وأقاما مراسم الحج معا
لتكون سنة للأجيال القادمة وعندها دعا إبراهيم الناس للحج ( وأذن في الناس
بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر يأتين من كل فج عميق ).
ذبح اسماعيل (عليه السلام)
عندما تقترن الزعامة بالنبوة . تصح لها نكهة خاصة تجذب إليها
النفوس الكريمة وتهوى إليها الأفئدة الطاهرة . ويقترب منها الصالحين من الناس .
وعندما يختار الله سبحانه وتعالى عبدا لحمل رسالته . يدخله في دورة من
الابتلاءات والامتحانات حتى تكمل شخصيته ويكون مؤهلا لحمل الرسالة .
وإسماعيل ( عليه السلام ) واحدا من أولئك العبيد الصالحين الذين اختارهم الله لرسالته
وأدخله دورة تأهيلية لحمل النبوة . ومن مفردات تلك الدورة قصة الذبح . حيث
يرى إبراهيم ( عليه السلام ) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل ( يا بني إني أرى في المنام إني
أذبحك ) ورؤيا الأنبياء صادقة كاليقظة . فيلبي إبراهيم أمر ربه ، وفي رحلة الحج
أو غيرها يقف إبراهيم على إسماعيل وهو يصلح النيل للصيد ليبلغ إسماعيل ( عليه السلام )
بالأمر الصعب . فهل يستجب له كما استجاب في المرات السابقة من الطلاق وبناء
البيت والحج وغيرها : نعم فكان الرد ( يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إنشاء الله من
الصابرين ) ويحاول إبراهيم أن ينفذ الأمر في ابنه ( ولما أسلما وتله للجبين )
تنفيذا لأمر الله وعندما وضع السكين على رقبته أدركته الرحمة الإلهية فجاءه النداء
الإلهي ( أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . وإن هذا لهو
البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم ).
وانطلق إسماعيل يبدأ خطى الحياة من جديد . بعد أن أصبح مؤهلا للزعامة
الدينية والدنيوية . ويحسن إدارة مكة مستعينا بأبناءه الاثني عشر وعلى رأسهم
نابت وقيدار . الذين يرتبط نسب العرب المستعربة بهم والذين نزل القرآن بلغتهم .
ولذلك كان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) يقول أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل وعبد الله وورد
عنه ( صلى الله عليه وآله ) كذلك . " إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما "
وكان يقصد هاجر أم إسماعيل المصرية ومارية أم إبراهيم زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) القبطية
المصرية ولما حسنت إدارة مكة على عهد إسماعيل وبنيه كثرة الهجرة إلى مكة
وتمصرت وخاصة بعد خراب سد مأرب حيث انتشرت الأقوام المحيطة في السد
وقسم منها هاجر إلى مكة . ويستدل من بعض الأخبار أن مكة قد عمرت
بالسكان في عهد إسماعيل حتى كان لها نظام حكم وسلطة وإدارة خصوصا أن مكة
كبرت واتسعت وتشابكت مصالح سكانها . وأصبحت لها مواسم تختلف مهماتها من
طقوس دينية وعروض تجارية وغير ذلك. وبقيت هكذا تزدهر إلى أن توفي
إسماعيل وجاء من بعده ابنه نابت وكان الرئيس بعده والقائم بالأمور والحاكم
المطلق في مكة والناظر في أم البيت وزمزم . ثم جاء بعد نابت قيدار ابن إسماعيل
وسار بالطريقة التي سار بها أخيه نابت وأبيه إسماعيل ( عليهما السلام ) .
عهد قبيلة جرهم
اختلف المؤرخون في إدارة مكة بعد أبناء إسماعيل نابت وقيدار فمن قائل إن
إدارتها كانت لجرهم بعد أبناء إسماعيل وآخر ينسب ذلك إلى العماليق وثالث يقول
أنها كانت مشتركة بين جرهم والعماليق ثم حدث صراع بينهم أدى إلى نفي العماليق
عن مكة وسيطرت جرهم عليها ، وآخر يوصي ذلك الحدث من الصراع مع
" طسم " أو أبناء قنطورا إلا أن أشهر الأخبار تشير إلى أن الذين تولوا إدارة مكة
بعد أبناء إسماعيل هم جرهم . وهم الذين تزوج إسماعيل منهم زوجته . إلا أنه كذلك
أختلف في كيفية استيلائهم على الإدارة هل كانت بالحرب والقوة أم بالسلم
واختلف كذلك هل أن جرهم كانت تسكن مكة أو قريب منها قبل إبراهيم
وزوجته هاجر وابنها . أم إنها كانت غير مسكونة ، وإنما اتفق مجئ قافلة من
جرهم ، وفي أثناء مرورهم علموا من نزول الطير وجود ماء في وادي مكة وعثروا
على هاجر وابنها في تلك الحال.
ثم إنه هناك من يقول أن جرهم اثنان . الأولى أبيدوا على يد القحطانيين
والثانية هي التي تولت إدارة مكة بعد أبناء إسماعيل.
