۩۞۩۞ شبكة رونق الحرف ۞۩۞۩

ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902
زائرنا الكريم : انت غير مسجل في المنتدى او لم تسجل معلومات الدخول بعد فرجاءنا منك التسجيل اولا للمشاركة في المنتدى وان كنت تريد القراءة فقط فدونك اقسام المنتدى اهلا وسهلا بك... ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923
يا ضيفنا لو جئتنا لوجـــدتنا ....نحن الضيوف وانت رب المنزل

ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

۩۞۩۞ شبكة رونق الحرف ۞۩۞۩

ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902
زائرنا الكريم : انت غير مسجل في المنتدى او لم تسجل معلومات الدخول بعد فرجاءنا منك التسجيل اولا للمشاركة في المنتدى وان كنت تريد القراءة فقط فدونك اقسام المنتدى اهلا وسهلا بك... ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 61923
يا ضيفنا لو جئتنا لوجـــدتنا ....نحن الضيوف وانت رب المنزل

ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902 ابو الفضل العباس من موقع الكفيل 358902

۩۞۩۞ شبكة رونق الحرف ۞۩۞۩

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ادبية معلومات اخبارية تقنية طبية موسوعية

آخر المواضيع






<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_widget/twitter_widget" title="web widget">Twitter Widget</a></div>



4 مشترك

    ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:19 pm


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    مقدمة
    برز أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) على مسرح التاريخ الاِسلامي كأعظم قائد فذّ لم تعرف له الاِنسانية نظيراً في بطولاته النادرة بل ولا في سائر مُثله الاَخرى التي استوعبت ـ بفخر ـ جميع لغات الاَرض.
    لقد أبدى أبو الفضل يوم الطف من الصمود الهائل ، والارادة الصلبة ما يفوق الوصف ، فكان برباطة جأشه ، وقوّة عزيمته جيشاً لا يقهر فقد أرعب عسكر ابن زياد ، وهزمهم نفسيّاً ، كما هزمهم في ميادين الحرب.
    ان بطولات أبي الفضل كانت ولا تزال حديث الناس في مختلف العصور ، فلم يشاهدوا رجلاً واحداً مثقلاً بالهموم والنكبات يحمل على جيش مكثّف مدعّم بجميع آلات الحرب قد ضمّ عشرات الآلاف من المشاة وغيرهم فيلحق بهم أفدح الخسائر من معداتهم وجنودهم ، ويقول المؤرخون عن بسالته ـ يوم الطف ـ إنه كلما حمل على كتيبة تفرّ منهزمة من بين يديه يسحق بعضها بعضاً قد خيّم عليها الموت ، واستولى عليها الفزع والذعر قد خلعت منها الاَفئدة والقلوب ، ولم تغن عنها كثرتها شيئاً.
    انّ شجاعة أبي الفضل وسائر مواهبه ومزاياه مما تدعو إلى الاعتزاز والفخر ليس له وللمسلمين فحسب ، وإنما لكل إنسان يدين لإنسانيته ، ويخضع لقيمها الكريمة.
    وبالاِضافة إلى ما يتمتّع به أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) من البطولات الرائعة فانّه كان مثالاً للصفات الشريفة ، والنزعات العظيمة ، فقد تجسّدت فيه الشهامة والنبل والوفاء والمواساة ، فقد واسى أخاه أبا الاَحرار الاِمام الحسين ( عليه السلام ) في أيام محنته الكبرى ، ففداه بنفسه ووقاه بمهجته ، ومن المقطوع به أن تلك المواساة لا يقدر عليها إلاّ من امتحن الله قلبه للاِيمان ، وزاده هدى.
    ومثَّل أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) في سلوكه مع أخيه الاِمام الحسين ( عليه السلام ) حقيقة الاَخوّة الاِسلامية الصادقة ، وأبرز جميع قيمها ومثلها ، فلم يبق لون من ألوان الاَدب ، والبرّ والاِحسان إلاّ قدّمه له ، وكان من أروع ما قام به في ميادين المواساة له ، انه حينما استولى على الماء يوم الطفّ تناول منه غرفة ليشرب ، وكان قلبه الزاكي كصالية الغضا من شدّة الظمأ ، فتذكّر في تلك اللحظات الرهيبة عطش أخيه الاِمام الحسين وعطش الصبية من أهل البيت عليهم السلام ، فدفعه شرف النفس ، وسموّ الذات إلى رمي الماء من يده ، ومواساتهم في هذه المحنة الحارونق الحرفة ، تصفّحوا في تاريخ الاَمم والشعوب فهل تجدون مثل هذه الاَخوّة الصادقة؟!! انظروا في سجلاّت نبلاء الدنيا فهل ترون مثل هذا النبل ، ومثل هذا الاِيثار؟!
    لقد استشهد أبو الفضل العباس من أجل المبادئ العليا التي رفع شعارها أبو الاَحرار أخوه الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، والتي كان من أهمّها أن يقيم في هذا الشرق حكم القرآن ، وينشر العدل بين الناس ويوزّع عليهم خيرات الاَرض ، فليست هي لقوم دون آخرين.
    لقد استشهد أبو الفضل من أجل أن يعيد للاِنسان المسلم حرّيته وكرامته ، وينشر بين الناس رحمة الاِسلام ، ونعمته الكبرى الهادفة لاستئصال الظلم والجور ، وبناء مجتمع لا ظلّ فيه لأي لون من ألوان الفزع ، والخوف.
    لقد حمل أبو الفضل مشعل الحرية والكرامة ، وقاد قوافل الشهداء إلى ساحات الشرف ، وميادين العزّة ، والنصر للشعوب الاِسلامية التي كانت ترزح تحت وطأة الظلم والجور.
    لقد انطلق أبو الفضل إلى ميادين الجهاد من أجل أن ترتفع كلمة الله تعالى عالية في الاَرض ، تلك الكلمة التي هي منهج كامل للحياة الكريمة بين الناس.
    وفجّر الاِمام أبو الاَحرار ثورته الكبرى التي أوضح الله بها الكتاب وجعلها عبرة لأولي الاَلباب ، فدكّ بها حصون الظلم ، وقلاع الجور.
    ولم يفجّر الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ثورته الرائدة العملاقة أشراً ولا بطراً ،
    ولا ظالماً ، ولا مفسداً ـ حسب ما يقول ـ وإنّما أراد تغيير الواقع المرير الذي تعيشه الاَمة من جرّاء الحكم الاَموي المنحرف عن جميع الأعراف والقوانين ، ذلك النظام الذي أحال حياة الناس إلى جحيم لا يطاق ، فقد عجّت البلاد الاِسلامية بجميع صنوف الجور والاِرهاب ، وكان من أعظمها محنة وأشدّها بلاءً البلاد الخاضعة لحكم زياد بن أبيه ، والي معاوية على العراق ، وأخيه اللاشرعي ، الذي أجّج نار الفتنة ، وحكم بين الناس بغير ما أنزل الله ، فأخذ البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر ، وقتل على الظنّة والتهمة ، كما أعلن ذلك ، وطبّقه بالفعل على الحياة العامة بين الناس.
    ان ملحمة كربلاء من أهم الاَحداث العالمية ، بل ومن أهمّ ما حققته البشرية من إنجازات رائعة في ميادين الكفاح المسلّح ضدّ الظلم والطغيان ، فقد غيّرت مجرى تاريخ الشعوب الاِسلامية ، وفتحت لها آفاقاً مشرقة للتمرّد على الظلم والطغيان.
    لقد ألهبت هذه الملحمة الخالدة عواطف الاَحرار ، ودفعتهم إلى النضال المسلّح في سبيل تحرير المجتمع من نير العبودية والذلّ ، وإنقاذه من الحكم اللاشرعي.
    لقد انتصر سيّد الشهداء في ثورته الخالدة ، وانتصرت أهدافه ومبادئه العظيمة ، وظلّ مثلاً خالداً للكفاح المقدّس يطارد الظالمين والطغاة في كل عصر وزمان ، ويمدّ الثوّار بروح التضحية والفداء.
    ان من الانتصارات الرائعة التي حقّقها أبي الضيم في ثورته أنه جرّد الحكم الاَموي من الشرعية ، وأنّه لا يمثّل الاِسلام ، ولا المسلمين بأي حال من الاَحوال ، وإنّما هو حكم ديكتاتوري قائم على النطع والسيف لا على رضى الاَمة واختيارها.
    لقد وضع أبو الاَحرار العبوات الناسفة في أروقة الحكم الاَموي ففجّرتها ، ونسفت معالم زهوهم وفجورهم وطغيانهم ، وظلّوا مثلاً أسوداً لكل حكم منحرف عن سنن الحق والعدل.
    لقد أيقظت ثورة أبي الاَحرار الشعوب الاِسلامية من تخديرها وسباتها ، فانطلقت كالمارد الجبّار في ثورات متلاحقة ، وهي ترفع شعار التحرير ، وشعار الاستقلال ، وشعار الكرامة من أجل التخلّص من ذلك الحكم الاَسود.
    لقد قامت الشعوب الاِسلامية في ثورات متلاحقة كانت امتداداً لثورة الحسين ( عليه السلام ) ، حتى أطاحت بالحكم الاَموي ، وأزالته من دنيا الوجود.
    ومن الجدير بالذكر أن كارثة كربلاء ، وما لحق بالاِمام الحسين ( عليه السلام ) من التنكيل ، والاعتداء الصارخ ، لم يأتِ ذلك عفواً ، وإنّما كان من النتائج المباشرة للانحرافات ، والسلوك في المنعطفات السياسية من جانب الحكام والمسؤولين الذين كانوا ينظرون إلى السلطة بأنّها مغنم ، ووسيلة للظفر بالثراء العريض ، ولم يعوا أن الاِسلام اعتبر السلطة أداة لخدمة المجتمع ، وتطوير حياته الفكرية والاقتصادية ، وانّها مسؤولة أمام الله عن اقتصاد الاَمة فيجب عليها الاحتياط فيه كأشدّ ما يكون الاحتياط فليس لرئيس الدولة ، ولا لغيره من أجهزة الحكم أن يصطفوا لأنفسهم وذويهم أي شيء من أموال الدولة.
    وكان على رأس الحكّام المنحرفين ملوك بني أمية الذين اتخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً ، وبالاِضافة إلى ما اقترفوه من ظلم الاَمة والاعتداء على كرامتها ، فانّهم عمدوا إلى ظلم العلويين ، والاِجهاز على شيعتهم ، وقد شاهد أبوالفضل ( عليه السلام ) المحن الشاقة والعسيرة التي حلّت بأهل بيته ومحبّيهم ، ومما لا ريب فيه انّها تركت في أعماق نفسه أقسى ألوان المحن ، والآلام.
    أمّا دور سيّدنا العباس ( عليه السلام ) في ملحمة كربلاء فانّه يأتي في الاَهمية بعد أخيه أبي الاَحرار الاِمام الحسين ( عليه السلام ) صانع هذه الملحمة الخالدة في دنيا الحقّ والعدل ، وقد فاق جميع أصحاب الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، وأهل بيته المكرمين ، وذلك بما قدّمه من عظيم الخدمات لاَخيه ، بالاِضافة إلى مواقفه البطولية الرائعة ، وصموده الهائل أمام معسكر ابن زياد ، وقد أبدى من البسالة ما يذهل الاَفكار ويحيّر الاَلباب ، وكان يشيع في نفوس أصحاب أخيه وأهل بيته العزم والتصميم على التضحية والجهاد بين يديه ، فقد استهان بالموت وسخر من الحياة ، وقد انطبعت هذه الظاهرة في نفوسهم فاعتنقوا الشهادة ، وانطلقوا إلى ميادين الجهاد ليرفعوا كلمة الله في الاَرض.
    وكان العبّاس ( عليه السلام ) أيّام المحنة الكبرى التي حلّت بأخيه ملازماً له لم يفارقه ، وقدّم له جميع ألوان البرّ والاِحسان ، فكان يقيه بنفسه ويفيديه بمهجته ، فهو صاحب لوائه ، ومدير شؤونه ، والمتصدّي لخدماته ، ويقول الرواة: انّه قد استوعب حبّه والاِخلاص له قلب أخيه الاِمام الحسين ( عليه السلام ) حتى فداه بنفسه ، وكان عليه ضيفاً ، فلم يسمح له بالحرب حتى بعد مقتل أصحابه وأهل بيته ، لاَنّه كان يشعر بالقوة والمنعة ، ما دام حيّاً إلى جانبه ، ولما استشهد العباس شعر الاِمام الحسين بالوحدة والغربة والضياع بعده وفقد كلّ أمل له في الحياة ، وراح يبكي عليه أمرّ البكاء ، ويندبه بذوب روحه ، وسارع إلى ساحة الحرب ليلتقي به في جنان الخلد.
    سلام الله عليك يا أبا الفضل ففي حياتك وشهادتك ملتقى أمين لجميع القيم الاِنسانية ، وحسبك أنّك وحدك كنت انموذجاً رائعاً لشهداء الطفّ الذين احتلّوا قمّة الشرف والمجد في دنيا العرب والاِسلام.

    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:21 pm


    الوليد العظيم
    وكان أوّل مولود زكيّ للسيّدة أمّ البنين هو سيّدنا المعظّم أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) ، وقد ازدهرت يثرب ، وأشرقت الدنيا بولادته وسرت موجات من الفرح والسرور بين أفراد الاَسرة العلوية ، فقد ولد قمرهم المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره ، وأضاف إلى الهاشميين مجداً خالداً وذكراً نديّاً عاطراً.
    وحينما بُشِّر الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بهذا المولود المبارك سارع إلى الدار فتناوله ، وأوسعه تقبيلاً ، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذّن في أُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، لقد كان أوّل صوت قد اخترق سمعه صوت أبيه رائد الاِيمان والتقوى في الاَرض ، وأنشودة ذلك الصوت.
    « الله أكبر... ».
    « لا إله إلاّ الله ».
    وارتسمت هذه الكلمات العظيمة التي هي رسالة الاَنبياء ، وأنشودة المتّقين في أعماق أبي الفضل ، وانطبعت في دخائل ذاته ، حتى صارت من أبرز عناصره ، فتبنى الدعوة إليها في مستقبل حياته ، وتقطّعت أوصاله في سبيلها.
    وفي اليوم السابع من ولادة أبي الفضل ( عليه السلام ) ، قام الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بحلق شعره ، والتصدّق بزنته ذهباً أو فضّة على المساكين وعقّ عنه بكبش ، كما فعل ذلك مع الحسن والحسين ( عليهما السلام ) عملاً بالسنّة الاِسلامية.

    سنة ولادته
    أفاد بعض المحقّقين أن أبا الفضل العباس ( عليه السلام ) وُلد سنة (26 هـ) في اليوم الرابع من شهر شعبان.

    تسميته
    سمّى الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وليده المبارك (بالعباس) وقد استشفّ من وراء الغيب انه سيكون بطلاً من أبطال الاِسلام ، وسيكون عبوساً في وجه المنكر والباطل ، ومنطلق البسمات في وجه الخير ، وكان كما تنبّأ فقد كان عبوساً في ميادين الحروب التي أثارتها القوى المعادية لاَهل البيت عليهم السلام ، فقد دمّر كتائبها وجندل أبطالها ، وخيّم الموت على جميع قطعات الجيش في يوم كربلاء ، ويقول الشاعر فيه:
    عبست وجوه القوم خوف الموت والعبّاس فيهـم ضاحـك متبسّم

    كنيته
    وكُنِّي سيّدنا العبّاس ( عليه السلام ) بما يلي:
    1 ـ أبو الفضل
    كُنّي بذلك لاَنّ له ولداً اسمه الفضل ، ويقول في ذلك بعض من رثاه:
    أبا الفضل يا من أسّس الفضل والاِبا أبى الفضل إلاّ أن تكون له أبا

    وطابقت هذه الكنية حقيقة ذاته العظيمة فلو لم يكن له ولد يُسمّى بهذا الاِسم ، فهو ـ حقّاً ـ أبو الفضل ، ومصدره الفياض فقد أفاض في حياته ببرّه وعطائه على القاصدين لنبله وجوده ، وبعد شهادته كان موئلاً وملجأً لكل ملهوف ، فما استجار به أحد بنيّة صادقة إلاّ كشف الله ما ألمّ به من المحن والبلوى.
    2 ـ أبو القاسم
    كُنّي بذلك لاَنّ له ولداً اسمه (القاسم) وذكر بعض المؤرّخين أنّه استشهد معه يوم الطفّ ، وقدّمه قرباناً لدين الله ، وفداءً لريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

    ألقابه
    أمّا الاَلقاب التي تُضفى على الشخص فهي تحكي صفاته النفسية حسنة كانت أو سيّئة ، وقد أضيفت على أبي الفضل ( عليه السلام ) عدّة ألقاب رفيعة تنمّ عن نزعاته النفسية الطيبة ، وما اتصف به من مكارم الاَخلاق وهي:
    1 ـ قمر بني هاشم
    كان العبّاس ( عليه السلام ) في روعة بهائه ، وجميل صورته آية من آيات الجمال ، ولذلك لقّب بقمر بني هاشم ، وكما كان قمراً لاَسرته العلوية الكريمة ، فقد كان قمراً في دنيا الاِسلام ، فقد أضاء طريق الشهادة ، وأنار مقاصدها لجميع المسلمين.
    2 ـ السقّاء
    وهو من أجلّ ألقابه ، وأحبّها إليه ، أما السبب في امضاء هذا اللقب الكريم عليه فهو لقيامه بسقاية عطاشى أهل البيت عليهم السلام حينما فرض الاِرهابي المجرم ابن مرجانة الحصار على الماء ، وأقام جيوشه على الفرات لتموت عطشاً ذرية النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، محرّر الاِنسانية ومنقذها من ويلات الجاهلية... وقد قام بطل الاِسلام أبو الفضل باقتحام الفرات عدّة مرّات ، وسقى عطاشى أهل البيت ، ومن كان معهم من الاَنصار ، وسنذكر تفصيل ذلك عند التعرّض لشهادته.
    3 ـ بطل العلقمي
    أمّا العلقمي فهو اسم للنهر الذي استشهد على ضفافه أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) ، وكان محاطاً بقوى مكثّفة من قبل ابن مرجانة لمنع ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسيّد شباب أهل الجنّة ، ومن كان معه من نساء وأطفال من شرب الماء ، وقد استطاع أبو الفضل بعزمه الجبّار ، وبطولته النادرة أن يجندل الاَبطال ، ويهزم أقزام ذلك الجيش المنحطّ ، ويحتلّ ذلك النهر ، وقد قام بذلك عدّة مرّات ، وفي المرّة الاَخيرة استشهد على ضفافه ومن ثمّ لُقِّب ببطل العلقمي.
    4 ـ حامل اللواء
    ومن ألقابه المشهورة (حامل اللواء) وهو أشرف لواء انّه لواء أبي الاَحرار الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، وقد خصّه به دون أهل بيته وأصحابه ، وذلك لما تتوفر فيه من القابليات العسكرية ، ويعتبر منح اللواء في ذلك العصر من أهمّ المناصب الحسّاسة في الجيش وقد كان اللواء الذي تقلّده أبو الفضل يرفرف على رأس الاِمام الحسين ( عليه السلام ) منذ أن خرج من يثرب حتّى انتهى إلى كربلاء ، وقد قبضه بيد من حديد ، فلم يسقط منه حتى قطعت يداه ، وهوى صريعاً بجنب العلقمي.
    5 ـ كبش الكتيبة
    وهو من الاَلقاب الكريمة التي تُمنح الى القائد الاَعلى في الجيش ، الذي يقوم بحماية كتائب جيشه بحسن تدبير ، وقوّة بأس ، وقد اضفي هذا الوسام الرفيع على سيّدنا أبي الفضل ، وذلك لما أبداه يوم الطفّ من الشجاعة والبسالة في الذبّ والدفاع عن معسكر الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، فقد كان قوّة ضاربة في معسكر أخيه ، وصاعقة مرعبة ومدمّرة لجيوش الباطل.
    6 ـ العميد
    وهو من الاَلقاب الجليلة في الجيش التي تُمنح لاَبرز الاَعضاء في القيادة العسكرية ، وقد قُلّد أبو الفضل ( عليه السلام ) بهذا الوسام لاَنّه كان عميد جيش أخيه أبي عبدالله ، وقائد قوّاته المسلّحة في يوم الطفّ.
    7 ـ حامي الظعينة
    ومن الاَلقاب المشهورة لاَبي الفضل ( عليه السلام ) (حامي الظعينة). يقول السيّد جعفر الحلّي في قصيدته العصماء التي رثاه بها:
    حامى الظعينة أين منه ربيعة أم أين من عليـاً أبيـه مكرم
    وانّما اضفي عليه هذا اللقب الكريم لقيامه بدور مشرّف في رعاية مخدرات النبوة وعقائل الوحي ، فقد بذل قصارى جهوده في حمايتهنّ وحراستهنّ وخدمتهنّ ، فكان هو الذي يقوم بترحيلهنّ ، وانزالهنّ من المحامل طيلة انتقالهنّ من يثرب إلى كربلاء.
    ومن الجدير بالذكر أن هذا اللقب اطلق على بطل من شجعان العرب وفرسانهم وهو ربيعة بن مكرم ، فقد قام بحماية ظعنه ، وأبلى في ذلك بلاءً حسناً.
    8 ـ باب الحوائج
    وهذا من أكثر ألقابه شيوعاً ، وانتشاراً بين الناس ، فقد آمنوا وأيقنوا أنه ما قصده ذو حاجة بنية خالصة إلاّ قضى الله حاجته ، وما قصده مكروب إلاّ كشف الله ما ألمّ به من محن الاَيام ، وكوارث الزمان ، وكان ولدي محمد الحسين ممن التجأ إليه حينما دهمته كارثة ففرّج الله عنه.
    إنّ أبا الفضل نفحة من رحمات الله ، وباب من أبوابه ، ووسيلة من وسائله ، وله عنده الجاه العظيم ، وذلك لجهاده المقدّس في نصرة الاسلام ، والذبّ عن أهدافه ومبادئه ، وقيامه بنصرة ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى استشهد في سبيله هذه بعض ألقاب أبي الفضل ، وهي تحكي بعض معالم شخصيته العظيمة وما انطوت عليه من محاسن الصفات ومكارم الاَخلاق.

    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:23 pm


    مع أمير المؤمنين
    كان الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يرعى ولده أبا الفضل في طفولته ، ويعنى به كأشدّ ما تكون العناية فأفاض عليه مكوّنات نفسه العظيمة العامرة بالاِيمان والمثل العليا ، وقد توسّم فيه أنه سيكون بطلاً من أبطال الاِسلام ، وسيسجّل للمسلمين صفحات مشرقة من العزّة والكرامة.
    كان الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوسع العباس تقبيلاً ، وقد احتلّ عواطفه وقلبه ، ويقول المؤرّخون: إنّه أجلسه في حجره فشمّر العبّاس عن ساعديه ، فجعل الاِمام يقبّلهما ، وهو غارق في البكاء ، فبهرت أمّ البنين ، وراحت تقول للاِمام:
    « ما يبكيك ؟ »
    فأجابها الاِمام بصوت خافت حزين النبرات:
    « نظرت إلى هذين الكفّين ، وتذكّرت ما يجري عليهما.. »
    وسارعت أمّ البنين بلهفة قائلة:
    « ماذا يجري عليهما »..
    فأجابها الاِمام بنبرات مليئة بالاَسى والحزن قائلاً:
    « إنّهما يقطعان من الزند.. »
    وكانت هذه الكلمات كصاعقة على أمّ البنين ، فقد ذاب قلبها ، وسارعت وهي مذهولة قائلة:
    « لماذا يقطعان »..
    وأخبرها الاِمام ( عليه السلام ) بأنّهما انّما يقطعان في نصرة الاِسلام والذبّ عن أخيه حامي شريعة الله ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأجهشت أمّ البنين في البكاء ، وشاركنها من كان معها من النساء لوعتها وحزنها.
    وخلدت أمّ البنين إلى الصبر ، وحمدت الله تعالى في أن يكون ولدها فداءً لسبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وريحانته.
    نشأته
    نشأ أبو الفضل العبّاس ( عليه السلام ) نشأة صالحة كريمة ، قلّما يظفر بها إنسان فقد نشأ في ظلال أبيه رائد العدالة الاجتماعية في الاَرض ، فغذّاه بعلومه وتقواه ، وأشاع في نفسه النزعات الشريفة ، والعادات الطيّبة ليكون مثالاً عنه ، وانموذجاً لمثله ، كما غرست أمّه السيّدة فاطمة في نفسه ، جميع صفات الفضيلة والكمال ، وغذّته بحبّ الخالق العظيم فجعلته في أيّام طفولته يتطلّع إلى مرضاته وطاعته ، وظلّ ذلك ملازماً له طوال حياته.
    ولازم أبو الفضل أخويه السبطين ريحانتي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة فكان يتلقّى منهما قواعد الفضيلة ، وأسس الآداب الرفيعة ، وقد لازم بصورة خاصة أخاه أبا الشهداء الاِمام الحسين ( عليه السلام ) فكان لا يفارقه في حله وترحاله ، وقد تأثّر بسلوكه ، وانطبعت في قرارة نفسه مُثُله الكريمة وسجاياه الحميدة حتى صار صورة صادقة عنه يحكيه في مثله واتجاهاته ، وقد أخلص له الاِمام الحسين كأعظم ما يكون الاِخلاص وقدّمه على جميع أهل بيته لما رأى منه من الودّ الصادق له حتى فداه بنفسه.
    انّ المكونات التربوية الصالحة التي ظفر بها سيّدنا أبو الفضل العبّاس ( عليه السلام ) قد رفعته إلى مستوى العظماء والمصلحين الذين غيّروا مجرى تاريخ البشرية بما قدّموه لها من التضحيات الهائلة في سبيل قضاياها المصيرية ، وانقاذها من ظلمات الذلّ والعبودية.
    لقد نشأ أبو الفضل على التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الحقّ ، ورفع رسالة الاِسلام الهادفة إلى تحرير إرادة الاِنسان ، وبناء مجتمع أفضل تسوده العدالة والمحبة ، والاِيثار ، وقد تأثر العباس بهذه المبادىَ العظيمة وناضل في سبيلها كأشدّ ما يكون النضال ، فقد غرسها في أعماق نفسه ، ودخائل ذاته ، أبوه الاِمام أمير المؤمنين وأخواه الحسن والحسين عليهم السلام ، هؤلاء العظام الذين حملوا مشعل الحرية والكرامة ، وفتحوا الآفاق المشرقة لجميع شعوب العالم وأُمم الاَرض من أجل كرامتهم وحرّيتهم ، ومن أجل أن تسود العدالة والقيم الكريمة بين الناس.


    خلافة الاِمام الحسن
    وتسلّم الاِمام الحسن ( عليه السلام ) قيادة الدولة الاسلامية بعد وفاة أبيه ، وكانت الاَوضاع الاجتماعية والسياسية ، كلها في غير صالحه ، فالاَكثرية الساحقة من الرؤساء والقادة العسكريين كانت اتجاهاتهم وميولهم سرّاً وعلانية مع معاوية ، فقد غزاهم بذهبه ، واسترقهم بأمواله ، كما انتشرت بين كتائب جيشه فكرة الخوارج التي كانت سوسة تنخر في معسكره ، وتعلن عدم شرعية خلافته ، وخلافة أبيه من قبل ، ومن ثمّ كان إقبال الجماهير على مبايعته فاتراً جدّاً ، وكذلك لم تندفع القوات المسلّحة بحماس إلى بيعته ، وإنّما كانت مرغمة على ذلك ، الاَمر الذي أوجب تريّب الاِمام الحسن منهم ، ويرى المراقبون للاَوضاع السياسية في جيش الاِمام انّه قد ماج في الفتنة وارتطم في الشقاء ، وان خطره على الاِمام كان أعظم من خطر معاوية وانّه لا يصلح بأي حال من الاَحوال لاَن يخوض الامام به أي ميدان من ميادين الحرب.
    وعلى أي حال فان الاِمام قد تسلّم قيادة الدولة ، وقد منيت بالانحلال والضعف ، وشيوع الفتن والاضطراب فيها ، وان من العسير جدّاً السيطرة على الاَوضاع الاجتماعية ، وإخضاع البلاد إلى عسكره. اللهم إلاّ بسلوك أمرين:
    الاَوّل
    إشاعة الاَحكام العرفيّة في البلاد ، ومصادرة الحريات العامة ، ونشر الخوف والارهاب ، وأخذ الناس بالظنّة والتهمة ، وهذا ما يسلكه عشّاق الملك والسلطان حينما يمنون بمثل هذه الاَزمات في شِعوبهم.
    أمّا أئمّه أهل البيت : فانهم لا يرون مشروعية هذه السياسة ، وان أدّت إلى الانتصار ، ويرون ضرورة توفير الحياة الحرّة الكريمة للشعب ، واقصاء الوسائل الملتوية عنه.
    الثاني
    تقديم الطبقة الرأسمالية وذوي النفوذ على فئات الشعب ، ومنحهم الاَموال والامتيازات الخاصة ، والوظائف المهمة ولو فعل ذلك الاِمام الحسن لاستقرّت له الاَمور ، وما مُني جيشه بالتمرّد والانحلال ، إلاّ أنّه ابتعد عن ذلك ابتعاداً مطلقاً لاَنّه لا تبيحه شريعة الله.
    لقد كان منهج الاِمام الحسن في سياسته واضحاً لا لبس فيه ولا غموض وهو التمسّك بالحقّ ، وعدم السلوك في المنعطفات ، واجتناب الطرق الملتوية ، وان أدّت إلى الظفر والنصر.

    إعلان معاوية للحرب
    وبادر معاوية إلى إعلان الحرب على سبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لاَنّه على علم بما مُني به جيش الاِمام من الانحلال والخيانة فأغلب قادة الفرق ، وضبّاط الجيش ، وسائر المراتب قد رشاهم معاوية بذهبه وأمواله ، ومنّاهم بالوظائف العالية ، كما كاتب بعضهم بأن يزوجه بإحدى بناته ، فقد استعمل الرشوة معهم على نطاق واسع ، وقد استجابوا له ، وضمنوا له تسليم الاِمام أسيراً متى شاء وأراد ، أو اغتياله ، وقد حفزته هذه العوامل لاستعجال الحرب وحسم الموقف من صالحه.
    وزحف معاوية بجيوشه المتماسكة والمطيعة صوب العراق ، ولما علم الامام الحسن بذلك جمع قوّاته المسلّحة ، وأعلمهم بالاَمر ودعاهم إلى الجهاد وردّ العدوان فوجموا وساد عليهم الذعر والخوف فلم يجبه أحد منهم فقد آثروا العافية ، وسئموا من الحرب ، ولما رأى تخاذلهم الزعيم الكبير عَديّ بن حاتم تميّز غيظاً وغضباً ، واندفع بحماس بالغ نحوهم فجعل يؤنّبهم على هذا التخاذل ، وأعلن استجابته المطلقة لدعوة الاِمام ، ودعم موقفه كلّ من الزعيم الشريف قيس بن سعد بن عبادة ، ومعقل بن قيس الرياحي ، وزياد بن صعصعة التميمي فأخذوا يلومونهم على هذا الموقف الذي ليس فيه شرف ولا إنصاف ، ويبعثونهم إلى ساحات الجهاد.
    وخرج الاِمام الحسن ( عليه السلام ) من فوره لمقابلة معاوية ، وسار معه أخلاط من الناس حتى انتهى إلى النخيلة فاستقام فيها حتى التحمت به فصائل من جيشه المتخاذل ، ثم ارتحل حتى إنتهى إلى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثة أيام ، ثم واصل سيره لا يلوي على شيء.

    في المدائن
    وانتهى الاِمام ، ومعه بعض الفرق من جيشه إلى المدائن ، فأقام بها ، وقد أحاطت به المصاعب والاَزمات فقد عانى من جيشه الممزّق والخائن ألواناً شاقّة وعسيرة من المحن والمشاكل ، وابتلي بما لم يبتل به أحد من قادة المسلمين وخلفائهم ، وكان من بين ما امتحن به:
    1 ـ خيانة القائد العام
    وكان من أقسى ما ابتلي به الاِمام في تلك المرحلة الحسّاسة خيانة ابن عمّه عبيد الله بن العبّاس القائد العام لقوّاته المسلّحة ، فقد أرشاه معاوية بما يقارب المليون درهم ، فولّى الخائن الجبان منهزماً تحت جنح الليل البهيم يصحب معه العار والخزي ، فالتحق بمعسكر معاوية ، ولما علم الجيش بذلك اضطرب اضطراباً هائلاً ، وماج في الفتنة والشقاء ، ودبّت روح الخيانة في جميع قطعات الجيش كما خان جماعة من ذوي الرتب العليا في الجيش فالتحقوا بمعسكر معاوية بعد أن أرشاهم بأمواله.
    ان خيانة عبيد الله من أقسى الضربات التي حلّت بجيش الاِمام ، فقد فتحت أبواب الخيانة على مصراعيها لذوي الضمائر القلقة لبيع ضمائرهم على معاوية ، كما أدّت إلى انهيار معنويات جيش الاِمام ، وفي نفس الوقت كانت من أقسى الصدمات التي واجهها الاِمام في تلك الفترة العصيبة فقد ألقت له الاَضواء على نفوس أغلب قادة جيشه ، وانّهم مجموعة من الخونة الذين لا يملكون أي رصيد ديني أو وطني.
    2 ـ محاولات لاغتيال الاِمام
    ولم تقتصر محنة الاِمام وبلواه من جيشه إلى هذا الحدّ ، وانّما امتدّت إلى ما هو أعظم من ذلك فقد قام عملاء الامويين وبهائم الخوراج بعدة عمليات لاغتيال الاِمام ، وقد فشلت جميعها وهي:
    أ ـ رمي الاِمام بسهم وهو في أثناء الصلاة ، ولم يؤثّر فيه شيئاً.
    ب ـ طعنه بخنجر في أثناء الصلاة.
    ج ـ طعنه في فخذه.
    وضاقت الدنيا على ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وطافت به المحن والاَزمات وأيقن أنّه لا محالة امّا أن يُغتال ، ويضاع دمه هدراً أو يلقى عليه القبض ويبعث أسيراً إلى معاوية ، وأجال النظر في هذه الاَمور فأفزعته إلى حدّ بعيد.
    3 ـ الحكم عليه بالكفر
    وتمادى الخونة والعملاء في جيش الاِمام في الجريمة والشرّ ، فقد قابلوا الاِمام بكلمات كانت أشدّ عليه من ضرب السيوف وطعن الرماح ، فقد أقبل عليه الجرّاح بن سنان يشتدّ كأنّه الكلب وهو رافع عقيرته قائلاً:
    « لقد أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل.. ».
    ولم ينبر أحد من جيش الاِمام إلى معاقبة هذا الاَثيم ، لقد انحرف هؤلاء الخونة عن الحق ، ومالوا عن الطريق القويم ، فقد حكموا على ابن بنت نبيّهم وابن وصيّه بالكفر والمروق من الدين ، فأي ضلال مثل هذا الضلال؟.
    4 ـ نهب أمتعة الاِمام
    وعمد أُولئك الاَجلاف إلى نهب أمتعة الاِمام فنزعوا منه بساطاً كان جالساً عليه ، وسلبوا منه رداءه ، ولم تكن هناك أيّة حماية للاِمام من جيشه ، فقد جرت هذه العملية بمرأى ومسمع منهم.
    هذه بعض الاَحداث المروعة التي عاناها الاِمام ( عليه السلام ) في المدائن وهي تلزمه بالصلح والتخلّي عن ذلك المجتمع المصاب بأخلاقه وعقيدته.



    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:25 pm


    مَعَ الثورة الحُسيْنيّة
    ورافق أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) الثورة الاِسلامية الكبرى التي فجّرها أخوه أبو الاَحرار وسيّد الشهداء الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، تلك الثورة العملاقة التي كانت من أهمّ الثورات العالمية ، ومن أكثرها عطاءً لشعوب الاَرض ، فقد غيّرت مجرى التاريخ وهزّت العالم بأسره ، وحرّرت الانسان المسلم ، ودفعت القطعات الشعبية من المسلمين إلى التمرّد على الظلم ، ومناهضة الجور والطغيان.
    وقد ساهم قمر بني هاشم وفخر عدنان في هذه الثورة المباركة مساهمة إيجابية وفعّالة ، وشارك أخاه الحسين في جميع فصولها ، وقد وعى جميع أهدافها وما تنشده من خير ورحمة للشعوب المحرومة والمضطهدة ، فآمن بها إيماناً مطلقاً.
    لقد كان العبّاس أهمّ عضو بارز في هذه الثورة المشرقة ، وقد لازم أخاه ممتثلاً لاَمره ، منفّذاً لرغباته ، شادّاً لعضده ، مؤمناً بقوله ، مصدقاً لمبادئه ، لم يفارقه في مسيرته الخالدة من يثرب إلى مكّة ، ثم إلى أرض الكرامة والشهادة ، ففي كل موقف من ثورة الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، كان العبّاس معه ، وشريكاً له ، .. ونتحدّث ـ عن بعض الفصول التأريخية لهذه الثورة العظمى التي كان العباس العلم البارز فيها.