وعلى كل حال أن جرهم تصاهرت مع إسماعيل وكانوا يتكلمون العربية وأن
إسماعيل أخذ منهم اللغة العربية بعد أن عاش بين ظهرانيهم منذ نعومة أظفارهم
حتى وفاته .
ثم إنه في أيام إدارة جرهم . لم يكن أحد يقوم بأمر الكعبة غير ولد إسماعيل
تعظيما منهم لهم . فقام بأمر الكعبة بعد ثابت أمين ومن بعده يشجب ابن أمين ثم
الهميع وبعده أدر الذي عظم شأنه في قومه وجل قدره وأنكر على جرهم أفعالهم .
وهلكت جرهم في عصره. على أحد الروايات وفي رواية المسعودي في
المروج: أن أول ملوك جرهم بمكة . مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن
هيتي بن نبت بن جرهم بن قطحان .
ثم بعده عمرو بن مضاض . ثم الحارث بن عمر ثم عمر بن الحارث ثم مضاض
بن عمر الأصغر . وفي رواية أخرى لليعقوبي. أن أول ملوك جرهم مضاض بن
عمر ثم الحارث بن مضاض ثم عمر ابن الحارث ثم المفسم بن ظليم ثم الحواس بن
جحش بن مضاض ثم عداد بن ضداد بن جندل ثم محص بن عداد . ثم الحارث بن
مضاض بن عمر وكان آخر من ملك من جرهم .
دفاع جرهم عن مكة : وقد دخلت جرهم في حروب متعددة دفاعا عن
موقعها : فمن ذلك أن الحارث بن مضاض أول من ولي البيت وكان كل من دخل
مكة بتجارة عشّــرها عليه في أعلى مكة . وملك العماليق السميدع بن هوبز بن
لاوي بن قيطور بن كركر . وكان يعشر من دخل مكة من ناحيته . وكانت بينهما
حروب فتارة تكون على الجرهمين وأخرى لهم . واستقام الأمر لجرهم آخر
المطاف وينقل حسين أمين في موسوعة العتبات المقدسة. أن في أيام الحارث
بن مضاض الجرهمي نشطت حركة بني إسرائيل وزحفوا يريدون مكة من الشمال ،
فقاتلهم الحارث بن مضاض فهزمهم واستولى على تابوت من الكتب يحملونه
وفيه ما انتحلوه من الزبور .
ووردت أخبار متباينة في كيفية سقوط جرهم . فمن ذلك ذكره ابن هشام. إن
جرهما بغوا بمكة واستحلوا خلالا من الحرمة ، فظلموا من دخلها من غير أهلها ،
وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ففرق أمرهم فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة من
كنانة وغيشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة ، وكانت مكة في
الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته ولا يريدها ملك
يستحل حرمتها إلا هلك مكانه . فيقال إنها ما سميت بكة إلا أنها كانت تبك أعناق
الجبابرة
فلما أحس : عمرو بن الحارث الجرهمي خرج بغزالي
الكعبة وبحجر الركن فقذفها في زمزم . وانطلق هو ومن معه إلى اليمن فخرجوا على
ما فارقوا عن أمر مكة وملكها حزنا شديدا فقال عمر بن الحارث بن عمرو بن
مضاض في ذلك شعرا :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فقلت لها والقلب مني كأنما
يلجلجه بين الجناحين طائر
بل نحن كنا أهلها فأزالنا
صروف الليالي والجدود الغوائر
وكنا ولاة البيت من بعد نابت
نطوف بذلك البيت والخير ظاهر
ولهذا الشعر قصة لطيفة : أن عمرو بن الحارث كان قد نزل بقنونا من أرض
الحجاز . فضلت له إبل بغتة وجاءت الحرم فأتى الحرم . وأراد دخوله ليأخذ إبله ، فنادى
عمرو بن لحى : من وجد جرهميا فلم يقتله قطعت يده . فسمع بذلك عمرو بن
الحارث وأشرف على جبل من جبال مكة ، فرأى إبله تنحر ويتوزع لحمها ،
فانصرف باكيا خائفا ذليلا وأبعد في الأرض وبغربته يضرب المثل ، ثم قال هذا
الشعر .
وفي رواية اليعقوبي. أن جرهم لما طفت وظلمت وقفت في الحرم وأكلوا
مال الكعبة الذي يهدى إليها . سلط عليهم الذر فأهلكوا عن آخرهم ورواية
المسعودي) تقول لما بغت جرهم في الحرم وطغت حتى فسق رجل منهم في الحرم
بامرأة بعث الله على جرهم الرعاف والنمل وغير ذلك من الآفات فهلك كثير منهم ،
وكثر ولد إسماعيل وصاروا ذوي قوة ومنعة فغلبوا على أخوالهم جرهم
وأخرجوهم من مكة فلحقوا بجهينة . فأتاهم في بعض الليالي السيل فذهب بهم .
فعاليات جرهم:
حلف الفضول : ومن فعاليات جرهم حلف الفضول الأول . وذلك أن نفر
من جرهم وقطوراء يقال لهم الفضيل بن الحارث الجرهمي والفضيل بن وداعة
القطوري المفضل بن فضالة الجرهمي اجتمعوا فتحالفوا أن لا يقروا ببطن مكة
ظالما . لا ينبغي إلا ذلك لما عظم الله من حقها . ثم درس ذلك فلم يبق إلا ذكره في
قريش . إلى أن أعيد في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في دار عبد الله بن جدعان قبل البعثة النبوية
الشريفة. والحدث الآخر بناء الكعبة بعد أن أخذها السيل وزادوا في بناء البيت
ورفعته على ما كان عليه من بناء إبراهيم ( عليه السلام ) والشئ الآخر إطعام الطعام
للوافدين إلى مكة وطبخوا وسمي المكان بطابخ.
بعد سقوط جرهم عادت مكة لأبناء إسماعيل . وكان أول من تولى الزعامة
من ذرية إسماعيل ( عليه السلام ) أياد بن نزار بن معد : لكن لم يستتب الأمر إلى أياد حتى نشب
نزاع بين أياد ومضر فكانت بينهم حروب كثيرة حتى ظهرت مضر على أياد ،
فانجلوا من مكة إلى العراق قرب الكوفة وأجلاهم كسرى أنوشيروان إلى تكريت
والجزيرة والموصل . ثم نزحوا منها إلى بلاد الرومان والشام.
وذكر اليعقوبي أن أياد لما أرادوا الرحيل من مكة حملوا الركن على جمل
فلم ينهض به . فدفنوه وخرجوا ، وبصرت بهم امرأة من خزاعة حين دفنوه فلما
بعدت أياد اشتد على مضر وأعظمته قريش وسائر مضر ، فقالت الخزاعية لقومها
اشرطوا على قريش وسائر مضر أن يصير إليكم حجابة البيت حتى أدلهم على
الركن ففعلوا ذلك فلما أظهروا الركن صيروا إليهم الحجابة .
وتضاربت الأخبار في كيفية وصول خزاعة إلى زعامة مكة ، وكذلك اختلفوا
فيهم هل من قحطان أو من عدنان . هناك رأي يذهب أن قبيلة خزاعة كانت تنزل
حول الحرم في أيام جرهم . وأن أصلها من اليمن كالجرهميين وقد هاجرت بسبب ما
كان ينتظر من الدمار الذي يخلفه سيل العرم وأقامت في مكة . فقامت خزاعة في
وجه جرهم ووقع القتال بينهما ، واعتزل بنو إسماعيل القتال فتغلبت خزاعة على
جرهم وانتزعت منهم الإمارة وأجلتهم عن مكة.
في حين كتب الدكتور حسين أمين في نفس الموسوعة: أن خزاعة خزع من
قبيلة الأزد العربية الكبيرة . ويضيف أن معظم النسابة ينسبون هذه القبيلة إلى عمر
بن لحي بن حارثة . ويذكر المسعودي أن سبب تسميتهم خزاعة لما خرج عمر
بن عامر وولده من مأرب انخزع بنو ربيعة فنزلوا بتهامة . قسموا خزاعة
لانخزاعهم . أما صاحب الميزان يسميهم الإسماعيليون ثم نسبهم إلى عمر بن
لحي ، وهو أول زعيم لخزاعة على مكة . ويعتقد الأخباريون أن أول من نصب
الأوثان على الكعبة هو عمرو بن ربيعة وهي لحي بن حارثة بن عمر بن عامر
الأزدي . أبو غزاعة ، ويعتبر أول من غير دين إسماعيل . فنصب الأوثان . وسبب
السائبة . وبحر البحيرة وحمى الحمى. ويذهب ابن الأثير إلى أن أول من ولي
البيت بعد جرهم عمر بن ربيعة وقيل وليه عمر بن الحارث الغساني ثم خزاعة
بعده . وقال أن خزاعة أبقت لمضر ثلاث خصال الإجازة بالحج من عرفة وذلك إلى
الغوث بن حر ابن أد ، وهو صوفه والثانية الإضافة من جمع إلى منى وكانت إلى بني
زيد بن عدوان والثالثة : النسئ للشهور الحرام فكان ذلك إلى القلمس .
يذكر أن أول من أدخل الأصنام إلى مكة هو عمر بن لحي. وقصة ذلك
كانت مكة المكرمة معظمة من قبل جميع الأديان والقوميات ، يقدمون لها الهدايا والقرابين
والنذور ويزورونها للدعاء حتى قبل بناء إبراهيم ( عليه السلام ) لها . فكانت الهنود يعظمونها
ويقولون أن روح " سينا " وهو الأقوم الثالث عندهم حلت في الحجر الأسود .
حيث زار سينا مع زوجته بلاد الحجاز.
وكانت الصابئة من الفرس والكلدانيين يعدونها أحد البيوت السبعة المعظمة .
وربما قيل أنه بيت زحل لقدم عهده وطول بقاءه ، وكانت الفرس يحترمون الكعبة
أيضا زاعمين أن روح هرمز حلت فيها.