    رفض الامام الحسين لبيعة يزيد
    وأعلن الاِمام الحسين ( عليه السلام ) رسمياً رفضه الكامل لبيعة يزيد ، وذلك حينما استدعاه حاكم المدينة الوليد بن عقبة في غلس الليل ، وقد فهم الاِمام ما أراد منه ، فاستدعى عضده وأخاه أبا الفضل العبّاس وسائر الفتية من أهل بيته ليقوموا بحمايته ، وأمرهم بالجلوس في خارج الدار فاذا سمعوا صوته قد علا فعليهم أن يقتحموا الدار لانقاذه ، ودخل الامام على الوليد فاستقبله بحفاوة وتكريم ، ثم نعى إليه هلاك معاوية ، وما أمره به يزيد من أخذ البيعة من أهل المدينة عامة ومن الحسين خاصة ، فاستمهله الاِمام حتى الصبح ، ليجتمع الناس ، وقد أراد أن يعلن أمامهم رفضه الكامل لبيعة يزيد ، ويدعوهم إلى التمرّد على حكومته ، وكان مروان بن الحكم الذي هو من رؤوس المنافقين ، ومن أعمدة الباطل حاضراً ، فاندفع لاشعال نار الفتنة ، فصاح بالوليد:
    « لئن فارقك الساعة ، ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ، أحبسه فان بايع ، وإلاّ ضربت عنقه.. ».
    ووثب أبي الضيم في وجه مروان ، فقال محتقراً له:
    « يا بن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟ ، كذبت والله ولؤمت.. ».
    ثم التفت أبو الاَحرار إلى الوليد فأخبره عن عزمه ، وتصميمه في رفضه لبيعة يزيد قائلاً:
    « أيّها الاَمير ، إنّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومحلّ الرحمة ، بنا فتح الله ، وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحرّمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون ، أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة.. ».
    لقد أعلن الاِمام رفضه لبيعة يزيد في بيت الامارة ورواق السلطة ، وهو غير حافل بالحكم القائم ، فقد وطّن نفسه على التضحية والفداء لينقذ المسلمين من حكم إرهابي عنيف يستهدف إذلالهم ، وإرغامهم على ما يكرهون.
    لقد كان أبو الاَحرار عالماً بفسق يزيد وفجوره ومروقه من الدين ، ولو أقرّ لحكومته لساق المسلمين إلى الذلّ والعبودية ، وعصف بالعقيدة الاِسلامية في متاهات سحيقة من مجاهل هذه الحياة ، ولكنّه سلام الله عليه صمد في وجه الاعاصير هازئاً من الحياة ، ساخراً من الموت ، فبنى للمسلمين عزّاً شامخاً ، ومجداً رفعياً ، ورفع كلمة الاِسلام عالية في الاَرض.

    إلى مكّة المكرّمة
    وصمّم أبو الاَحرار على مغادرة يثرب ، والتوجه إلى مكّة المكرّمة ليتّخذ منها مقرّاً لبثّ دعوته ، ونشر أهداف ثورته ، ويدعو المسلمين إلى الانتفاضة على الحكم الاَموي الذي يمثّل الجاهلية بجميع أبعادها الشريرة ، وقبل أن يتوجّه إلى مكّة خفّ إلى قبر جدّه ( صلى الله عليه وآله ) وهو حزين قد أحاطت به الاَزمات فشكى إليه ما ألمّ به من المحن والبلوى ، ثم توجّه إلى قبر سيّدة النساء أمّه الزكيّة فألقى عليها نظرات الوداع الاَخير ، وزار بعد ذلك قبر أخيه الزكيّ أبي محمد ( عليه السلام ) ثم توجّه مع جميع أفراد عائلته إلى مكّة التي هي حرم الله ليعوذ ببيتها الحرام الذي فرض الله فيه الاَمن لجميع عباده ، وكان أخوه أبو الفضل إلى جانبه قد نشر رايته ترفرف على رأسه ، وقد تولّى جميع شؤونه وشؤون عائلته ، وقام خير قيام بما يحتاجون إليه.
    وسلك أبو الاَحرار في مسيره الطريق العام فأشار عليه بعض من كان معه بأن يحيد عنه ـ كما فعل ابن الرونق الحرفير ـ مخافة أن يدركه الطلب من السلطة فأجابه بكل شجاعة وثقة في النفس:
    « لا والله ما فارقت هذا الطريق ، أو أنظر إلى أبيات مكة حتى يقضي الله في ذلك ما يحبّ ويرضى.. ».
    وانتهى ركب الاِمام إلى مكّة ليلة الجمعة لثلاث ليال مضين من شعبان وحطّ رحله في دار العبّاس بن عبد المطلب ، وقد احتفى به المكّيون خير احتفاء ، وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشية ، وهم يسألونه عن أحكام دينهم ، وأحاديث نبيّهم ، كما توافد لزيارته القادمون إلى بيت الله الحرام من الحجّاج والمعتمرين من سائر الآفاق ، ولم يترك الاِمام ( عليه السلام ) لحظة تمرّ من دون أن يبثّ الوعي الديني والسياسي في نفوس زائريه من المكيّين وغيرهم ، ويدعوهم إلى التمرّد على الحكم الاَموي الذي عمد على إذلالهم وعبوديتهم.

    فزع السلطة بمكّة
    وفزعت السلطة المحلّية بمكة من قدوم الاِمام إليها ، واتخاذها مقراً لدعوته ، ومركزاً لاِعلان ثورته ، وكان حاكم مكّة الطاغية عمرو بن سعيد الاَشدق ، فقد رأى بنفسه تزاحم المسلمين على الاِمام ، وسمع ما يقولونه ان الاِمام أولى بالخلافة الاِسلامية وأحقّ بها من آل أبي سفيان الذين لا يرجون لله وقاراً ، فخف مسرعاً نحو الاِمام فقال له بغيظ:
    « ما أقدمك إلى البيت الحرام؟.. ».
    وكأن بيت الله العظيم ملك لبني أميّة ، وليس هو لجميع المسلمين ، فأجابه الاِمام بثقة وهدوء:
    « أنا عائذ بالله ، وبهذا البيت... ».
    ورفع الطاغية بالوقت رسالة إلى سيّده يزيد بن معاوية أحاطه بها علماً بمجيء الامام إلى مكّة ، واختلاف الناس إليه ، والتفافهم حوله ، وان ذلك يشكّل خطراً على حكومته ، ففزع يزيد كأشدّ ما يكون الفزع حينما قرأ رسالة الاَشدق فرفع في الوقت مذكّرة إلى ابن عباس يتهدّد فيها الحسين على تحرّكه ، ويطلب منه التدخّل فوراً لاِصلاح الاَمر وحجب الحسين عن مناهضته ، فأجابه ابن عبّاس برسالة ، نصحه فيها بعدم التعرّض للحسين ، وانه انّما هاجر إلى مكّة فراراً من السلطة المحلّية في يثرب التي لم ترع مكانته ، ومقامه.
    ومكث الاِمام ( عليه السلام ) في مكّة ، والناس تختلف إليه ، وتدعوه إلى إعلان الثورة على الاَمويين ، وكانت مباحث الاَمن تراقبه أشدّ ما تكون المراقبة ، وتسجّل جميع تحرّكاته ونشاطاته السياسية ، وما يدور بينه وبين الوافدين عليه ، وتبعث بجميع ذلك إلى دمشق لاطلاع يزيد عليه.

    تحرّك الشيعة في الكوفة
    وحينما أشيع هلاك معاوية في الكوفة أعلنت الشيعة أفراحها بموته وعقدوا مؤتمراً شعبياً في بيت أكبر زعمائهم ، وهو سليمان بن صرد الخزاعي ، واندفعوا إلى إعلان الخطب الحماسية فيها وقد عرضوا بصورة شاملة إلى ما عانوه من الاضطهاد والتنكيل ، في أيّام معاوية ، وأجمعوا على بيعة الاِمام الحسين ، ورفض بيعة يزيد ، وأرسلوا في نفس الوقت وفداً منهم ليحثّ الاِمام على القدوم إلى مصرهم لتشكيل حكومته ليعيد لهم الحياة الكريمة التي فقدوها في ظلال الحكم الاَموي ويبسط في بلادهم الاَمن والرخاء ، وترجع بلدهم عاصمة للدولة الاِسلامية كما كانت أيّام أبيه الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكان من بين ذلك الوفد عبدالله البجلي ، وأخذ الوفد يسرع في سيره حتّى انتهى إلى مكّة ، فعرض على الامام مطاليب أهل الكوفة ، وألحّوا عليه بالاسراع إلى القدوم إليهم.

    رسائل الكوفة
    ولم يكتف الكوفيون بالوفد الذي بعثوه إلى الاِمام ، وانّما عمدوا إلى إرسال آلاف الرسائل إليه أعربوا فيها عن عزمهم الجادّ على نصرته ، والوقوف إلى جانبه ، وانّهم يفدونه بأرواحهم وأموالهم ، ويطلبون منه الاِسراع إلى مصرهم ليشكّل فيه دولة القرآن والاِسلام التي هي غاية آمالهم وحملوا الاِمام المسؤولية أمام الله والتأريخ إن لم يستجب لدعوتهم.
    ورأى الاِمام ( عليه السلام ) أنّه قد قامت عليه الحجّة الشرعية ، وان الواجب يحتّم عليه إجابتهم.

    إيفاد مسلم إلى الكوفة
    ولمّا تتابعت الوفود والرسائل من أهل الكوفة على الاِمام ، وهي تحثّه على القدوم إليهم ، لم يجد بُدّاً من إجابتهم ، فأوفد إليهم ثقته وكبير أهل بيته ، والمبرز من بينهم بالفضيلة وتقوى الله ابن عمّه مسلم بن عقيل ، وكانت مهمّته خاصة ومحدودة ، وهي الوقوف على واقع الكوفيين ، ومعرفة أمرهم ، فان صدقوا فيما قالوا توجّه الاِمام إليهم وأقام في مصرهم دولة القرآن.
    ومضى مسلم يجد في السير لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى الكوفة فنزل في بيت زعيم من زعماء الشيعة ، وسيف من سيوفهم ، وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، الذي كان يتمتّع بخبرة سياسية واسعة ، وشجاعة فائقة ، ودراية تامة بالشؤون النفسية والاجتماعية ، وقد فتح المختار أبواب داره إلى مسلم ، وصار بيته مركزاً للسفارة الحسينيّة. ولما علمت الشيعه بقدوم مسلم سارعوا إليه مرحّبين به ، ومقدمين له جميع ألوان الحفاوة والدعم ، والتفوا حوله ، طالبين منه أن يأخذ منهم البيعة للاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، واستجاب لهم مسلم ففتح سجلاً للمبايعين وقد أحصي عددهم في الاَيام القليلة بما يزيد على ثمانية عشر ألفاً ، وفي كل يوم يزداد عدد المبايعين منهم ، وألحّوا عليه أن يراسل الاِمام بالاِسراع إلى القدوم إليهم ليتولّى قيادة الاَمة ، .. ومن الجدير بالذكر أن السلطة المحليّة في الكوفة كانت على علم بمجريات الثورة ، وقد وقفت منها موقف الصمت ، فلم تتخذ أي اجراءات ضدّها ، ويعود السبب في ذلك إلى ان حاكم الكوفة النعمان بن بشير الاَنصاري كان من المنحرفين عن يزيد بسبب مواقفه المعادية للاَنصار ، ومضافاً إلى ذلك فان ابنته كانت زوجة المختار الذي استضاف مسلماً ووقف إلى جانبه.
    ومن الطبيعي أنّه لم يرق لعملاء الاَمويين وأذنابهم موقف النعمان المتّسم بالليونة وعدم المبالاة بالثورة ، فبادروا إلى الاتصال بدمشق ، وعرّفوا يزيد بموقف النعمان ، وطلبوا المبادرة بإقصائه ، وتعيين حاكماً حازماً يستطيع القضاء على الثورة ، وإخضاع الجماهير إلى حكمه ، وفزع يزيد من الاَمر ، فأرسل إلى مستشاره الخاص سرجون ، وكان دبلوماسياً محنّكاً ، فعرض عليه ما ألمّ به وطلب منه أن يرشده إلى حاكم يتمكّن من السيطرة على الاَوضاع المتفجّرة في الكوفة ، فأشار عليه بتولّيه الاِرهابي عبيدالله بن زياد فانّه شبيه بأبيه في التجرّد من كلّ نزعة إنسانية ، وعدم المبالاة في اقتراف أبشع الجرائم ، فاستجاب يزيد لرأيه ، وكتب لابن زياد مرسوماً بولايته على الكوفة بعد أن كان والياً على البصرة فقط ، وبذلك فقد أصبح العراق كلّه خاضعاً لسيطرته ، وأصدر إليه الاَوامر المشدّدة بالاِسراع إلى الكوفة لاستئصال الثورة ، والقضاء على مسلم.

    سفر ابن زياد إلى الكوفة
    وحينما تسلّم ابن زياد المرسوم في ولايته على الكوفة توجّه إليها فوراً ، وأخذ يجد في السير لا يلوي على شيء مخافة أن يسبقه إليها الاِمام الحسين ( عليه السلام ) ، وحينما أشرف على الكوفة غيّر ملابسه ، ولبس ثياباً يمانية وعمامة سوداء ليوهم على الكوفيين أنّه الامام الحسين ، وقد اعتقدوا بذلك فأحاطوا به مرحّبين بقدومه ، وهاتفين بحياته ، فاستاء ابن زياد من ذلك كأشدّ ما يكون الاستياء ، وأسرع في سيره مخافة أن ينكشف أمره ، فيقتل ، ولما انتهى إلى قصر الامارة ، وجد الباب مغلقاً فطرقه فأشرف عليه النعمان ، وقد توهّم أنه الامام الحسين ( عليه السلام ) فانبرى يخاطبه بلطف قائلاً:
    « ما أنا بمؤدّ إليك أمانتي يا بن رسول الله ، وما لي في قتالك من ارب »..
    فصاح به ابن مرجانة:
    « افتح لا فتحت فقد طال ليلك.. ».
    وعرفه بعض من كان خلفه فصاح بالجماهير:
    « انّه ابن مرجانة ، وربّ الكعبة.. ».
    وكان ذلك الصاعقة على رؤوسهم فولّوا منهزمين إلى دورهم ، وقد ملئت قلوبهم خوفاً ورعباً ، وبادر الطاغية نحو القصر فاستولى على المال والسلاح ، وأحاط به عملاء الاَمويين أمثال عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن ، ومحمد بن الاَشعث وغيرهم من وجوه الكوفة فجعلوا يحدثونه عن الثورة ، ويعرفونه بأعضائها البارزين ، ويضعون معه المخططات الرهيبة للقضاء عليها.
    ولمّا أصبح الصبح جمع ابن مرجانة الناس في المسجد الاَعظم ، فأعلمهم بولايته على مصرهم ، ومنّى أهل الطاعة بالصلة ، وأهل المعصيّة بالعقاب الصارم ثم عمد إلى نشر الخوف والاِرهاب بين الناس ، وقد أمسك جماعة لم يجر معهم أي تحقيق فأمر بإعدامهم ، وملاَ السجون بالمعتقلين ، واتخذ من ذلك وسيلة للسيطرة على البلاد.
    ولمّا علم مسلم بقدوم ابن مرجانة ، وما قام به من الاَعمال الاِرهابية تحوّل من دار المختار إلى دار الزعيم الكبير هانىَ بن عروة ، وهو سيّد الكوفة ، وزعيمها المطاع ، وقد عرف بالولاء والمودّة لاَهل البيت عليهم السلام ، وقد استقبله هانئ بحفاوة وتكريم ، ورحّب به كأعظم ما يكون الترحيب وفتح داره على مصراعيها لشيعة مسلم ، واتخاذ القرارات لدعم الثورة ، ومناهضة خصومها.

    المخطّطات الرهيبة
    واتّخذ ابن مرجانة سلسلة من المخططات أدّت إلى نجاحه في الميادين السياسية ، والتغلّب على الاَحداث ، فبعد أن كانت الكوفة تحت قبضة مسلم انقلبت رأساً على عقب ، وصارت مع ابن زياد ، ومن بين تلك المخططات التي تمّ تنفيذها ما يلي:

    التجسّس على مسلم
    وأول بادرة سلكها ابن مرجانة هي التجسس على مسلم ، ومعرفة نشاطاته السياسية ، والاحاطة بنقاط الضعف والقوة عنده والوقوف على جميع ما يجري عنده من الاَحداث ، وقد اختار للقيام بهذه المهمة مولاه معقلاً ، وكان فطناً ذكياً ذا معرفة بالسياسة الماكرة ، وأعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وأمره بالاتصال بأعضاء الثورة ، وإعلامهم بأنه من الموالي الذين عرف أكثرهم بالولاء لاَهل البيت عليهم السلام ، وانه قد جاء إلى مصرهم حينما بلغه أن داعية الاِمام الحسين ( عليه السلام ) قدم إليهم ليأخذ البيعة منهم له ، وان عنده مالاً ليوصله له ليستعين به على حرب عدوّه .
    ومضى معقل في مهمته ، وجعل يفتّش عمن له معرفة بسفير الحسين فأرشد إلى مسلم بن عوسجة وهو من أعلام الشيعة ، وأحد القادة الطليعيين في الثورة ، فاتصل به ، وأظهر له الولاء المزيّف لاَهل البيت ، والتعطّش الكاذب لرؤية سفيرهم مسلم ، فانخدع ابن عوسجة بكلامه ، وغرّه تلهّفه المصطنع لرؤية داعية الحسين ، فأدخله على مسلم فبايعه ، وأخذ المال منه ، وجعل يتردّد عليه في كل يوم فكان ـ فيما يقول المؤرّخون أوّل داخل عليه ، وآخر خارج عنه ، وقد وقف على جميع شؤون الثورة ، وعرف أعضاءها ، والمتحمّسين لها وما يستجدّ فيها من شؤون ، وكان ينقل ذلك حرفياً إلى سيّده ابن مرجانة وبذلك فقد أحاط بجميع مجريات الاَحداث ، ولم يخف عليه أي شيء منها.

    اعتقال هانئ
    وقدم ابن زياد على أخطر عملية كُتب له فيها النجاح لتنفيذ مخططاته ، فقد قام باعتقال هانىَ بن عروة سيد الكوفة ، والزعيم الاَوحد لقبائل مذحج التي كانت تشكّل الاَكثرية الساحقة من سكّان الكوفة ، وقد أشاع بذلك موجة من الخوف والاِرهاب عند جميع الكوفيين ، كما وجّه ضربة قاسية ومدمّرة للثورة فقد استولى الرعب والفزع على انصار مسلم ، ومنوا بهزيمة نفسية ساحقة وعلى أي حال فان هانىَ حينما مثل أمام الطاغية استقبله بشراسة وعنف وطلب منه بالفور تسليم ضيفه الكبير مسلم ، فأنكر هانئ أن يكون عنده لاَنّه أحاط أمره بكثير من السرية والكتمان ، فأمر ابن زياد بإحضار الجاسوس معقل ، فلما حضر سقط ما في يد هانىَ وأطرق برأسه إلى الاَرض. ولكن سرعان ما سيطرت شجاعته على الموقف ، فانتفض كالاَسد ساخراً من ابن زياد ومتمرداً على سلطته ، فامتنع كأشدّ ما يكون الامتناع من تسليم ضيفه إليه لاَنّه بذلك يسجّل عاراً وخزياً عليه ، فثار الطاغية في وجهه ، وثم أمر غلامه مهران أن يدنيه منه ، فأدناه ، فاستعرض وجهه المكرم بالقضيب ، وضربه ضرباً عنيفاً حتى كسر أنفه ، ونثر لحم خدّيه وجنبيه على لحيته حتى تحطّم القضيب ، وسالت الدماء على ثيابه ، ثم أمر باعتقاله في أحد بيوت القصر.

    انتفاضة مذحج
    ولمّا شاع اعتقال هانىَ اندفعت قبائل مذحج نحو قصر الامارة ، وقد قاد جموعها الانتهازي القذر عمرو بن الحجاج ، وهو من أذناب السلطة ومن أحقر عملائها ، وقد رفع عقيرته ليسمعه ابن زياد قائلاً:
    « أنا عمرو بن الحجاج ، وهذه فرسان مذحج ، ووجوهها لم نخلع طاعة ، ولم نفارق جماعة.. ».
    وحفل كلامه بالخنوع والمسالمة للسلطة ، وليس فيه أي اندفاع لاِنقاذ هانئ ، وانّما فيه التأييد والدعم لابن زياد ، ولذا لم يكترث به ، وأوعز إلى شريح القاضي ، وهو من وعاظ السلاطين ، ومن دعائم الحكم الاَموي فأمره أن يدخل على هانئ ، ويخرج لهم ، ويخبرهم بأنّه حيّ سالم وانّه يأمرهم بالانصراف إلى منازلهم ، ودخل على هانئ فلما بصر به صاح مستجيراً:
    « ياللمسلمين أهلكت عشيرتي!! أين أهل الدين ، أين أهل المصر ، أيخلوني وعدوهم.. ».
    والتفت إلى شريح ، وقد سمع أصوات أسرته قائلاً:
    « يا شريح انّي لاَظنّها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين ، انّه إن دخل عليَّ عشرة نفر أنقذوني.. ».
    وخرج شريح الذي باع آخرته وضميره على ابن مرجانة ، فقال لمذحج:
    « نظرت إلى صاحبكم ، انّه حي لم يقتل.. ».
    وبادر ابن الحجاج عميل الاَمويين وخادمهم فرفع صوته لتسمعه مذحج قائلاً:
    « إذا لم يقتل فالحمد لله.. ».
    وولّت قبائل مذحج منهزمة كأنّما أتيح لها الخلاص من سجن ، وقد صحبت معها الخيانة والخزي ، ومن المؤكّد أن هزيمة مذحج بهذه السرعة كانت نتيجة اتفاق سرّي بين زعمائها وبين ابن مرجانة للقضاء على هانىَ ،
    ولولا ذلك لهجمت على السجن وأخرجته.
    لقد تنكّرت مذحج لزعيمها الكبير الذي كان محسناً عليها فلم تف بحقوقه ، وتركته أسيراً بيد الاِرهابي ابن مرجانة ، وهو يمعن في إذلاله وقهره ، في حين أن مذحج كانت لهم السيادة على الكوفة.

    ثورة مسلم
    ولما علم مسلم ما جرى على هانىَ العضو البارز في الثورة من الاعتداء والاعتقال ، بادر إلى اعلان الثورة على ابن زياد ، فأوعز إلى أحد قاده جيشه عبدالله بن حازم أن ينادي في أصحابه ، وقد ملاَ بهم الدور ، فاجتمع إليه زهاء أربعة آلاف مقاتل أو أربعون ألفاً ، كما في رواية أخرى ، وتعالت أصواتهم بشعار المسلمين يوم بدر « يا منصور أمت.. ».
    وقام مسلم بتنظيم جيشه فاسند القيادات العامة إلى من عرفوا بالولاء والاِخلاص لاَهل البيت عليهم السلام ، وزحف بجيشه نحو قصر الاِمارة ، وكان ابن زياد قد خرج إلى الجامع ، وقد ألقى خطاباً على الجماهير تهدّد فيه على كل من يخلع يد الطاعة ، ويناهض الدولة ، وحينما أنهى خطابه سمع الضجّة وأصوات الثوّار وهتافاتهم بسقوطه فهاله ذلك ، وسأل عن السبب فأخبر أن مسلم بن عقيل قد أقبل في جمهور من شيعته لحربه ، ففزع الجبان ، واختطف الرعب لونه ، وأسرع نحو القصر يلهث كالكلب من شدّة الفزع والخوف وضاقت عليه الدنيا إذ لم تكن عنده قوة عسكرية تحميه سوى ثلاثين شرطياً وعشرين رجلاً من أشراف الكوفة الذين عرفوا بالعمالة للاَمويين.
    وتضاعف جيش مسلم ، وقد نشروا الاعلام والسيوف ، ودقّت طبول الحرب ، وأيقن الطاغية بالهلاك إذ لم يكن يأوي إلى ركن شديد.

    حرب الأعصاب
    وأمعن الطاغية في أقرب الوسائل ، وأكثرها ضماناً لاِنقاذه فرأى أن لا طريق له سوى حرب الاَعصاب ، ونشر الدعايات الكاذبة ، وكان عالماً بتأثيرها على نفوس الكوفيين ، فأوعز إلى عملائه من أشراف الكوفة ووجوهها أن يندسّوا بين صفوف جيش مسلم ، فيذيعون الاِرهاب ، وينشرون الخوف ، وانطلق العملاء بين قطعات جيش مسلم ، فأخذوا يبثّون الاَراجيف والكذب ، وتناولت دعاياتهم ما يلي:
    أ ـ تهديد أصحاب مسلم بجيوش أهل الشام ، وانّها سوف تنكل بهم إن بقوا مصرّين على متابعة مسلم.
    ب ـ ان الحكومة سوف تقطع مرتباتهم وتحرمهم من جميع مواردهم الاقتصادية.
    ج ـ إن الدولة ستزجّ بهم في مغازي أهل الشام.
    د ـ إن الحكومة ستعلن فيهم الاَحكام العرفية ، وتسوسهم بسياسة زياد بن أبيه التي تحمل اشارات الموت والدمار.
    وكانت هذه الاشاعات كالقنابل على رؤوسهم ، فقد انهارت أعصابهم واضطربت قلوبهم ، وجبنوا كأبشع ما يكون الجبن ، وولّوا منهزمين على أعقابهم ، وهم يقولون:
    « ما لنا والدخول بين السلاطين.. ».
    ولم يمض قليل من الوقت حتى فرّ معظمهم ، وبقي ابن عقيل مع جماعة قليلة وقصد بهم نحو الجامع الاَعظم ليؤدّي صلاة العشائين ، ففرّوا
    منهزمين في أثناء الصلاة ، فقد قذف في قلوبهم الرعب ، وسرت فيهم أوبئة الخوف ، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتى انهزموا جميعاً ولم يبق معه إنسان يدلّه على الطريق أو يأويه ، وقد لبس الكوفيون بذلك ثياب العار والخزي ، وأثبتوا أن ولاءهم لاَهل البيت عليهم السلام كان عاطفياً ، وغير مستقرّ في دخائل قلوبهم ، وأعماق نفوسهم وأنّهم لا ذمّة ولا وفاء لهم.
    وسار مسلم فخر بني هاشم متلدّداً في أزقّة الكوفة ، وشوارعها يلتمس فيها داراً لينفق فيه بقية الليل ، فلم يظفر بذلك ، فقد خلت المدينة من المارة ، كأنّما أعلن فيها منع التجول ، فقد أغلق الكوفيون عليهم الاَبواب مخافة أن تعرفهم مباحث الاَمن ، وعيون ابن زياد بأنّهم كانوا مع ابن عقيل فتلقي عليهم القبض ، وتعرّضهم للتنكيَل وسوء العذاب.

    في ضيافة طوعة
    وبقي ابن عقيل حائراً لا يدري إلى ابن مأواه وملجئه ، فقد أحاطت به تيّارات من الهموم ، وكاد قلبه أن ينفجر من شدّة الاَلم العاصف واستبان له انّه ليس في المصر رجل شريف يقوم بضيافته وحمايته ، ومضى متلدّداً في أزقّة الكوفة ، وانهى به السير إلى سيّدة كريمة ، يقال لها طوعة هي سيّدة من في المصر بما تملكه من إنسانية وشرف ونبل ، وكانت واقفة على باب دارها تنتظر قدوم ابنها ، وهي فزعة عليه ، من الاَحداث الرهيبة التي مُني بها المصر ، ولما رآها مسلم بادر نحوها فسلّم عليها ، فردّت عليه السلام ، ووقف مسلم ، فأسرعت قائلة:
    « ما حاجتك؟.. ».
    « اسقيني ماءاً.. ».
    وبادرت السيدة فجاءته بالماء فشرب منه ، ثم جلس فارتابت منه فقالت له:
    « ألم تشرب الماء؟.. ».
    « بلى.. ».
    « اذهب إلى أهلك ان مجلسك مجلس ريبة.. ».
    وسكت مسلم فأعادت عليه القول ، وطلبت منه الانصراف من باب دارها ومسلم ساكت ، فذعرت منه ، وصاحت به:
    « سبحان الله!! إنّي لا أحلّ لك الجلوس على بابي.. ».
    ولمّا حرّمت عليه الجلوس نهض ، وقال لها بصوت خافت حزين النبرات:
    « ليس لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك إلي أجر ومعروف أن تقومي بضيافتي في هذه الليلة ، ولعلّي أكافئك بعد هذا اليوم.. ».
    وشعرت المرأة بأن الرجل غريب ، وانّه ذو شأن كبير ، ومكانه عظمى ، وانّه سيقوم بمكافئتها إن أسدت عليه إحساناً ومعروفاً فبادرته قائلة:
    « ما ذاك يا عبدالله؟!! »
    فقال لها وعيناه تفيضان دموعاً:
    « أنا مسلم بن عقيل كذّبني القوم وغرّوني.. ».
    فذهلت السيّدة ، وقالت في دهشة وإكبار:
    « انت مسلم بن عقيل؟. ».
    « نعم.. ».
    وسمحت السيّدة بخضوع وإكبار لضيفها الكبير بتشريف منزلها وقد حازت المجد والشرف بذلك ، فقد آوت سليل هاشم وسفير ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتحمّلت المسؤولية من السلطة بضيافتها له.
    وأدخلت السيّدة ضيفها العظيم في بيت غير البيت الذي كانت تأوي إليه ، وجاءته بالضياء والطعام ، فأبى أن يأكل ، فقد مزّق الاَسى قلبه الشريف ، وأيقن بالرزء القاصم ، وتمثّلت أمامه الاَحداث التي سيواجهها ، وقد شغل فكره الاِمام الحسين ( عليه السلام ) الذي كتب إليه بالقدوم إلى الكوفة وانّه سيلاقي ما لاقاه.
    ولم يمض قليل من الوقت حتى قدم بلال ابن السيدة طوعة ، فرأى أمّه تكثر من الدخول والخروج إلى البيت الذي فيه مسلم لتقوم بخدماته ورعايته ، فأنكر عليها ذلك ، وسألها عن السبب فأبت أن تخبره ، فألحّ عليها ، فأخبرته بالاَمر بعد أن أخذت عليه الاَيمان والمواثيق بالكتمان ، وطارت نفس الخبيث فرحاً وسروراً ، وأنفق ليله ساهراً يترقّب بفارغ الصبر انبثاق نور الفجر ليخبر السلطة بمقام مسلم عندهم ليتزلّف بذلك إليها ، وينال الجائزة منها ، وقد تنكّر هذا الوغد لجميع الاَعراف ، والاَخلاق العربية التي تلزم بقرى الضيف ، وحمايته من كل مكروه ، وكانت هذه الظاهره سائدة حتى في العصر الجاهلي ، وقد دلّ ما فعله هذا الجلف على انهيار القيم الاَخلاقية والانسانية ليس عنده فحسب ، وانّما في أغلبية ذلك المجتمع الذي فقد جميع ما يسمو به الاِنسان من القيم الكريمة.
    وعلى أيّ حال فقد قضى سليل هاشم ليله حزيناً قلقاً مضطرباً ، وقد خلص في معظم الليل إلى العبادة ما بين الصلاة وقراءة القرآن ، فقد أيقن أن تلك الليلة هي آخر آيّام حياته ، وقد خفق في بعض الليل فرأى عمّه الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في منامه فأخبره بسرعة اللحاق به ، فعند ذلك أيقن بدنوّ الاَجل المحتوم منه.

    الاِفشاء بمسلم
    ولمّا انبثق نور الصبح بادر بلال إلى قصر الاِمارة ليخبر السلطة بمكان مسلم عنده ، وكان الخبيث بحالة من الدهشة تلفت النظر ، فقصد عبدالرحمن بن محمد بن الاَشعث وهو من الاَسرة الانتهازية الخبيثة التي طلقت الشرف والمعروف ثلاثاً ، فأسره بالاَمر ، فأمره بالسكوت لئلا يسمعه غيره فيخبر ابن زياد فينال منه الجائزة ، وأسرع عبدالرحمن إلى أبيه محمد فأخبره بالاَمر الخطير ، وبدت سحنات الفرح والسرور على وجهه ، وفطن ابن مرجانة إلى أن هناك أمراً عظيماً يخصّ السلطة فبادر قائلاً:
    « ما قال لك: عبد الرحمن؟.. ».
    فقال وقد ملاَ الفرح اهابه:
    « أصلح الله الاَمير البشارة العظمى... ».
    « ماذاك؟ مثلك من بشّر بخير... ».
    « إن إبني هذا يخبرني أن مسلماً في دار طوعة... ».
    وطار ابن زياد من الفرح والسرور فقد تمّت بوارق آماله وأحلامه ، فقد ظفر بسليل هاشم ليقدّمه قرباناً لاَمويته اللصيقة ، وأخذ يمني ابن الاَشعث بالمال والجاه المزيّف ، قائلاً له:
    « قم فأتني به ، ولك ما أردت من الجائزة والحظّ الاَوفى... ».
    وسال لعاب ابن الاَشعث فاندفع وراء أطماعه الدنيئة لاِلقاء القبض على مسلم.