وكان أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام وتطوف به تعظيما له ولجدها
إبراهيم . وكان آخر من حج منهم ساسان بن بابك . وقد أهدى غزالين من ذهب
وجواهر وسيوف وذهب كثير ، فدفن في زمزم . وقد افتخر بعض شعراء الفرس بعد
ظهور الإسلام وقال :
وما زلنا نحج البيت جمعا
ونلقى بالأباطح آمنينا
وساسان بن بابك سار حتى
أتى البيت العتيق يطوف دينا
وكانت اليهود يعظمونها ويعبدون الله فيها على دين إبراهيم ( عليه السلام ) وكان بها
صور وتماثيل فيها تمثال إبراهيم ( عليه السلام ) وإسماعيل ( عليه السلام ) وكان بها صور العذراء
والمسيح ( عليهما السلام ) ويشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها. وكان موضع البيت
الحرام يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض . ويدعو عنده المكروب فكل من
دعا هنالك إلا استجيب له . وكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله
مكانه لإبراهيم ( عليه السلام ) لما أراد عمارة بيته وإظهار دينه وشريعته.
ولم يزل منذ أهبط الله آدم ( عليه السلام ) إلى الأرض محرما بيته تتناسخه الأمم والملل
أمة بعد أمة وملة بعد ملة.
وكان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة يتعبد فيها ذلك النبي ومن
معه حتى يموت فيها فمات فيها من مات من الانبياء ، وقبورهم بين زمزم
والحجر.
وبين زمزم والركن قبر سبعين نبي.
ومن هذا نعلم مدى أهمية زعامة مكة عالميا وليس فقط بالنسبة للجزيرة
والعرب .
عهد آدم ( عليه السلام )
عندما أنزل الله سبحانه وتعالى آدم إلى الأرض حمله الأمانة على هذه
الأرض ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها
وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ).
ثم أخذ منه ومن ذريته ميثاق الربوبية ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من
ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا
يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ).
وعندما أحس آدم وحواء ( عليهما السلام ) بالوحدة والوحشة طلبا من الله سبحانه
وتعالى أن يأتيهما صالحا يأنسا به ، فأوصى الله تعالى إلى آدم ( سأخرج من صلبك
من يسبحني ويحمدني وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكري واجعل فيها بيتا أخصه
بكرامتي وأسميه بيتي واجعله حرما آمنا تعمره أنت يا آدم ما كنت حيا . ثم تعمره
الأمم والقرون والأنبياء من ولدك ).
ولما حقق الله له ذلك وأصبحت له ذريه وأصبحوا له رعية . واجه آدم
المشكلة الأولى ، وهي الصراع بين قابيل وهابيل .
( وأتلوا عليهم نبأ بني آدم بالحق إذ قربا
قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ).
فاستشاط قابيل غيضا عندما جاء الحكم ليس بصالحه ورفض الحكم وقتل
أخيه هابيل بعد أن قال له هابيل ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا باسط يدي
إليك لأقتلك ) لكن قابيل ( فطوعت له نفسه قتل أخيه ) فقتله .
ومن هذا الحدث الخطير انقسمت الإنسانية ومنذ عصر آدم ( عليه السلام ) إلى قسمين .
أهل الخير وأهل الشر . إحتفظ أبناء آدم الخيرين من ذرية آدم بموقعهم قرب
الكعبة في جبال مكة وضواحيها . بينما ذهب قابيل وبنيه إلى سهول الجزيرة واليمن
اندفعوا في أرض الله الواسعة بعيدا عن نور النبوة ومشعل الهدى فراحوا في ظلام
الجهل يتخبطهم الشيطان يفعلون المنكر ويأتون الشهوات ويعثون في الأرض
فسادا ، وتعلموا الطرب والغناء وما شابه ذلك من الموبقات .
عهد شيث ابن آدم (عليهما السلام)
عندما مرض آدم ( عليه السلام ) مرضه الأخير . جعل الوصية لابنه شيث وأمره أن يكتم
علمه عن قابيل حتى لا يفعل به ما فعله مع هابيل .
ومن نشاطات شيث : أنه بنى الكعبة من الحجارة والطين بعد ما كانت من
الخيام .
واستطاع شيث أن يضبط من كان تحت ولايته على المنهج الإلهي الصحيح
فترة حياته ، ليحافظوا على الفطرة التي فطرهم الله
تعالى والأمانة التي أودعها سبحانه وتعالى ويلتزموا بالميثاق الذي أخذه الله على
الإنسان .
وعندما حضرته الوفاة أوصى لابنه آنوش ما أوصاه آدم ( عليه السلام ) إليه . وما زال
أبناء آدم الذين سكنوا الحرم محافظين على إلتزامهم
، ويتوارد زعامتهم صالح بعد صالح إلى أن جاء " برد " فنزل بعض ذرية
شيث من الجبل واختلطوا بذرية قابيل التي عمها الفساد وبعد " برد "
" أخنوح "
وقيل إنه إدريس النبي ( عليه السلام ) فزاد الاختلاط وكثر الفساد حتى بين أبناء شيث ولم
يبق من الصالحين إلا نفر قلائل . فنقضوا الميثاق وعبدوا الأوثان وبدأت مرحلة
العمل الإصلاحي التي تزعمها نوح ( عليه السلام ) .