    الهجوم على مسلم
    وندب ابن مرجانة لحرب مسلم ، محمد بن الاَشعث ، وعمرو بن حريث المخزومي وضمّ إليهما ثلثمائة رجل من فرسان الكوفة ، وأقبلت تلك الوحوش الكاسرة التي لا عهد لها بالشرف والمروءة إلى حرب مسلم الذي أراد أن يحررهم من الذلّ والعبودية ، وينقذهم من ظلم الاَمويين وجورهم.
    ولما قربت الجيوش من دار طوعة علم مسلم أنها قد أتت لحربه ، فسارع إلى فرسه فأسرجه وألجمه ، وصبّ عليه درعه ، وتقلّد سيفه ، والتفت إلى السيّدة الكريمة طوعة فشكرها على حسن ضيافتها ، وأخبرها أنه انّما أُوتي إليه من قبل ابنها الباغي اللئيم.
    واقتحم الجيش الدار على مسلم فشدّ عليهم كالليث يضربهم بسيفه ففرّوا منهزمين من بين يديه يطاردهم الرعب والخوف ، وبعد فترة عادوا إليه فحمل عليهم ، وأخرجهم من الدار ، وانطلق نحوهم فجعل يحصد رؤوسهم بسيفه ، وقد أبدى من البطولات النادرة ما لم يشاهد مثله في جميع فترات التأريخ ، فقد قتل منهم ـ فيما يقول بعض المؤرّخين ـ واحداً وأربعين ، عدا الجرحى ، وكان من قوته النادرة ، وعظيم بأسه أن يأخذ الرجل منهم بيده ، ويرمي به فوق البيت كأنّه حجر ، ومن المؤكّد أنّه ليس في تأريخ الاِنسانية مثل هذه البطولة ، ولا مثل هذه القوة ، وليس ذلك غريباً عليه ، فعمّه الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أشجع الناس ، وأقواهم بأساً وأشدّهم عزيمة.
    وجعل أنذال أهل الكوفة يرمون مسلماً بالحجارة وقذائف النار من فوق سطوح بيوتهم ، ومما لا ريب فيه أن الحرب لو كانت في البيداء لاَتى عليهم مسلم ، ولكنها كانت في الاَزقة والشوارع ، ومع ذلك فقد فشلت جيوش أنذال أهل الكوفة ، وعجزت عن مقاومة البطل العظيم ، فقد أشاع فيه القتل والدمار ، وأسرع ابن الاَشعث بالطلب إلى سيّده ابن مرجانة ليمدّه بالخيل والرجال ، لاَنّه لا يقوى على مقاومة هذا البطل العظيم ، وبهر الطاغية ، وأخذ يندد بقيادة ابن الاَشعث قائلاً:
    « سبحان الله!! بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به فثلم في أصحابك هذه الثلمة العظيمة... ».
    وثقل على ابن الاَشعث هذا التقريع ، فراح يشيد ببطولات ابن عقيل قائلاً:
    « أتظنّ أنّك أرسلتني إلى بقّال من بقّالي الكوفة ، أو جرمقاني من جرامقة الحيرة وانّما بعثتني إلى أسد ضرغام ، وسيف حسام في كفّ بطل همام من آل خير الاَنام ». وأمدّه ابن زياد بقوة مكثفة من الجيش ، فجعل بطل الاِسلام وفخر عدنان يقاتلهم أشدّ القتال وأعنفه وهو يرتجز:
    أقسـمت لا أقتل إلاّ حرّا وإن رأيت الموت شيئاً نكرا
    أو يخلط البارد سخناً مرّا ردّ شعاع الشمس فاستـقرا
    كلّ امرىَ يوماً يلاقي شرّاً أخاف أن أكذب أو أغـرا
    أما أنت يا بن عقيل فكنت سيّد الاَباة والاَحرار فقد رفعت لواء العزّة والكرامة ، ورفعت شعار الحرية ، وأما خصومك فهم العبيد الذي رضوا بالذلّ والهوان ، وخضعوا للعبودية والذل ، لقد أردت أن تحررهم ، وتعيد لهم الحياة الحرّة الكريمة ، فأبوا ذلك ، وعدوا عليك يقاتلونك ، وقد فقدوا بذلك إنسانيتهم ، ومقومات حياتهم.
    ولمّا سمع ابن الاَشعث رجز مسلم الذي أقسم فيه على أن يموت ميتة الاَحرار والاَشراف انبرى إليه ليخدعه قائلاً:
    « إنّك لا تكذب ، ولا تخدع ، إن القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك ، ولا ضاريّك.. ».
    فلم يحفل مسلم بأكاذيب ابن الاَشعث ، وراح يقاتلهم أعنف القتال وأشدّه ، ففرّوا منهزمين من بين يديه ، وهو يحصد رؤوسهم ، وجعلوا يرمونه بالحجارة ، فأنكر عليهم مسلم ذلك وصاح بهم:
    « ويلكم ما لكم ترمونني بالحجارة ، كما تُرمى الكفار ، وأنا من أهل بيت الاَبرار ، ويلكم أما ترعون حقّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذريته.. ».
    إنّ هؤلاء الاَجلاف قد فقدوا جميع القيم والاَعراف ، فلم يرعوا أيّة حرمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي حرّرهم من حياة التيه في الصحراء وأقام لهم حضارة لم تعهدها الاَمم والشعوب ، فكان جزاؤه منهم أن عدوا على أبنائه وذريته فأوسعوهم قتلاً وتنكيلاً.
    وعلى أي حال فان جيوش ابن زياد لم تستطع مقاومة البطل العظيم وبان عليهم الانكسار ، وضاق بابن الاَشعث أمره ، فدنا من مسلم ورفع عقيرته قائلاً:
    « يا بن عقيل لا تقتل نفسك ، أنت آمن ، ودمك في عنقي.. ».
    ولم يعن مسلم بأمان ابن الاَشعث لعلمه أنّه من أسرة خبيثة لا تعرف أي معنى من معاني النبل والوفاء ، فردّ عليه قائلاً:
    « يا بن الاَشعث لا أعطي بيدي أبداً ، وأنا أقدر على القتال ، والله لا كان ذلك أبداً.. ».
    وحمل عليه مسلم ففرّ الجبان منهزماً يلهث كالكلب ، وأخذ العطش القاسي من مسلم مأخذاً عظيماً ، فجعل يقول:
    « اللهمّ إن العطش قد بلغ منّي.. ».
    وتكاثرت الجنود على مسلم ، وقد استولى عليهم الرعب والخوف ، وصاح بهم ابن الاَشعث:
    « إن هذا هو العار والفشل ان تجزعوا من رجل واحد هذا الجزع ، احملوا عليه بأجمعكم حملة واحدة... ».
    فحمل الاَوغاد اللئام على مسلم ، وجعلوا يطعنونه برماحهم ، ويضربونه بسيوفهم ، وقد ضربه الوغد بكير بن حمران الاَحمري ضربة منكرة على شفته العليا ، وأسرع السيف إلى السفلى ، وضربه مسلم ضربة أردته إلى الاَرض.

    أسره
    وأعيى مسلماً نزيف الدم ، وقد أثخن بالجراح ، فانهارت قواه ، ولم يتمكّن على المقاومة ، فوقع أسيراً بأيدي أُولئك الاَقزام ، وتسابقوا إلى ابن مرجانة يحملون له البشرى بأسرهم للقائد العظيم الذي جاء ليقيم في بلادهم حكم القرآن ، ويحررهم من جور الاَمويين وظلمهم ، وطار ابن مرجانة فرحاً ، فقد ظفر بخصمه ، وتمّ له القضاء على الثورة وحمل مسلم أسيراً إلى عبد الاَمويين وعميلهم ، وقد ازدحمت الجماهير التي بايعته ، وأعطته العهود والمواثيق في الوفاء ببيعته إلاّ أنهم خانوا بذلك ، وراحوا يقاتلونه.
    وانتهى بمسلم إلى قصر الامارة ، وقد أخذ العطش منه مأخذاً عظيماً فرأى جرّة فيها ماء بارد ، فالتفت إلى من حوله فقال لهم:
    « اسقوني من هذا الماء.. ».
    فانبرى له اللئيم الدنس عميل الاَمويين مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال له:
    « أتراها ما أبردها ، والله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنّم.. ».
    ودلّت هذه البادرة وغيرها مما صدر من هؤلاء الممسوخين على تجرّدهم من جميع القيم الاِنسانية ، ومن المؤكّد أن هذا هو السمت البارز من أخلاق السفلة الساقطين من قتلة الاَنبياء والمصلحين ، وبهر مسلم من هذا الانسان الممسوخ فقال له:
    « من أنت ، .. ».
    فأجابه الباهلي بأنّه من خدّام السلطة وأذنابها قائلاً:
    « أنا من عرف الحق ، إذ تركته ، ونصح الاَمة والامام إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته أنا مسلم بن عمرو الباهلي.. ».
    أيّ حقّ عرفه هذا الجلف الجافي ، وهو والاَكثرية الساحقة من المجتمع الذي عاش فيه ، قد غرقوا في الباطل والمنكر... ان غاية ما يفخر به الوغد تماديه في خدمة ابن مرجانة الذي هو أقذر مخلوق عرفه التأريخ البشري ، وردّ عليه مسلم بمنطقه الفيّاض قائلاً:
    « لامك الثكل ، ما أجفاك وأفظّك ، وأقسى قلبك ، أنت يا بن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جنهّم منّي.. ».
    وكان عمارة بن عقبة حاضراً فاستحيا من جفوة الباهلي ولؤمه فدعا بماء بارد فصبّه في قدح ، وناوله إلى مسلم ، وكلما أراد أن يشرب امتلاَ القدح دماً وفعل ذلك ثلاثاً ، فقال: لو كان لي الرزق المقسوم لشربته.

    مع ابن مرجانة
    وادخل قمر عدنان على ابن مرجانة ، فسلّم على الحاضرين ، ولم يسلّم عليه ، فأنكر عليه بعض صعاليك الكوفة قائلاً:
    « هل تسلّم على الاَمير؟.. ».
    فصاح به البطل العظيم محتقراً له ولاَميره قائلاً:
    « اسكت لا أمّ لك ، والله ليس لي بأمير فأسلّم عليه.. »
    وتميّز الطاغية غيظاً فراح يقول:
    « لا عليك سلّمت أم لم تسلّم فانّك مقتول.. ».
    إنّ بضاعة هذا الطاغية هي القتل والدمار ، وهي محالاً تخيف الاَحرار أمثال مسلم ممن صنعوا تأريخ هذه الاَمة ، وأقاموا كيانها الحضاري والفكري وجرت بين مسلم ، وبين ابن مرجانة كثير من المحاورات أثبت فيها مسلم صلابته وقوّة عزيمته ، وعدم انهياره أمام الطاغية ، وأثبت بشجاعته أنّه من أفذاذ التأريخ.

    إلى الرفيق الاَعلى
    والتفت العتُلّ الزنيم ابن مرجانة إلى بكير بن حمران الذي ضربه مسلم فقال له: خذ مسلماً ، واصعد به إلى أعلى القصر ، واضرب عنقه بيدك ليكون ذلك أشفى لصدرك ، واستقبل مسلم الموت بثغر باسم ، فقد بقي رابط الجأش ، قويّ العزيمة ، مطمئنّ النفس ، فصعد به إلى أعلى القصر ، وهو يسبّح الله ، ويقدّسه ، ويدعو على السفكة المجرمين وأشرف به الجلاّد على موضع الحذائين فضرب عنقه ، ورمى بجسده ورأسه إلى الاَرض ،
    وهكذا انتهت حياة هذا البطل العظيم الذي استشهد دفاعاً عن حقوق المظلومين ، والمضطهدين ، ودفاعاً عن كرامة الاِنسان ، وقضاياه المصيرية ، وهو أوّل شهيد من الاَسره النبوية يقتل علناً أمام المسلمين ، ولم يهبوا لاِنقاذه والدفاع عنه.

    إعدام هانئ
    وأمر سليل الغدر والخيانة بعد قتل مسلم ، بإعدام الزعيم الكبير ، والعضو البارز في الثورة هانىَ بن عروة ، فأخرج من السجن ، وهو يصيح أمام أسرته التي هي كالحشرات قائلاً:
    « وامذحجاه.. ».
    « واعشيرتاه.. ».
    ولو كان عند أسرته صبابة من الغيرة والحمية لهبّت لاِنقاذ زعيمها العظيم الذي كان لها كالاَب ، والذي قدّم لها جميع الخدمات ، ولكنها كبقيّة قبائل الكوفة قد طلّقت المعروف ثلاثاً ، ولا عهد لها بالشرف والكرامة.
    وجيء بهانيء إلى ساحة يباع فيها الاَغنام ، فنفّذ الجلاّدون فيه حكم الاِعدام ، فهوى إلى الاَرض يتخبّط بدم الشهادة.. لقد استشهد هانىَ دون مبادئه وعقيدته ، وقد انطوت بشهادته أروع صفحة من صفحات البطولة والجهاد في الاِسلام.

    السحل في الشوارع
    وقام عملاء ابن زياد وعبيدة من الانتهازيين والغوغاء فسحلوا جثّة مسلم وهانىَ في الشوارع والاَزقّة ، وذلك لاِخافة العامة وشيوع الاِرهاب بين الناس ، والاستهانة بشيعة مسلم وأنصاره ، وقد انتهت بذلك الثورة العملاقة التي كانت تهدف إلى إشاعة العدل والاَمن والرخاء بين الناس ، وقد خلد الكوفيون بعد فشل الثورة إلى الذلّ والعبودية وأمعن الطاغية في ظلمهم فأعلن الاَحكام العرفية في بلادهم ، وأخذ يقتل على الظنّة والتهمة ، ويأخذ البريء بالمذنب ، كما فعل أبوه زياد من قبل ، وقد ساقهم كالاَغنام لاَفظع جريمة عرفها التأريخ البشري وهي حربهم لحفيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) الاِمام الحسين ( عليه السلام ).

    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام الى ارض الشهادة

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:27 pm


    إلى أرض الشهادة
    وغادر الاِمام الحسين ( عليه السلام ) مكّة ، ولم يمكث فيها ، فقد علم أن الطاغية يزيد قد دسّ عصابة من الاِرهابيين لاغتياله ، وان كان متعلّقاً بأستار الكعبة ، فخاف أن يراق دمه في البيت الحرام ، وفي الشهر الحرام ، وبالاِضافة إلى ذلك فان سفيره مسلم بن عقيل قد كتب إليه يحثّه على القدوم إلى الكوفة ، وان أهلها يترقّبون قدومه ، ويفدونه بأرواحهم ودمائهم ، ويقدمون له الدعم الكامل لتشكيل حكومة علوية في بلادهم.
    وسار الاِمام مع عائلته تحفّ بها الكوكبة المشرقة من شباب أهل البيت عليهم السلام الذين يمثّلون القوة والعزم والاِباء ، وعلى رأسهم سيّدنا أبوالفضل ( عليه السلام ) فكانت رايته ترفرف على رأس أخيه أبي الاَحرار من مكّة المكرّمة إلى أرض الشهادة والفداء كربلاء ، وكان يراقب بدقّة حركة القافلة وسيرها خوفاً على عيال أخيه وأطفاله من أن يصيبهم عناء أو أذى من وعورة الطريق ، وقد تكفّل جميع شؤونهم وما يحتاجون إليه ، وقد وجدوا في رعايته وحنانه من البرّ ما يفوق حدّ الوصف.
    وواصل الاِمام سيرته الخالدة ، وقد طافت به هواجس مريرة ، فقد أيقن أنّه سيلاقي مصرعه ، ومصارع أهل بيته على أيدي هؤلاء الذين كاتبوه بالقدوم إلى مصرهم ، وقد تشرّف بمقابلته في الطريق الشاعر الكبير الفرزدق همام بن غالب ، فسلّم عليه وحيّاه ، وقال له:
    « بأبي أنت وأمّي يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما أعجلك عن الحجّ ؟ ».
    فأحاطه الاِمام علماً بما عزمت عليه السلطة من اغتياله قائلاً:
    « لو لم أعجل لاَخذت.. ».
    وسارع الاِمام قائلاً:
    « من أين أقبلت؟.. »
    « من الكوفة.. ».
    « بيّن لي خبر الناس.. »
    كشف الفرزدق للاِمام بوعي وصدق الحالة الراهنة في الكوفة ، وانّها لا تبشّر بخير ، ولا تدعو إلى التفاؤل قائلاً:
    « على الخبير سقطت ، قلوب الناس معك ، وسيوفهم مع بني أميّة ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء ... وربّنا كل يوم هو في شأن.. ».
    واستصوب الاِمام حديث الفرزدق ، وأخبره عن عزمه الجبّار وإرادته الصلبة ، وانه ماضٍ قدماً في جهاده ، وذبّه عن حرمة الاِسلام ، فان نال ما يرومه فذاك ، وإلاّ فالشهادة في سبيل الله قائلاً له:
    « صدقت لله الاَمر من قبل ، ومن بعد ، يفعل الله ما يشاء ، وكل يوم ربّنا في شأن ، ان نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر وان حال القضاء دون الرجاء فلم يتعدّ من كان الحقّ نيّته ، والتقوى سريرته » وأنشأ الاِمام هذه الاَبيات:
    لئن كانـت الدنيـا تعـدّ نفيسـة فـدار ثواب الله أعلـى وأنبــل
    وان كانـت الاَبدان للموت أنشئت فقتل امرىء بالسيف في الله أفضل
    وان كانـت الاَرزاق شيئـاً مقدراً فقلة سعي المرء في الرزق أجمـل
    وان كانـت الاَموال للترك جمعها فما بال متـروك به المرء يبخـل
    ودلّ هذا الشعر على زهده في الدنيا ، ورغبته الملحّة في لقاء الله تعالى ، وانّه مصمّم كأشدّ ما يكون التصميم على الجهاد ، والشهادة في سبيل الله.
    إنّ التقاء الاِمام مع الفرزدق كشف عن خنوع الناس ، وعدم اندفاعهم لنصرة الحق فالفرزدق الذي كان يملك وعياً اجتماعياً ، ووعياً ثقافياً متميزاً رأى ريحانه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو ماضٍ في طريقه إلى الشهادة قد تضافرت قوى الباطل على حربه فلم يندفع إلى نصرته ، والالتحاق بموكبه ، واختار الحياة على الشهادة ، فاذا كان هذا حال الفرزدق فكيف بغيره من جهّال الناس وسوادهم.

    وصول النبأ بمقتل مسلم
    وسارت قافلة أبي الاَحرار تطوي البيداء لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى (زرود) وإذا برجل قد أقبل من جهة الكوفة ، فلمّا رأى الامام الحسين ( عليه السلام ) عدل عن الطريق وقد وقف الامام يريد مسألته فلمّا رآه قد مال عنه واصل سيره ، وكان مع الاِمام عبدالله بن سليمان ، والمنذر بن المشمعل الاَسديان فسارعا نحو الرجل حينما عرفا رغبة الاِمام في سؤاله ، فأدركاه ، وسألاه عن خبر الكوفة فقال لهما: إنّه لم يخرج حتى قتل مسلم بن عقيل وهانىَ بن عروة ، ورآهما يجرّان بأرجلهما في الاَسواق ، فودّعاه وأقبلا مسرعين حتى التحقا بالاِمام ، فلما نزل الثعلبية قالا له:
    « رحمك الله ان عندنا اخباراً ان شئت حدّثناك به علانية ، وان شئت سرّاً ».
    ونظر الاِمام إلى أصحابه الممجّدين فقال:
    « ما دون هؤلاء سرّ ».
    « أرأيت الراكب الذي استقبلته عشاء أمس؟.. »
    « نعم وأردت مسألته... ».
    « والله استبرأنا لك خبره ، وهو أمرؤ منّا ذو رأي ، وصدق ، وعقل ، وانه حدّثنا انّه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم ، وهانىَ ورآهما يجرّان في الاَسواق بأرجلهما.. ».
    وتصدّعت قلوب العلويين وشيعتهم من هذا النبأ المفجع ، وانفجروا بالبكاء واللوعة ، حتى ارتجّ الموضع بالبكاء ، وسالت الدموع كالسيل ، وشاركنهم السيّدات من أهل البيت بالبكاء ، وقد استبان لهم غدر أهل الكوفة ونكثهم لبيعة الاِمام ، وانّهم سيلاقون المصير الذي لا قاه مسلم ، والتفت إلى بني عقيل فقال لهم:
    « ما ترون فقد قتل مسلم؟.. ».
    ووثبت الفتية كالاَسود ، وهي تعلن استهانتها بالموت ، وسخريتها من الحياة ، مصمّمة على المنهج الذي سار عليه مسلم قائلين:
    « لا والله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق مسلم.. ».
    راح أبو الاَحرار يقول بمقالتهم:
    « لا خير في العيش بعد هؤلاء.. ».
    وقال متمثلاً:
    سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقاً وجاهد مـســلمـا
    فان مُتّ لم أندم وإن عشت لـــم ألم كفى بك عاراً أن تــذل وتـرغما
    لقد مضيت ـ يا أبا الاَحرار ـ قدماً إلى الموت ، بعزم وتصميم ، وأنت مرفوع الرأس ، ناصع الجبين في سبيل كرامتك ، ولم تخضع ، ولم تلن لاَولئك الاَقزام الذين غرقوا في الرذائل والموبقات.

    النبأ المفجع بشهادة عبدالله
    وسار موكب الاِمام لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى رونق الحرفالة ، فوافاه النبأ الفظيع بشهادة عبدالله بن يقطر الذي أوفده للقيا مسلم بن عقيل ، فقد ألقت الشرطة القبض عليه ، وبعثته مخفوراً إلى ابن مرجانة ، فلمّا مثل عنده صاح به الخبيث الدنس:
    «اصعد المنبر ، والعن الكذّاب ـ يعني الامام الحسين ـ ابن الكذّاب ، حتى أرى رأيي فيك..».
    وظنّ ابن مرجانة انّه على غرار شرطته ، ومن سنخ جلاّديه الذين باعوا ضمائرهم عليه ، وما درى أنّه من أفذاذ الاَحرار الذين تربّوا في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وسجّلوا الفخر والشرف لهذه الاَمة ، واعتلى البطل العظيم أعواد المنبر ، ورفع صوته صوت الحقّ الهادر قائلاً:
    « أيّها الناس أنا رسول الحسين بن فاطمة ، لتنصروه وتؤازروه على ابن مرجانة الدعيّ ابن الدعيّ.. ».
    واسترسل في خطابه الثوري ، وقد دعا فيه إلى نصرة ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والذبّ عنه ، ومناهضة الحكم الاَموي الذي عمد إلى إذلال الاِنسان المسلم ، وسلب حريته وإرادته ، وانتفخت أوداج ابن مرجانة وورم أنفه ، فأمر بإلقاء هذا العملاق من أعلى القصر ، فأخذته الشرطة ، ورمته من أعلى القصر فتكسّرت عظامه ، وبقي به رمق من الحياة ، فأسرع إليه الخبيث عبد الملك اللخمي فذبحه ليتقرّب إلى سيّده ابن مرجانة.
    ولمّا علم أبو الاَحرار بمصرع عبدالله شقّ عليه ذلك ، ويئس من الحياة ، وعلم أنّه يسير نحو الموت ، وأمر بجمع أصحابه ، والذين اتبعوه طلباً للعافية لا للحق ، ليعلمهم بما آل إليه أمره من تخاذل الناس عنه ، وانصرافهم إلى بني أميّة قائلاً:
    «أمّا بعد: فقد خذلنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام..».
    وتفرّق ذوو الاَطماع الذين اتبعوه من أجل الغنيمة ، والظفر ببعض مناصب الدولة وخلص إليه الصفوة الكريمة من أصحابه الممجدين الذي اتبعوه على بصيرة من أمرهم وليست عندهم أية أطماع.
    لقد صارح الاِمام أصحابه بالواقع في تلك المرحلة الحاسمة ، فأعلمهم أنّه ماضٍ إلى الشهادة لا إلى الملك والسلطان ، وان من يلتحق به سيفوز برضا الله ، ولو كان الامام من عشّاق السلطة لما أدلى بذلك ، وكتم الاَمر لاَنّه في أمسّ الحاجة إلى الناصر والمحامي عنه.
    لقد كان الاِمام ( عليه السلام ) ينصح أصحابه وأهل بيته بالتخلي عنه في كل موقف والسبب في ذلك أن يكونوا على بصيرة من أمرهم ، ولا يدّعي أحد منهم أنّه كان على غير علم بالاَمر.

    الالتقاء بالحرّ
    وسار موكب الاِمام يطوي البيداء حتى انتهى إلى « شراف » وفيها عين ماء فأمر الاِمام فتيانه بالاستقاء والاكثار منها ، ففعلوا ذلك ، وسارت القافلة ، فانبرى بعض أصحاب الاِمام بالتكبير ، فاستغرب الامام منه ، وقال له:
    « لمَ كبّرت؟... »
    « رأيت النخل... ».
    وأنكر عليه رجل من أصحاب الاِمام ممن عرف الطريق ، فقال له:
    « ليس ها هنا نخل ، ولكنها اسنّة الرماح ، وآذان الخيل »...
    وتأمّلها الاِمام ، فطفق يقول: وأنا أرى ذلك ـ أي أسنّة الرماح وآذان الخيل ـ وعرف الاِمام أنّها طلائع الجيش الاَموي جاءت لحربه فقال لاَصحابه:
    « أما لنا من ملجأ نلجأ إليه ، فنجعله وراء ظهورنا ، ونستقبل القوم من وجه واحد.. ».
    وكان بعض أصحابه عارفاً بسنن الطريق فقال له:
    « بلى هذا ذو حُسم إلى جنبك ، تميل إليه عن يسارك ، فان سبقت إليه فهو كما تريد.. ».
    ومال موكب الاِمام إليه ، فلم يبعد كثيراً حتى أدركه جيش مكثف بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي ، قد عهد إليه ابن مرجانة أن يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الاِمام ، وإلقاء القبض عليه ، وكان عدد ذلك الجيش فيما يقول المؤرّخون زهاء ألف فارس ، ووقفوا قبال الاِمام في وقت الظهر ، وقد أشرفوا على الهلاك من شدّة الظمأ ، فرقّ عليهم الاِمام ، فأمر أصحابه أن يسقوهم الماء ، ويرشفوا خيولهم ، وسارع أصحابه فسقوا الجيش المعادي لهم عن آخره ، ثم انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملاَون القصاص والطساس فإذا عبّ الفرس فيها ثلاثاً ، أو أربعاً ، أو خمساً ، عزلت ، وسقى الآخر حتى سقوها عن آخرها.
    لقد تكرّم الاِمام ( عليه السلام ) على أُولئك الوحوش الانذال الذين جاءوا لحربه فأنقذهم من الظمأ القاتل ، ولم تهزّهم هذه الاَريحية وهذا النبل ، فقابلوه بالعكس ، فمنعوا الماء عنه ، وعن أطفاله حتى تفتّت قلوبهم من الظمأ.

    خطاب الاِمام في الجيش
    وخطب الاِمام ( عليه السلام ) خطاباً بليغاً في قطعات ذلك الجيش ، فأوضح لهم أنّه لم يأتهم محارباً ، وانّما جاءهم محرراً ومنقذاً لهم من جور الاَمويين وظلمهم ، وقد توافدت عليه وفودهم وكتبهم تحثّه بالقدوم لمصرهم ليقيم دولة القرآن والاِسلام ، وهذه فقرات من خطابه الشريف:
    « أيّها الناس ، انّها معذرة إلى الله عزّ وجلّ ، وإليكم ، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت بها عليَّ رسلكم ان أقدم علينا فانّه ليس لنا إمام ، ولعل الله أن يجمعنا بك على الهدى ، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فاعطوني ما أطمئنّ به من عهودكم ومواثيقكم ، وان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم.. ».
    وأحجموا عن الجواب لاَن أكثرهم ممن كاتبوه وبايعوه على يد سفيره العظيم مسلم بن عقيل.
    وحضر وقت صلاة الظهر فأمر الاِمام مؤذّنه الحجاج بن مسروق أن يؤذّن ويقيم للصلاة ، وبعد فراغه منها التفت الامام إلى الحرّ فقال له:
    « أتريد أن تصلّي بأصحابك؟.. ».
    فقال الحرّ بأدب:
    « بلى نصلّي بصلاتك.. ».
    وائتمّ الجيش بريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبعد الفراغ من الصلاة انصرفوا إلى اخبيتهم ، ولما حضر وقت صلاة العصر جاء الحرّ مع قومه فاقتدوا بالامام في الصلاة وبعد الانتهاء منها خطب الاِمام الحسين ( عليه السلام ) خطاباً رائعاً ، فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه:
    « أيّها الناس: إنّكم إن تتّقوا الله ، وتعرفوا الحق لاَهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الاَمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فان أنتم كرهتمونا ، وجهلتم حقّنا ، وكان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم... ».
    لقد دعاهم إلى تقوى الله ، ومعرفة أهل الحقّ ، ودعاة العدل فان في ذلك رضاً لله ونجاة لاَنفسهم ، كما دعاهم إلى مناصرة أهل البيت عليهم السلام روّاد الشرف والفضيلة ، ودعاة العدل الاجتماعي في الاِسلام ، وهم أولى وأحقّ بولاية أمور المسلمين من بني أميّة الذين حكموا فيهم بغير ما أنزل الله ، وإذا لم يستجيبوا لذلك ، وتبدّلت نيّاتهم فانّه ينصرف عنهم إلى المكان الذي جاء منه.
    وانبرى إليه الحرّ ، وكان لا يعلم بشأن الكتب التي بعثتها جماهير أهل الكوفة إلى الاِمام فقال له:
    « ما هذه الكتب التي تذكرها؟.. ».
    فأمر الاِمام عقبة بن سمعان بإحضارها فأخرج خرجين مملوئين صحفاً فنشرها بين يدي الحرّ ، فبهر منها ، وجعل يتأمّل فيها ، وقال للاِمام:
    « لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك... ».
    ورام الاِمام أن ينصرف إلى المكان الذي جاء منه فمنعه الحرّ ، وقال له:
    « أن لا أفارقك إذا لقيتك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد.. ».
    ولذعت الامام هذه الكلمات القاسية ، فثار في وجه الحرّ ، وصاح به « الموت أدنى إليك من ذلك.. ».
    وأمر الاِمام أصحابه بالركوب فلمّا استووا على رواحلهم أمرهم بالتوجه إلى يثرب فحال الحرّ بينهم وبين ذلك ، فصاح به الحسين:
    « ثكلتك أمّك ما تريد منّا؟.. ».
    واطرق الحرّ برأسه إلى الاَرض ، وتأمّل ، ثم رفع رأسه إلى الامام وقال له بأدب:
    « ولكن والله ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما يقدر عليه.. ».
    وسكن غضب الامام ، وأعاد عليه القول:
    « ما تريد منّا..؟ »
    « أريد أن أنطلق بك إلى ابن زياد.. ».
    « والله لا أتبعك.. ».
    « إذن والله لا أدعك.. ».
    وكاد الوضع أن ينفجر باندلاع الحرب إلاّ أن الحر ثاب إلى رشده ، فقال للاِمام:
    « إنّي لم أُؤمر بقتالك ، وانّما أُمرت أن لا افارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ، ولا يردّك إلى المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد ، فلعلّ الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بأمرك ».
    واتفقا على هذا الاَمر فتياسر الاِمام عن طريق العذيب والقادسية ، وأخذت قافلة الاِمام تطوي البيداء ، وكان الحرّ مع جيشه يتابع الامام عن كثب ويراقبه كأشدّ ما تكون المراقبة.

    خطاب الإمام
    وانتهى موكب الاِمام إلى (البيضة) فألقى الاِمام خطاباً رائعاً على الحرّ وأصحابه أعلن فيه عن دوافع ثورته ودعاهم إلى مناصرته ، وكان من بنود هذا الخطاب هذه الفقرات:
    « أيّها الناس: إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعمل في عباد الله بالاِثم والعدوان فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله »..
    « إلاّ أن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله ، وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ ممن غيّر ، وقد أتتني كتبكم ، وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم انّكم لا تسلموني ، ولا تخذلوني ، فان أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم ، وأنا الحسين بن علي ، وابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نفسي مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم ، ولكن فيَّ أسوة ، وإن لم تفعلوا ، ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي ، فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي ، وابن عمّي مسلم فالمغرور من اغترّ بكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فانّما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم.. ».
    وأعلن أبو الاَحرار في هذا الخطاب الرائع دوافع ثورته المقدّسة على حكومة يزيد ، وانّها لم تكن من أجل المطامع والاَغراض الشخصية الخاصة ، وانّما كانت استجابة للواجب الديني الذي لا يقرّ بأيّ حال من الاَحوال حكومة السلطان الجائر الذي يستحلّ حرمات الله ، وينكث عهده ، ويخالف سنّة رسوله ، وإن من لم يندفع إلى ساحات الجهاد لمناهضته فانّه يكون شريكاً له في ظلمه وجوره ، كما ندّد ( عليه السلام ) بالاَمويين وقد نعتهم بأنّهم قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، واستأثروا بالفيء ، وعطّلوا حدود الله ، والاِمام ( عليه السلام ) أحقّ وأولى من غيره بتغيير الاَوضاع الراهنة وإعادة الحياة الاِسلامية المشرقة إلى مجراها الطبيعي بين المسلمين ، وأعرب لهم أنّه إذا تقلّد شؤون الحكم فسيجعل نفسه مع أنفسهم ، وأهله مع أهليهم من دون أن يكون له أي امتياز عليهم ، وقد وضع الاِمام بهذا الخطاب النقاط على الحروف ، وفتح لهم منافذ النور لو كانوا يبصرون ، ولما أنهى الاِمام خطابه قام إليه الحرّ فقال له:
    « أنّي أذكرك الله في نفسك ، فانّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ... ».
    وردّ عليه أبو الشهداء قائلاً:
    « أبالموت تخوّفني ، وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني ، وما أدري ما أقول لك ، ولكنّي أقول: كما قال أخو الاَوس لابن عمّه ، وهو يريد نصرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أين تذهب ، فانّك مقتول ، فقال له:
    سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلماً
    ووآس الرجـال الصالحيـن بنفسـه وخالف مثبوراً وفارق مجرما
    فان عشت لـم أندم وان متّ لم أُلـم كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما
    ولما سمع الحرّ ذلك تنحّى عنه ، وعرف أنّه مصمّم على الموت والتضحية لاِنقاذ المسلمين من ويلات الاَمويين وجورهم:

    رسالة ابن مرجانة إلى الحرّ
    وتابعت قافلة الاِمام سيرها في البيداء ، وهي تارة تتيامن ، وأخرى تتياسر وجنود الحرّ يذودون الركب عن البادية ، ويدفعونه تجاه الكوفة ، والركب يمتنع عليهم ، وبينما هم كذلك ، وإذا براكب يجدّ في سيره ، فلبثوا هنيئة ينتظرونه فإذا به رسول من ابن زياد إلى الحرّ ، فسلّم الخبيث على الحرّ ، ولم يسلّم على ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وناول الحرّ رسالة من ابن مرجانة جاء فيها:
    « أمّا بعد: فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ، ويقدم عليك رسولي ، فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير حصن ، ولا على غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام.. ».
    وأعرض ابن مرجانة عما عهد به إلى الحر من إلقاء القبض على الاِمام ، وإرساله مخفوراً إلى الكوفة ، ومن المحتمل أنّه خاف من تطوّر الاَحداث ، وانقلاب الاَوضاع إليه ان وصل الاِمام إلى الكوفة ، فرأى التحجير في الصحراء بعيداً عن المدن أولى بالوصول إلى أهدافه.
    وقرأ الحرّ كتاب ابن مرجانة على الاِمام ، وكان يريد أن يستأنف سيره ليحطّ رحله صوب قرية أو ماء ، فامتنع عليه الحرّ لاَنّ نظرات الرقيب الوافد من ابن زياد كانت تتابعه ، وكان يسجّل عليه كل بادرة يخالف أوامر سيّده ابن مرجانة ، وأشار زهير بن القين وهو من أعلام أنصار الاِمام ومن خلّص أصحابه عليه أن يبادر إلى قتال الحرّ ، فامتنع عليه الاِمام ، وقال ما كنت أبدأهم بقتال.

    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام في كربلاء

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:29 pm


    في كربلاء
    وكان ركب الاِمام في كربلاء فأصرّ عليه الحرّ أن ينزل فيها ، ولم يجد الاِمام بُدّاً من النزول فالتفت إلى أصحابه قائلاً:
    « ما اسم هذا المكان ؟. . ».
    « كربلاء.. ».
    وفاضت عيناه بالدموع ، وراح يقول:
    « اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء.. ».
    وأيقن الاِمام بنزول الرزء القاصم ، فالتفت إلى أصحابه ينعي إليهم نفسه ونفوسهم قائلاً:
    « هذا موضع كرب وبلاء ، ها هنا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، وسفك دمائنا.. ».
    وسارع أبوالفضل العباس مع الفتية من أهل البيت عليهم السلام ، وسائر الاَصحاب الممجدين إلى نصب الخيام لعقائل الوحي ، ومخدرات النبوة ، وقد خيّم عليهنّ الرعب ، وأيقن بمواجهة الاَحداث الرهيبة على صعيد هذه الاَرض.
    ورفع الاِمام الممتحن يديه بالدعاء إلى الله شاكياً إليه ما ألمّ به من عظيم المحن والخطوب قائلاً:
    « اللهمّ.. انّا عترة نبيّك محمد ( صلى الله عليه وآله ) قد أخرجنا ، وطردنا ، وأزعجنا عن حرم جدّنا وتعدّت بنو أميّة علينا ، اللهمّ فخذ لنا بحقّنا ، وانصرنا على القوم الظالمين.. ».
    وأقبل الاِمام على أهل بيته وأصحابه ، فقال لهم:
    « الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا مُحصوا بالبلاء قلَّ الديّانون.. ».
    يا لها من كلمات ذهبية حكت واقع الناس واتجاهاتهم في جميع مراحل التأريخ فهم عبيد الدنيا ، وعبيد السلطة ، وأما الدين والمثل العليا فلا ظلّ لها في أعماق نفوسهم ، فإذا دهمتهم عاصفة أو بلاء هربوا من الدين ، ولم يثبت عليه إلاّ من امتحن الله قلبه للاِيمان أمثال الصفوة العظيمة من أهل بيت الحسين وأصحابه.
    ثم حمد الامام ( عليه السلام ) الله وأثنى عليه ، والتفت إلى أصحابه قائلاً:
    « أمّا بعد: فقد نزل بنا ما قد ترون. وان الدنيا قد تغيّرت ، وتنكّرت ، وأدبر معروفها ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الاِناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل(1) ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله ، فاني لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برما.. ».
    لقد أعلن أبو الاَحرار بهذا الخطاب عمّا حلّ به من المحن والبلوى ، وأعلم أهل بيته وأصحابه عن عزمه الجبّار وأرادته الصلبة في مقارعة الباطل ، واقامة الحق الذي آمن به في جميع أدوار حياته... وقد وجه إليهم هذا الخطاب ليكونوا على بيّنة من أمرهم ، ويشاركوه في تحمّل المسؤولية ، وقد هبّوا جميعاً وهم يسجّلون في تأريخ البشرية أروع الاَمثلة للتضحية والفداء من أجل إقامة دولة الاِسلام ، وكان أول من تكلّم منهم زهير بن القين وهو من أفذاذ الاَحرار فقال له:
    « سمعنا يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلّدين لآثرنا النهوض معك على الاِقامة فيها.. ».
    ومثلت هذه الكلمات شرف الاِنسان الذي لا يضاهيه شرف ، وقد حكى ما في نفوس أصحابه الاَحرار من الولاء لريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والتفاني في سبيله ، وانبرى بطل آخر من أصحاب الاِمام وهو برير الذي وهب حياته لله ، فقال له:
    يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، وتقطع فيك أعضاؤنا ، ثم يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة.. ».
    ولا يوجد في البشرية مثل هذا الاِيمان الخالص ، لقد أيقن أن نصرته لابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فضل ومنّة من الله عليه ليفوز بشفاعة جدّه الاَعظم يوم يلقى الله.
    وانبرى بطل آخر من أصحاب الاِمام ، وهو نافع فأعلن نفس المصير الذي اختاره الاَبطال من أصحابه ، فقال:
    « أنت تعلم أن جدّك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يقدر أن يشرب الناس محبّته ، ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحبّ ، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ، ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمرّ من الحنظل ، حتى قبضه الله إليه ، وان أباك عليّاً كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصره ، وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة الله ورضوانه وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده ، وخلع بيعته فلن يضرّ إلاّ نفسه ، فسر بنا راشداً معافى ، مشرقاً ، ان شئت أو مغرباً ، فوالله ما اشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.. ».
    دلّ هذا الخطاب الرائع على وعي نافع ، وإدراكه العميق للاَحداث ودراسته لاَبعادها فقد أعرب أن الرسول الاَعظم ( صلى الله عليه وآله ) بما يملك من طاقات روحية لم يستطع أن يجمع الناس على محبّته ، ويخضعهم إلى الاِيمان برسالته ، فقد كان هناك طائفة من المنافقين انتشروا في صفوف المسلمين ، وهم يضمرون الكفر في دخائل نفوسهم ويظهرون الاِسلام على ألسنتهم ، وكانوا يبغون للنبيّ ( صلى الله عليه وآله ) الغوائل ويكيدون له في غلس الليل وفي وضح النهار ، وكذلك حال وصيّه وباب مدينة علمه الاِمام أمير المؤمنين من بعده فقد ابتلي بمثل ما ابتلي به النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فقد آمن به قوم وحاربه قوم آخرون ، وحال الاِمام الحسين ( عليه السلام ) كحال جدّه وأبيه ، فقد آمنت به قلّة مؤمنة من أصحابه ، وزحفت لحربه الجموع الهائلة من الذين نزع الله الاِيمان من قلوبهم.
    وعلى أيّ حال فقد تكلّم أكثر أصحاب الاِمام بمثل كلام نافع وهم يعلنون له الاِخلاص والتفاني ، وقد شكرهم الامام ، وأثنى عليهم ، ودعا لهم بالمغفرة والرضوان.