عهد نوح (عليه السلام)
وفي زمانه إستشرى الفساد وعبدوا الأوثان كما ذكر القرآن الكريم ( وقالوا لا
تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ونسرا قد أضلوا كثير ). ولما
طالت دعوته دون أن يستجيب له أحد ، بل وجد الأبناء أشر من الآباء اعتذر نوح
إلى ربه ( قال ربي إني دعوت قومي ليلا ونهارا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ).
فأجابه ربه ( ربي لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ).
فاقتضت الحكمة الإلهية أن تطهر الأرض من الكافرين لتبدأ دورة حياة
جديدة للإنسان . فأمر الله تعالى نوحا أن يصنع الفلك ( واصنع الفلك بأعيننا
ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) وفعلا تحقق أمر الله فيهم
وعلموا ما كانوا يجهلون ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ) وحتى لا تنقرض
الحياة على هذا الكوكب ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق
عليه القول . ومن آمن ) واستثني من أهله ابنه ( لأنه عمل غير صالح ) ثم جاء
أمر الله إلى السماء والأرض ( ففتحنا أبواب السما بماء منهمر ) ولم ينفع ابن نوح
الذي اعتصم بأحد الجبال الشاهقة حيث ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من
رحم ) وعندما طهرت الأرض من الظالمين ( قيل بعدا للقوم الظالمين )
عند ذلك جاء الأمر الإلهي الآخر ( قيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي
وغيض الماء ) .
وبهذا بدأت دورة حياة جديدة للإنسانية . وزع عناصرها نوح ( عليه السلام ) - مما بقي
معه في السفينة - على الكرة الأرضية. فكان سام الابن الأكبر لنوح ووصيه
كذلك ، جعله في القسم الذي فيه مكة . وفي الفترة بين نوح ( عليه السلام ) وإبراهيم ( عليه السلام ) لم يحدثنا
التاريخ أن مكة بنيت في هذه الفترة أو مصرت . إلا أنها بقيت مقدسة وكان يأتيها
المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض ويدعوا عنده المكروب ، فكل من دعا هنالك
استجيب له . وكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله مكانه
لإبراهيم ( عليه السلام ).
عهد إبراهيم )عليه السلام)
في خضم الصراع البشري بين الحق والباطل والكفر والإيمان . ينتصر
إبراهيم ( عليه السلام ) على رسالة الحقد بعد أن ادخره الله وحفظه بالإعجاز من طاغوت عصره
النمرود . ليكلفه تبليغ رسالة السماء وتكلفه هذه الرسالة الشئ الكثير وتضطره
للهجرة هنا وهناك والتنقل من بلاد إلى أخرى ويبتليه كما ابتلي سائر الأنبياء
والرسل ويمتحنه عدة امتحانات ومما أمتحن به إبراهيم ( عليه السلام ) خلوة من الولد - بعد أن
بلغ من العمر عتيا - ليكون وصيه يحمل هم الرسالة من بعده . فمد يد الضراعة إلى
الله والسؤال ( ربي هب لي من الصالحين ) ويأتي الجواب من رب العالمين
( وبشرناه بغلام حليم ) لكن لا من زوجته ساره . وإنما من أمتها هاجر . التي
وهبتها لإبراهيم ( عليه السلام ) . بعد أن دفعتها مشاعر الحنو إلى صوت الطفولة ليبدد سكون
البيت الممل . ولكن ما ان تلد هاجر إسماعيل حتى تنقلب المشاعر إلى مشاعر الغيرة الكامنة
في النفس . فتطلب سارة من إبراهيم أن لا يساكنها مع هاجر في مكان واحد . فيأتي
الأمر الإلهي لإبراهيم ( عليه السلام ) أن يهاجر بهاجر وابنها إلى حرم الله . ولما انتهت الرحلة
بأرض مكة القاحلة توجه إبراهيم إلى ربه ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير
ذي زرع عند بيتك ) فاستجاب له ربه أن هيأ أسباب الحياة في ذلك
الوادي فنبع الماء من تحت قدم إسماعيل . ثم جاء الرئيس الذي ترجوه هاجر بعد ما
دلت الطيور النازلة في ذلك الوادي على الماء فاجتذبت تلك الطيور إحدى القوافل
إلى ذلك الوادي فوجدوا هاجر وابنها تحت عريشها . فاستأذنوها بالهبوط معها في
ذلك الوادي فأذنت لهم مستبشرة بذلك ، ولما علموا أنها حرم إبراهيم وهذا ابنه
إسماعيل زادوها احتراما وأهدوا لولدها مجموعة من الماعز ولما بلغ إسماعيل ( عليه السلام )
مبلغ الرجال تزوج منهم زوجته الأولى .
وكان لإبراهيم ( عليه السلام ) ثلاث زيارات لإسماعيل قبل بناء البيت وعند زيارة
إبراهيم الأولى ، لم يجد إبراهيم الحفاوة والتكريم المعهود في عصره من زوجته
( زوجة إسماعيل ) بعد أن كان إسماعيل غائبا عنها في الصيد .