    خروج الجيوش لحرب الاِمام الحسين
    وتمّت أحلام ابن مرجانة ، وتحققت آماله حينما استولت طليعة جيوشه على ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأخذ يطيل النظر فيمن ينتدبه لحربه ، ويرشّحه لقيادة قوّاته المسلّحة ، وتصفح الاَرجاس من أذنابه وعملائه ، فلم ير رجساً مثل عمر بن سعد يقدم على اقتراف هذه الجريمة فقد درس نفسيته ، ووقف على ميوله واتجاهاته التي منها الخنوع والمروق من الدين ، وعدم المبالاة بارتكاب الآثام والجرائم ، والتهالك على المادة وغير ذلك من نزعاته الشريرة.
    وعرض ابن مرجانة سليل الاَدعياء على ابن سعد القيام بحرب سبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فامتنع عن إجابته فهدده بعزله عن ولاية الريّ فلم يطق صبراً عنها ، فقد سال لها لعابه فأجابه إلى ذلك ، وزحف إلى كربلاء ، ومعه أربعة آلاف فارس ، وهو يعلم أنّه خرج لقتال ذريّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذين هم خيرة من في الاَرض ، وانتهى الجيش إلى كربلاء فانظم إلى الجيش الرابض هناك بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي.

    خطبة ابن زياد
    وأمر الطاغية بجمع الناس في رحاب المسجد الاَعظم فهرعوا كالاَغنام خوفاً من ابن مرجانة ، وقد امتلاَ الجامع منهم فقام خطيباً فقال:
    « أيّها الناس: إنّكم قد بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون ، وهذا أمير المؤمنين يزيد ، قد عرفتموه حسن السيرة ، محمود الطريقة ، محسناً إلى الرعية ، يعطي العطاء في حقّه ، وقد أمنت السبل على عهده ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد يكرم العباد ، ويغنيهم بالاَموال ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة ، وأمرني أن أقّرؤها عليكم ، واخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين فاسمعوا له وأطيعوا.. ».
    لقد خاطبهم باللغة التي يفهمونها ، ويتهالكون عليها ، ويقدمون أرواحهم بسخاء في سبيلها ، وهي المادة التي هاموا بحبها ، وقد أجابوه إلى ما أراد فزجّهم لاقتراف أفظع جريمة في تأريخ البشرية.
    واسند القيادة في بعض قطعات جيشه إلى كل من الحصين بن نمير ، وحجار بن أبجر ، وشمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وغيرهم ، وقد زحفوا بمن معهم إلى كربلاء لمساعدة ابن سعد.

    احتلال الفرات
    وقامت العصابة المجرمة التي تحمل شرور أهل الاَرض وخبثهم باحتلال الفرات ، ولم تبق شريعة أو منفذ إلاّ وقد وضع عليها الحرس ، وقد صدرت إليهم الاَوامر المشدّدة من قبل القيادة العامة بالحذر واليقظة كي لا تصل قطرة من الماء إلى عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذين هم من خيرة ما خلق الله.
    ويقول المؤرّخون: حيل بين الحسين والماء قبل قتله بثلاثة أيّام وكان ذلك من أعظم ما عاناه الاِمام من المحن والخطوب ، فكان يسمع صراخ أطفاله ، وهم ينادون: العطش ، العطش ، وذاب قلب الاِمام حناناً ورحمة لذلك المشهد الرهيب ، فقد ذبلت شفاه أطفاله ، وذوي عودهم ، وجفّ لبن المراضع ، وصوّر أنور الجندي هذا المنظر المفجع بقوله:

    وذئـاب الشـرور تنـعـم بالمـاء وأهــل النبـيّ مـن غير مـاء
    يالظلـم الاَقـدار يظمأ قلـب الليث والليــث مـوثــق الاَعضـاء
    وصغار الحسين يبكون في الصحراء يا ربّ أيـن غــوث القضـاء
    لقد نزع الله الرحمة من قلوبهم ، فتنكّروا لاِنسانيتهم ، وتنكّروا لجميع القيم والاَعراف ، فان جميع الشرائع والمذاهب لا تبيح منع الماء عن النساء والاَطفال فالناس فيه جميعاً شركاء ، وقد أكّدت ذلك الشريعة الاِسلامية ، واعتبرته حقاً طبيعياً لكل إنسان ، ولكن الجيش الاَموي لم يحفل بذلك ، فحرم الماء على آل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وكان بعض الممسوخين يتباهى ويفخر لحرمانهم الحسين من الماء ، فقد انبرى الوغد اللئيم المهاجر بن أوس صوب الامام رافعاً صوته قائلاً:
    « يا حسين ألا ترى الماء يلوح كأنّه بطون الحيات ، والله لا تذوقه أو تموت دونه.. ».
    واشتدّ عمرو بن الحجاج نحو الحسين ، وهو فرح كأنّما ظفر بمكسب أو مغنم قائلاً:
    « يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب ، وتشرب فيه الحمير والخنازير ، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنّم.. ».
    وكان هذا الوغد الاَثيم ممن كاتب الاِمام الحسين ( عليه السلام ) بالقدوم إلى الكوفة.
    وانبرى جلف آخر من أوغاد أهل الكوفة وهو عبدالله بن الحصين الاَزدي فنادى بأعلى صوته لتسمعه مخابرات ابن مرجانة فينال منه جوائزه وهباته ، قائلاً:
    « يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء ، والله لا تذوق منه قطرة
    حتى تموت عطشاً.. ».
    فرفع الاِمام يديه بالدعاء عليه قائلاً:
    « اللهمّ اقتله عطشاً ، ولا تغفر له أبداً.. ».
    لقد تمادى هؤلاء الممسوخون بالشرّ ، وسقطوا في هوّة سحيقة من الجرائم والآثام ما لها من قرار.

    سقاية العباس لاَهل البيت
    والتاع أبو الفضل العبّاس كأشدّ ما تكون اللوعة ألماً ومحنة حينما رأى أطفال أخيه وأهل بيته وهم يستغيثون من الظمأ القاتل ، فانبرى الشهم النبيل لتحصيل الماء ، وأخذه بالقوة ، وقد صحب معه ثلاثين فارساً ، وعشرين راجلاً ، وحملوا معهم عشرين قربة ، وهجموا بأجمعهم على نهر الفرات وقد تقدّمهم نافع بن هلال المرادي وهو من أفذاذ أصحاب الامام الحسين فاستقبله عمرو بن الحجاج الرونق الحرفيدي وهو من مجرمي حرب كربلاء وقد اعهد إليه حراسة الفرات فقال لنافع:
    « ما جاء بك؟.. ».
    « جئنا لنشرب الماء الذي حلاَتمونا عنه.. »
    « اشرب هنيئاً.. ».
    « أفأشرب والحسين عطشان ، ومن ترى من أصحابه؟. ».
    « لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، انّما وضعنا بهذا المكان لمنعهم عن الماء.. ».
    ولم يعن به الاَبطال من أصحاب الاِمام ، وسخروا من كلامه ، فاقتحموا الفرات ليملاَوا قربهم منه ، فثار في وجوههم عمرو بن الحجاج ومعه مفرزة من جنوده ، والتحم معهم بطل كربلاء أبو الفضل ، ونافع بن هلال ، ودارت بينهم معركة إلاّ انّه لم يقتل فيها أحد من الجانبين ، وعاد أصحاب الامام بقيادة أبي الفضل ، وقد ملأوا قربهم من الماء.
    لقد أروى أبو الفضل عطاشى أهل البيت ، وانقذهم من الظمأ ، وقد منح منذ ذلك اليوم لقب (السقاء) وهو من أشهر ألقابه ، وأكثرها ذيوعاً بين الناس كما أنّه من أحبّ الاَلقاب وأعزّها عنده.

    أمان الشمر للعباس وأخوته
    وبادر الخبيث الدنس شمر بن ذي الجوشن إلى سيّده ابن مرجانة فأخذ منه أماناً لاَبي الفضل وأخوته الممجّدين ، وقد ظنّ أنّه سيخدعهم ، ويفردهم عن أخيهم أبي الاَحرار ، وبذلك يضعف جيش الاِمام ، لاَنّه يخسر هؤلاء الاَبطال الذين هم من أشجع فرسان العرب ، وجاء الخبيث يشتدّ كالكلب ، وقد وقف أمام جيش الحسين ، وهتف منادياً:
    « أين بنو أختنا العباس واخوته؟.. ».
    وهبّت الفتية كالاَسود ، فقالوا له:
    « ما تريد يابن ذي الجوشن؟.. ».
    فانبرى مستبشراً يبدي لهم الحنان المزيّف قائلاً:
    « لكم الاَمان.. ».
    وصاحوا به ، وهم يتميّزون من الغيظ ، فقد لذعهم قوله:
    « لعنك الله ، ولعن أمانك ، أتؤمننا ، وابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لا أمان له... ».
    وولّى الخبيث خائباً فقد ظنّ أن السادة الاَماجد اخوة الاِمام من طراز أصحابه الممسوخين الذين باعوا ضمائرهم على ابن مرجانة ووهبوا حياتهم للشيطان ، ولم يعلم أن أخوة الحسين ( عليه السلام ) من أفذاذ الدنيا ، الذين صاغوا الكرامة الاِنسانية ، وصنعوا الفخر والمجد للاِنسان.

    زحف الجيوش لحرب الحسين
    وزحفت طلائع الشرك والكفر لحرب ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عصر الخميس لتسع خلون من شهر محرم ، بعد أن صدرت إليهم الاَوامر المشدّدة من ابن مرجانة بتعجيل القتال وحسم الموقف خوفاً من تبلور رأي الجيش وحدوث انقسام في صفوفه ، وكان الاِمام محتبياً بسيفه أمام بيته اذ خفق برأسه ، فسمعت شقيقته عقيلة بني هاشم السيدة زينب أصوات الرجال ، وتدافعهم نحو أخيها ، فانبرت إليه فزعة مرعوبه ، فايقظته ، فرفع الاِمام رأسه فرأى أخته مذهولة ، فقال لها بعزم وثبات:
    « إنّي رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام ، فقال: إنك تروح إلينا.. ».
    وذابت نفس العقيلة أسى وحسرات ، وانهارت قواها ، ولم تملك نفسها أن لطمت وجهها ، وراحت تقول:
    « يا ويلتاه... ».
    والتفت أبو الفضل إلى أخيه فقال له:
    « أتاك القوم.. ».
    وطلب الاِمام منه أن يتعرّف على خبرهم قائلاً:
    « اركب بنفسي أنت يا أخي ، حتى تلقاهم ، فتقول لهم: ما بدا لكم ، وما تريدون؟.. ».
    لقد فدى الاِمام ( عليه السلام ) اخاه بنفسه ، وهو مما يدلّ على سموّ مكانته ، وعظيم منزلته ، وانه قد بلغ قمّة الاِيمان ، وأعلى مراتب المتقين... وأسرع أبو الفضل نحو الجيش ، ومعه عشرون فارساً من أصحابه ، ومن بينهم زهير بن القين ، وحبيب بن مظاهر ، وسألهم أبو الفضل عن سبب زحفهم ، فقالوا له:
    « جاء أمر الاَمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه ، أو نناجزكم... ».
    وقفل العباس إلى أخيه ، فأخبره بمقالتهم ، وراح حبيب بن مظاهر يعظهم ويحذّرهم من عقاب الله قائلاً:
    « أما والله بئس القوم يقدمون غداً على الله عزّ وجلّ ، وعلى رسوله محمد ( صلى الله عليه وآله ) وقد قتلوا ذريته ، وأهل بيته ، المتهجّدين بالاَسحار ، الذاكرين الله كثيراً بالليل والنهار ، وشيعته الاَتقياء الاَبرار.. ».
    وردّ عليه بوقاحة عزرة بن قيس فقال له:
    « يا بن مظاهر إنّك لتزكّي نفسك.. ».
    وانبرى إليه البطل الفذّ زهير بن القين فقال له: « أتق الله يا بن قيس ، ولا تكن من الذين يعينون على الضلال ويقتلون النفس الزكية الطاهرة ، عترة خيرة الاَنبياء.. ».
    فأجابه عزرة:
    « كنت عندنا عثمانياً فما بالك ، .. ».
    فردّ عليه زهير بمنطق الشرف والاِيمان:
    « والله ما كتبت إلى الحسين ، ولا أرسلت إليه رسولاً ، ولكن الطريق جمعني وإياه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعرفت ما تقدمون من غدركم ، ونكثكم ، وسبيلكم إلى الدنيا ، فرأيت أن أنصره ، وأكون في حرونق الحرفه حفظاً لما ضيّعتم من حقّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .. ».
    لقد كان كلام زهير حافلاً بالصدق بجميع رحابه ، فقد بيّن أنّه لم يكتب إلى الاِمام بالقدوم إلى الكوفة لاَنّه كان عثماني الهوى ، ولكنه حينما التقى بالاِمام في الطريق ووقف على واقع الحال من غدر أهل الكوفة به ، ونكثهم لبيعته انقلب رأساً على عقب ، وصار من أنصار الاِمام ، ومن أكثرهم مودّة وحباً له ، لاَنّ الاِمام من ألصق الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
    وعلى أيّ حال فقد عرض أبو الفضل مقالة القوم على أخيه ، فقال له:
    « ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة لعلّنا نصلّي لربّنا هذه الليلة ، وندعوه ، ونستغفره فهو يعلم أنّي أحبّ الصلاة ،
    وتلاوة كتابه ، وكثرة الدعاء والاستغفار... ».
    لقد أراد ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يودّع الحياة الدّنيا بأثمن ما فيها وهي الصلاة والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن الكريم ، وان يواجه الله تعالى وقد تزوّد منها.
    ورجع أبو الفضل ( عليه السلام ) إلى معسكر ابن مرجانة فأخبرهم بمقالةِ أخيه فعرض ابن سعد ذلك على الخبيث الدنس شمر بن ذي الجوشن خوفاً من وشايته إذا استجاب لطلب الاِمام ، فقد كان شمر المنافس الوحيد لابن سعد على إمارة الجيش كما كان عيناً عليه ، كما أراد أن يكون شريكاً له في المسؤولية فيما إذا عاتبه ابن زياد على تأخير الحرب.
    ولم يبد الشمر أي رأي له في الموضوع ، وانما أحاله لابن سعد ليكون هو المسؤول عنه ، وانبرى عمرو بن الحجاج الرونق الحرفيدي فأنكر عليهم هذا التردد والاِحجام عن إجابة الاِمام قائلاً:
    « سبحان الله!! والله لو كان من الديلم ثم سألكم هذه المسألة لكان ينبغي أن تجيبوه.. ».
    ولم يزد ابن الحجّاج على ذلك ، فلم يقل لهم: انّه ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وانّهم هم الذين غرّوه وكاتبوه بالقدوم إلى مصرهم ، لم يقل ذلك خوفاً من أن تنقل الاستخبارات العسكرية إلى ابن زياد ذلك فينال العقاب والحرمان ، وأيّد ابن الاَشعث مقالته ، فاستجاب ابن سعد إلى تأجيل الحرب ، وأوعز إلى رجل من أصحابه أن يعلن ذلك ، فدنا من معسكر الاِمام ورفع صوته قائلاً:
    « يا أصحاب الحسين بن علي قد أجّلناكم يومكم هذا إلى غد فان استسلمتم ونزلتم على حكم الاَمير وجهنا بكم إليه وان أبيتم ناجزناكم... ».
    وأُرجئ القتال إلى صبيحة اليوم العاشر من المحرّم ، وظلّ جيش ابن سعد ينتظرون الغد هل يجيبهم الاِمام أو يرفض ما دعوه إليه.