فترك رسالة شفوية رمزية . تقول له " غير عتبة بابك ". ومفادها أن
يطلق زوجته فامتثل إبراهيم ( عليه السلام ) أمر أبيه وطلق زوجته وتزوج بثانية . وعندما
زاره للمرة الثانية وجد الحفاوة التامة والكرم حتى أنها ( زوجة إسماعيل الثانية )
غسلت رأسه من غبار التعب . فترك إبراهيم ( عليه السلام ) رسالة شفوية أخرى تقول له
" لقد استقامت عتبة بابك ".
وأما الزيارة الثالثة . فقد جاء بأمر عظيم . ألا وهو الأمر الإلهي ببناء الكعبة
لتكون مثابة للناس وأمنا ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا
تقبل منا إنك أنت السميع العليم ).
ولما فرغ إبراهيم وإسماعيل من البناء أتاه جبرائيل ( عليه السلام ) وأقاما مراسم الحج معا
لتكون سنة للأجيال القادمة وعندها دعا إبراهيم الناس للحج ( وأذن في الناس
بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر يأتين من كل فج عميق ).
ذبح اسماعيل (عليه السلام)
عندما تقترن الزعامة بالنبوة . تصح لها نكهة خاصة تجذب إليها
النفوس الكريمة وتهوى إليها الأفئدة الطاهرة . ويقترب منها الصالحين من الناس .
وعندما يختار الله سبحانه وتعالى عبدا لحمل رسالته . يدخله في دورة من
الابتلاءات والامتحانات حتى تكمل شخصيته ويكون مؤهلا لحمل الرسالة .
وإسماعيل ( عليه السلام ) واحدا من أولئك العبيد الصالحين الذين اختارهم الله لرسالته
وأدخله دورة تأهيلية لحمل النبوة . ومن مفردات تلك الدورة قصة الذبح . حيث
يرى إبراهيم ( عليه السلام ) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل ( يا بني إني أرى في المنام إني
أذبحك ) ورؤيا الأنبياء صادقة كاليقظة . فيلبي إبراهيم أمر ربه ، وفي رحلة الحج
أو غيرها يقف إبراهيم على إسماعيل وهو يصلح النيل للصيد ليبلغ إسماعيل ( عليه السلام )
بالأمر الصعب . فهل يستجب له كما استجاب في المرات السابقة من الطلاق وبناء
البيت والحج وغيرها : نعم فكان الرد ( يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إنشاء الله من
الصابرين ) ويحاول إبراهيم أن ينفذ الأمر في ابنه ( ولما أسلما وتله للجبين )
تنفيذا لأمر الله وعندما وضع السكين على رقبته أدركته الرحمة الإلهية فجاءه النداء
الإلهي ( أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين . وإن هذا لهو
البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم ).
وانطلق إسماعيل يبدأ خطى الحياة من جديد . بعد أن أصبح مؤهلا للزعامة
الدينية والدنيوية . ويحسن إدارة مكة مستعينا بأبناءه الاثني عشر وعلى رأسهم
نابت وقيدار . الذين يرتبط نسب العرب المستعربة بهم والذين نزل القرآن بلغتهم .
ولذلك كان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) يقول أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل وعبد الله وورد
عنه ( صلى الله عليه وآله ) كذلك . " إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما "
وكان يقصد هاجر أم إسماعيل المصرية ومارية أم إبراهيم زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) القبطية
المصرية ولما حسنت إدارة مكة على عهد إسماعيل وبنيه كثرة الهجرة إلى مكة
وتمصرت وخاصة بعد خراب سد مأرب حيث انتشرت الأقوام المحيطة في السد
وقسم منها هاجر إلى مكة . ويستدل من بعض الأخبار أن مكة قد عمرت
بالسكان في عهد إسماعيل حتى كان لها نظام حكم وسلطة وإدارة خصوصا أن مكة
كبرت واتسعت وتشابكت مصالح سكانها . وأصبحت لها مواسم تختلف مهماتها من
طقوس دينية وعروض تجارية وغير ذلك. وبقيت هكذا تزدهر إلى أن توفي
إسماعيل وجاء من بعده ابنه نابت وكان الرئيس بعده والقائم بالأمور والحاكم
المطلق في مكة والناظر في أم البيت وزمزم . ثم جاء بعد نابت قيدار ابن إسماعيل
وسار بالطريقة التي سار بها أخيه نابت وأبيه إسماعيل ( عليهما السلام ) .
عهد قبيلة جرهم
اختلف المؤرخون في إدارة مكة بعد أبناء إسماعيل نابت وقيدار فمن قائل إن
إدارتها كانت لجرهم بعد أبناء إسماعيل وآخر ينسب ذلك إلى العماليق وثالث يقول
أنها كانت مشتركة بين جرهم والعماليق ثم حدث صراع بينهم أدى إلى نفي العماليق
عن مكة وسيطرت جرهم عليها ، وآخر يوصي ذلك الحدث من الصراع مع
" طسم " أو أبناء قنطورا إلا أن أشهر الأخبار تشير إلى أن الذين تولوا إدارة مكة
بعد أبناء إسماعيل هم جرهم . وهم الذين تزوج إسماعيل منهم زوجته . إلا أنه كذلك
أختلف في كيفية استيلائهم على الإدارة هل كانت بالحرب والقوة أم بالسلم
واختلف كذلك هل أن جرهم كانت تسكن مكة أو قريب منها قبل إبراهيم
وزوجته هاجر وابنها . أم إنها كانت غير مسكونة ، وإنما اتفق مجئ قافلة من
جرهم ، وفي أثناء مرورهم علموا من نزول الطير وجود ماء في وادي مكة وعثروا
على هاجر وابنها في تلك الحال.
ثم إنه هناك من يقول أن جرهم اثنان . الأولى أبيدوا على يد القحطانيين
والثانية هي التي تولت إدارة مكة بعد أبناء إسماعيل.
وعلى كل حال أن جرهم تصاهرت مع إسماعيل وكانوا يتكلمون العربية وأن
إسماعيل أخذ منهم اللغة العربية بعد أن عاش بين ظهرانيهم منذ نعومة أظفارهم
حتى وفاته .
ثم إنه في أيام إدارة جرهم . لم يكن أحد يقوم بأمر الكعبة غير ولد إسماعيل
تعظيما منهم لهم . فقام بأمر الكعبة بعد ثابت أمين ومن بعده يشجب ابن أمين ثم
الهميع وبعده أدر الذي عظم شأنه في قومه وجل قدره وأنكر على جرهم أفعالهم .
وهلكت جرهم في عصره. على أحد الروايات وفي رواية المسعودي في
المروج: أن أول ملوك جرهم بمكة . مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن
هيتي بن نبت بن جرهم بن قطحان .
ثم بعده عمرو بن مضاض . ثم الحارث بن عمر ثم عمر بن الحارث ثم مضاض
بن عمر الأصغر . وفي رواية أخرى لليعقوبي. أن أول ملوك جرهم مضاض بن
عمر ثم الحارث بن مضاض ثم عمر ابن الحارث ثم المفسم بن ظليم ثم الحواس بن
جحش بن مضاض ثم عداد بن ضداد بن جندل ثم محص بن عداد . ثم الحارث بن
مضاض بن عمر وكان آخر من ملك من جرهم .
دفاع جرهم عن مكة : وقد دخلت جرهم في حروب متعددة دفاعا عن
موقعها : فمن ذلك أن الحارث بن مضاض أول من ولي البيت وكان كل من دخل
مكة بتجارة عشّــرها عليه في أعلى مكة . وملك العماليق السميدع بن هوبز بن
لاوي بن قيطور بن كركر . وكان يعشر من دخل مكة من ناحيته . وكانت بينهما
حروب فتارة تكون على الجرهمين وأخرى لهم . واستقام الأمر لجرهم آخر
المطاف وينقل حسين أمين في موسوعة العتبات المقدسة. أن في أيام الحارث
بن مضاض الجرهمي نشطت حركة بني إسرائيل وزحفوا يريدون مكة من الشمال ،
فقاتلهم الحارث بن مضاض فهزمهم واستولى على تابوت من الكتب يحملونه
وفيه ما انتحلوه من الزبور .
ووردت أخبار متباينة في كيفية سقوط جرهم . فمن ذلك ذكره ابن هشام. إن
جرهما بغوا بمكة واستحلوا خلالا من الحرمة ، فظلموا من دخلها من غير أهلها ،
وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ففرق أمرهم فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة من
كنانة وغيشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة ، وكانت مكة في
الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته ولا يريدها ملك
يستحل حرمتها إلا هلك مكانه . فيقال إنها ما سميت بكة إلا أنها كانت تبك أعناق
الجبابرة
فلما أحس : عمرو بن الحارث الجرهمي خرج بغزالي
الكعبة وبحجر الركن فقذفها في زمزم . وانطلق هو ومن معه إلى اليمن فخرجوا على
ما فارقوا عن أمر مكة وملكها حزنا شديدا فقال عمر بن الحارث بن عمرو بن
مضاض في ذلك شعرا :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فقلت لها والقلب مني كأنما
يلجلجه بين الجناحين طائر
بل نحن كنا أهلها فأزالنا
صروف الليالي والجدود الغوائر
وكنا ولاة البيت من بعد نابت
نطوف بذلك البيت والخير ظاهر
ولهذا الشعر قصة لطيفة : أن عمرو بن الحارث كان قد نزل بقنونا من أرض
الحجاز . فضلت له إبل بغتة وجاءت الحرم فأتى الحرم . وأراد دخوله ليأخذ إبله ، فنادى
عمرو بن لحى : من وجد جرهميا فلم يقتله قطعت يده . فسمع بذلك عمرو بن
الحارث وأشرف على جبل من جبال مكة ، فرأى إبله تنحر ويتوزع لحمها ،
فانصرف باكيا خائفا ذليلا وأبعد في الأرض وبغربته يضرب المثل ، ثم قال هذا
الشعر .
وفي رواية اليعقوبي. أن جرهم لما طفت وظلمت وقفت في الحرم وأكلوا
مال الكعبة الذي يهدى إليها . سلط عليهم الذر فأهلكوا عن آخرهم ورواية
المسعودي) تقول لما بغت جرهم في الحرم وطغت حتى فسق رجل منهم في الحرم
بامرأة بعث الله على جرهم الرعاف والنمل وغير ذلك من الآفات فهلك كثير منهم ،
وكثر ولد إسماعيل وصاروا ذوي قوة ومنعة فغلبوا على أخوالهم جرهم
وأخرجوهم من مكة فلحقوا بجهينة . فأتاهم في بعض الليالي السيل فذهب بهم .
فعاليات جرهم:
حلف الفضول : ومن فعاليات جرهم حلف الفضول الأول . وذلك أن نفر
من جرهم وقطوراء يقال لهم الفضيل بن الحارث الجرهمي والفضيل بن وداعة
القطوري المفضل بن فضالة الجرهمي اجتمعوا فتحالفوا أن لا يقروا ببطن مكة
ظالما . لا ينبغي إلا ذلك لما عظم الله من حقها . ثم درس ذلك فلم يبق إلا ذكره في
قريش . إلى أن أعيد في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في دار عبد الله بن جدعان قبل البعثة النبوية
الشريفة. والحدث الآخر بناء الكعبة بعد أن أخذها السيل وزادوا في بناء البيت
ورفعته على ما كان عليه من بناء إبراهيم ( عليه السلام ) والشئ الآخر إطعام الطعام
للوافدين إلى مكة وطبخوا وسمي المكان بطابخ.
بعد سقوط جرهم عادت مكة لأبناء إسماعيل . وكان أول من تولى الزعامة
من ذرية إسماعيل ( عليه السلام ) أياد بن نزار بن معد : لكن لم يستتب الأمر إلى أياد حتى نشب
نزاع بين أياد ومضر فكانت بينهم حروب كثيرة حتى ظهرت مضر على أياد ،
فانجلوا من مكة إلى العراق قرب الكوفة وأجلاهم كسرى أنوشيروان إلى تكريت
والجزيرة والموصل . ثم نزحوا منها إلى بلاد الرومان والشام.
وذكر اليعقوبي أن أياد لما أرادوا الرحيل من مكة حملوا الركن على جمل
فلم ينهض به . فدفنوه وخرجوا ، وبصرت بهم امرأة من خزاعة حين دفنوه فلما
بعدت أياد اشتد على مضر وأعظمته قريش وسائر مضر ، فقالت الخزاعية لقومها
اشرطوا على قريش وسائر مضر أن يصير إليكم حجابة البيت حتى أدلهم على
الركن ففعلوا ذلك فلما أظهروا الركن صيروا إليهم الحجابة .
وتضاربت الأخبار في كيفية وصول خزاعة إلى زعامة مكة ، وكذلك اختلفوا
فيهم هل من قحطان أو من عدنان . هناك رأي يذهب أن قبيلة خزاعة كانت تنزل
حول الحرم في أيام جرهم . وأن أصلها من اليمن كالجرهميين وقد هاجرت بسبب ما
كان ينتظر من الدمار الذي يخلفه سيل العرم وأقامت في مكة . فقامت خزاعة في
وجه جرهم ووقع القتال بينهما ، واعتزل بنو إسماعيل القتال فتغلبت خزاعة على
جرهم وانتزعت منهم الإمارة وأجلتهم عن مكة.
في حين كتب الدكتور حسين أمين في نفس الموسوعة: أن خزاعة خزع من
قبيلة الأزد العربية الكبيرة . ويضيف أن معظم النسابة ينسبون هذه القبيلة إلى عمر
بن لحي بن حارثة . ويذكر المسعودي أن سبب تسميتهم خزاعة لما خرج عمر
بن عامر وولده من مأرب انخزع بنو ربيعة فنزلوا بتهامة . قسموا خزاعة
لانخزاعهم . أما صاحب الميزان يسميهم الإسماعيليون ثم نسبهم إلى عمر بن
لحي ، وهو أول زعيم لخزاعة على مكة . ويعتقد الأخباريون أن أول من نصب
الأوثان على الكعبة هو عمرو بن ربيعة وهي لحي بن حارثة بن عمر بن عامر
الأزدي . أبو غزاعة ، ويعتبر أول من غير دين إسماعيل . فنصب الأوثان . وسبب
السائبة . وبحر البحيرة وحمى الحمى. ويذهب ابن الأثير إلى أن أول من ولي
البيت بعد جرهم عمر بن ربيعة وقيل وليه عمر بن الحارث الغساني ثم خزاعة
بعده . وقال أن خزاعة أبقت لمضر ثلاث خصال الإجازة بالحج من عرفة وذلك إلى
الغوث بن حر ابن أد ، وهو صوفه والثانية الإضافة من جمع إلى منى وكانت إلى بني
زيد بن عدوان والثالثة : النسئ للشهور الحرام فكان ذلك إلى القلمس .
يذكر أن أول من أدخل الأصنام إلى مكة هو عمر بن لحي. وقصة ذلك
عدل سابقا من قبل الماستر في الثلاثاء 28 يونيو 2011, 6:50 pm عدل 2 مرات