    الاِمام يأذن لاَصحابه بمفارقته
    وجمع ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أهل بيته وأصحابه في ليلة العاشر من المحرم ، وعرض عليهم ما يلاقيه من الشهادة ، وطلب منهم أن ينطلقوا في رحاب الاَرض ويتركوه وحده ليقلى مصيره المحتوم ، وقد أراد بذلك أن يكونوا على بيّنة من أمرهم فقال لهم:
    « أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء... اللهمّ إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة ، وعلّمتنا القرآن ، وفهّمتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ، ولم تجعلنا من المشركين.
    أمّا بعد: فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت خيراً من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً ، ألا وانّي لاَظنّ يومنا من هؤلاء الاَعداء غداً ، واني قد أذنت لكم جميعاً فانطلقوا في حلّ ليس عليكم منّي ذمام ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعاً خيراً ، ثم تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله ، فان
    القوم انّما يطلبونني ولو أصابوني لُهوا عن طلب غيري... ».
    وتمثّلت روعة الاِيمان ، وسرّ الاِمامة بهذا الخطاب العظيم الذي كشف جانباً كبيراً عن نفسية أبي الاَحرار ، فقد تجنّب في هذا الموقف الدقيق الحاسم جميع ألوان المنعطفات ، ووضع أصحابه وأهل بيته أمام الاَمر الواقع فقد حدد لهم النتيجة التي لا مفرّ منها وهي القتل والتضحية ، وليس هناك أي شيء آخر من متع الدنيا ، وقد طلب منهم أن يخلوا عنه وينصرفوا تحت جنح الظلام ، فيتخذونه ستراً دون كل عين ، فلعلّهم يخجلون أن يبتعدوا عنه في وضع النهار ، فقد جعلهم في حلّ من التزاماتهم تجاهه ، وقد عرّفهم أنّه بالذات هو الهدف لتلك الوحوش الكاسرة المتعطشة إلى سفك دمه ، فإذا ظفروا به فلا إرب لهم في طلب غيره.

    جواب أهل البيت
    ولم يكد يفرغ الاِمام من خطابه حتى هبّت الصفوة من أهل البيت عليهم السلام ، وعيونهم تفيض دموعاً ، وهم يعلنون ولاءهم له ، وتضحيتهم في سبيله ، وقد مثلهم أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) فخاطب الاِمام قائلاً:
    « لم نفعل ذلك؟!! لنبقى بعدك ، لا أرانا الله ذلك أبداً.. ».
    والتفت الاِمام إلى السادة من ابناء عمّه من بني عقيل ، فقال لهم:
    « حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا فقد اذنت لكم... ».
    وهبّت فيتة آل عقيل كالاَسود تتعالى أصواتهم ، قائلين:
    « إذن ما يقول الناس: ، وما نقول: ، إنا تركنا شيخنا وسيّدنا ، وبني
    عمومتنا خير الاَعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا ، لا والله لا نفعل ، ولكن نفديك بأنفسنا واموالنا وأهلينا نقاتل معك ، حتى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك... ».
    لقد صمّموا على حماية الاِمام العظيم ، والدفاع عن أهدافه ومبادئه ، واختاروا الموت تحت ظلال الاَسنّة على الحياة التي لا هدف فيها.

    جواب أصحابه
    أمّا أصحاب الاِمام ( عليه السلام ) فهم أحرار هذه الدنيا ، وقد اندفعوا يعلنون للاِمام ( عليه السلام ) الفداء والتضحية دفعاً عن المبادىَ المقدّسة التي ناضل من أجلها الاِمام ، وقد انبرى مسلم بن عوسجة فخاطب الاِمام قائلاً:
    « أنحن نخلّي عنك ، وبماذا نعتذر إلى الله في اداء حقّك ، أما والله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك.. ».
    لقد عبّرت هذه الكلمات عن عميق إيمانه بريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وانّه سيذبّ عنه حتى النفس الاَخير من حياته.
    وانبرى بطل آخر من أصحاب الاِمام وهو سعيد بن عبدالله الحنفي فخاطب الاِمام قائلاً:
    « والله لا نخلّيك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فيك ، أما والله لو علمت أنّي أقتل ، ثم أحيا ، ثم أحرق ، ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرّة لما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، وكيف لا أفعل ذلك ، وانّما هي قتلة واحدة ، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا... ».
    وليس في قاموس الوفاء أصدق ، ولا أنبل من هذا الوفاء ، فهو يتمنّى من صميم قلبه أن تجري عليه عملية القتل سبعين مرّة ليفدي الاِمام ( عليه السلام ) ، ليحفظ بذلك غيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكيف لا يستطيب الموت في سبيله وانّما هو مرّة واحدة ، ثم هي الكرامة الاَبدية التي لا انقضاء لها.
    وانبرى زهير بن القين فأعلن نفس الاتجاه الذي أعلنه المجاهدون من إخوانه قائلاً:
    « والله لوددت أنّي قُتلت ، ثم نشرت ، ثم قتلت حتى أقتل ألف مرّة ، وان الله عزّ وجلّ يدفع بذلك القتل عن نفسك ، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.. ».
    أرأيتم وفاء هؤلاء الاَبطال ، فهل تجدون لهم مثيلاً في تأريخ هذه الدنيا ، لقد ارتفعوا إلى مستوى من النبل والشهامة لم يبلغه أي إنسان وقد أعطوا بذلك الدروس المشرقة في الدفاع عن الحق.
    وأعلن بقيّة أصحاب الاِمام ( عليه السلام ) الترحيب بالشهادة في سبيل إمامهم ، فجزاهم خيراً ، وأكّد لهم جميعاً أنّهم سينعمون في الفردوس الاَعلى ، ويحشرون مع النبيين والصدّيقين ، وهتفوا جميعاً:
    « الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك ، وشرّفنا بالقتل معك ، أو لا ترضى أن نكون معك في درجتك يا بن رسول الله.. ».
    لقد أُترعت نفوس هؤلاء الاَبطال بالاِيمان العميق ، فتحرّروا من جميع ملاذ الحياة ولهوها ، واتجهوا صوب الله ، فرفعوا راية الإسلام عالية خفّاقة في رحاب هذا الكون.

    إحياء الليل بالعبادة
    وأقبل الإمام ( عليه السلام ) مع الصفوة الطيبة المؤمنة من أهل بيته وأصحابه نحو الله يناجونه بقلوبهم وعواطفهم ، وهم يسألونه العفو والغفران ولم يذق أحد منهم طعم الرقاد ، فقد كانوا ما بين راكع وساجد وقارىء للقرآن ، وكان لهم دويّ كدويّ النحل.
    وكانوا ينتظرون انبثاق نور الصبح بفارغ الصبر لينالوا الشهادة بين يديّ ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
    وأما معسكر ابن زياد فقد باتوا وهم في شوق لطلوع الصبح ليريقوا دماء أهل البيت ( عليهم السلام ) ليقترّبوا بها إلى سيّدهم ابن مرجانة.


    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:31 pm


    يوم عاشوراء
    وليس مثل يوم العاشر من المحرّم في مآسيه وكآبته وكوارثه ، فلم تبق محنة من محن الدنيا ، ولا فاجعة من فواجع الدهر إلاّ جرت على ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلا يوم مثل ذلك اليوم الخالد في دنيا الاَحزان.

    دعاء الامام
    وخرج أبو الاَحرار من خبائه فرأى البيداء قد ملئت خيلاً ورجالاً وقد شهر أولئك البغاة اللئام سيوفهم لاِراقة دمه ، ودماء الصفوة البررة من أهل بيته وأصحابه لينالوا الاَجر الزهيد من الاِرهابي المجرم ابن مرجانة ، ودعا الاِمام بمصحف فنشره على رأسه ، ورفع يديه بالدعاء إلى الله قائلاً:
    « اللهمّ أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة ، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد ، وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدوّ أنزلته بك ، وشكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ، ففرّجته وكشفته ، وكفيته ، فأنت وليّ كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ، ومنتهى كل رغبة.. ».
    لقد أناب الاِمام إلى الله ، وأخلص له ، فهو وليّه ، والملجأ الذي يلجأ إليه في كل نائبة نزلت به.

    خطبة الاِمام
    ورأى الاِمام ( عليه السلام ) أن يقيم الحجّة البالغة على أُولئك الوحوش قبل أن يقدموا على اقتراف الجريمة ، فدعا براحلته فركبها ، واتجه نحوهم ، فخطب فيهم خطابه التأريخي الحافل بالمواعظ والحجج ، فقد نادى بصوت عال يسمعه جلّهم:
    « أيّها الناس اسمعوا قولي ، ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حقّ لكم عليّ ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فان قبلتم عذري ، وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف ، كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليَّ سبيل ، وان لم تقبلوا منّي العذر ، ولم تعطوا النصف من أنفسكم ، فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ، ثم امضوا إليَّ ولا تُنظرون ، إن ولّيي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين.. ».
    وحمل الاَثير هذه الكلمات إلى السيدات من عقائل النبوة ، ومخدرات الرسالة فتصارخن بالبكاء ، فبعث إليهنّ أخاه العباس ، وابنه عليّاً ، وقال لهما:
    سكّتاهنّ ، فلعمري ليكثر بكاؤهنّ ، ولما سكتن استرسل في خطابه فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على جدّه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وعلى الملائكة والاَنبياء ، وقال في ذلك: ما لا يحصى ذكره ، ولم يسمع لا قبله ، ولا بعده أبلغ منه في منطقه.
    وكان مما قاله:
    « أيّها الناس ان الله تعالى خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرّته ، والشقيّ من فتنته ، فلا تغرنّكم هذه الدنيا ، فانها تقطع رجاء من ركن إليها ، وتخيب طمع من طمع فيها ، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحلّ بكم نقمته ، فنعم الرب ربّنا ، وبئس العبيد أنتم ، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول ( صلى الله عليه وآله ) ثم أنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبّاً لكم ولما تريدون ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبُعداً للقوم الظالمين ».
    لقد وعظ الاِمام ( عليه السلام ) أعداءه بهذه الكلمات التي تمثّل هدي الاَنبياء ومحنتهم في أممهم ، لقد حذّرهم من فتنة الدنيا وغرورها ، وأهاب بهم من التورّط في قتل عترة نبيّهم وذريّته ، وانّهم بذلك يستوجبون العذاب الاَليم ، والسخط الدائم ، ثم استرسل الاِمام الممتحن في خطابه فقال:
    « أيّها الناس: انسبوني من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم ، وعاتبوها ، وانظروا هل يحلّ لكم قتلي ، وانتهاك حرمتي ، ألست ابن بنت نبيّكم ، وابن وصيّه ، وابن عمّه ، وأول المؤمنين بالله ، والمصدق لرسوله ، بما جاء من عند ربّه ، أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي ، أو ليس جعفر الطيّار عمّي ، أو لم يبلغكم قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لي ولاَخي « هذان سيّدا شباب أهل الجنّة » فان صدّقتموني بما أقول: وهو الحقّ ، والله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه ، وإن كذّبتموني فان فيكم من إذا سألتموه أخبركم ، سلوا جابر بن عبدالله الاَنصاري ، وابا سعيد الخدري ، وسهل ابن سعد الساعدي ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك يخبروكم انّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لي ولاَخي أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ، .. ».
    وكان خليقاً بهذا الخطاب المشرق أن يرجع لهم حوارونق الحرف عقولهم ، ويردّهم عن طغيانهم ، فقد وضع الاِمام النقاط على الحروف ، ودعاهم إلى التأمل ولو قليلاً ليمعنوا في شأنه أليس هو حفيد نبيّهم وابن وصيه ، وهو سيّد شباب أهل الجنة كما أعلن ذلك جدّه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وفي ذلك حصانة له من سفك دمه وانتهاك حرمته ، ولكن الجيش الاَموي لم يع هذا المنطق ، فقد خلد إلى الجريمة ، واسودّت ضمائرهم ، وحيل بينهم وبين ذكر الله.
    وتصدّى لجواب الاِمام شمر بن ذي الجوشن وهو من الممسوخين فقال له:
    « هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول.. ».
    وحقاً انه لم يع ما يقول الاِمام فقد ران على قلبه الباطل ، وغرق في الاثم وقد أجابه حبيب بن مظاهر وهو من أعلام الهدى والصلاح فقال له:
    « والله انّي لاَراك تعبد الله على سبعين حرفاً ، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.. ».
    والتفت الاِمام إلى قطعات الجيش فخاطبهم:
    « فإن كنتم في شكّ من هذا القول ، أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ، ولا في غيركم ، ويحكم أتطلبونني بقتيل منكم قتلته ، أو مال لكم استهلكته ، أو بقصاص جراحة.. ».
    وغدوا حيارى لا يملكون جواباً لردّه ، ثم التفت الاِمام إلى قادة الجيش الذين دعوه بالقدوم إلى مصرهم فقال لهم:
    « يا شبث بن ربعي ، ويا حجار بن أبجر ، ويا قيس بن الاَشعث ، ويا زيد بن الحرث ، ألم تكتبوا إليَّ ان قد أينعت الثمار ، وأخضر الجناب ، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة... ».
    وأنكر أُولئك الخونة كتبهم ، وما عاهدوا عليه الله من نصرهم للاِمام ، فقالوا له « لم نفعل ذلك.. ».
    وبهر الاِمام من ذلك وراح يقول:
    « سبحان الله!! بلى والله لقد فعلتم.. ».
    وأعرض الاِمام عنهم ، ووجّه خطابه إلى جميع قطعات الجيش قائلاً:
    « أيّها الناس: إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الاَرض.. ».
    وتصدّى لجوابه قيس بن الاَشعث وهو من رؤوس المنافقين ، وقد خلع كل شرف وحياء فقال له:
    « أو لا تنزل على حكم بني عمّك ، فانّهم لن يروك إلاّ ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه.. ».
    فردّ عليه الاِمام قائلاً:
    « أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل ، لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أفرّ فرار العبيد ، عباد الله إنّي عذت بربي وربّكم أن ترجمون ، أعوذ بربّي وربّكم من كل متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.. ».
    ومثلت هذه الكلمات عزّة الاَحرار وشرف الاَباة ، ولم تنفذ إلى قلوب أُولئك الجفاة الذين غرقوا في الجهل والآثام.
    وتكلّم أصحاب الاِمام مع معسكر ابن زياد ، وأقاموا عليهم الحجّة ، وذكّروهم بجور الامويين ، وما أنزلوه بهم من الجور والاستبداد ، ولم تُجدِ معهم النصائح شيئاً ، وراحوا يفخرون بنصرتهم لابن مرجانة ، وقتالهم لريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

    خطاب آخر للامام الحسين
    وانبرى سبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مرّة أخرى إلى إسداء النصحية إلى الجيش الاَموي مخافة أن يدّعي أحد منهم أنّه غير عارف بالاَمر ، فانطلق ( عليه السلام ) نحوهم ، وقد نشر كتاب الله العظيم على رأسه ، واعتمّ بعمامة جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقلّد لامة حربه ، وكان على هيبة تحكي هيبة الاَنبياء والاَوصياء فقد علت أسارير النور على وجهه الكريم فقال:
    « تَبّاً لَكُمُ أَيَّتُهَا الْجَماعَةُ وَتَرْحاً حينَ إِسْتَصْرَخْتُمُونا والِهينَ فَأَصْرَخْناكُمْ مُوجِفينَ ، سَلَلْتُمْ عَلَيْنا سَيْفاً لَنا في ايمانِكُمْ ، وَحَشَشْتُمْ
    عَلَيْنا ناراً إِقْتَدَحْناها عَلى عَدُوِّنا وَعَدُوِّكُمْ ، فَأَصْبَحْتُمْ أُلَبّاً لاََِعْدائِكُمْ عَلى أَوْلِيائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فيكُمُ وَلا أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فيهِمْ.
    مَهْلاً ـ لكُمُ الْوَيْلاتُ ـ تَرَكْتُمُونا وَالسَّيْفُ مِشيَمٌ وَالْجَأْشُ طامِنُ وَالرَّأْي لَمّا يَسْتَحْصِفُ ، وَلكِنْ أَسْرَعْتُم إِلَيْها كَطَيْرَةِ الدَبا ، وَتَداعَيْتُمْ إِلَيْها كَتَهافَتِ الْفَراشِ.
    فَسُحْقاً لَكُمْ يا عَبيدَ الاَُْمَّةِ ، وَشِذاذَ الاََْحْزابِ ، وَنَبَذَةَ الْكِتابِ ، ومُحَرِّفي الْكَلِمَ ، وَعَصَبَةَ الاَْثامِ ، وَنَفَثَةَ الشَّيْطانِ ، وَمُطْفِىََ السُّنَنِ.
    أَهوَُلاءِ تَعْضُدُونَ ، وَعَنّا تَتَخاذَلُونَ؟!
    أَجَلْ وَاللهِ غَدْرٌ فيكُمُ قَديمٌ وَشَجَتْ إِلَيْهِ أُصُولُكُمْ وَتَأَزَّرَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُكُمْ ، فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ شَجَرٍ شَجاً لِلنّاظِرِ وَأُكْلَةٌ لِلْغاصِبِ.
    أَلا وَإِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الَّدعِي قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ: بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَةِ ، وَهَيْهاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ ، يَأْبَى اللهُ لَنا ذلِكَ وَرَسُولُهُ وَالْمُوَْمِنُونَ وَحُجُورٌ طابَتْ وَطَهُرَتْ وَأُنُوفٌ حِمِيَّةٌ وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ: مِنْ أَنْ تُوَْثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ عَلى مَصارِعِ الْكِرامِ.
    أَلا وَإِنّى زاحِفٌ بِهذِهِ الاَُْسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ وَخَذْلَةِ النّاصِرِ ».
    ثُمَّ أَوْصَلَ كَلامَهُ ( عليه السلام ) بِأَبْياتِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكِ الْمُرادي:
    فَـإِنْ نَهْـزِمْ فَهَزّامُونَ قِدْماً وَإِنْ نُغْلَـبْ فَغَيْـرُ مُغَلِّبيـنا
    وَمــا إِنْ طِبُّنا جُبْـنٌ وَلكِنْ مَنايانــــا وَدَوْلَة آخَرينا
    إِذا مَا الْمَوْتُ رَفَّعَ عَـنْ أُناسٍ كَلاكِلَـــهُ أَنـاخَ بِآخِرينا
    فَأَفْنى ذلِكُـمْ سَـرَواتِ قَوْمي كَما أَفْنـى الْقُـرُون الاََْوَّلينا
    فَلَـوْ خِلْـدَ الْمُلُوكُ إِذاً خُلِدْنا وَلَوْ بَقِـيَ الْكِـرامُ إِذاً بَقينا
    فَقُـلْ لِلشّامِتيــنَ بِنا: أَفيقُوا سَيَلْقىَ الشّامِتُونَ كَما لَقينا
    ثُمَّ قالَ: « أَيْمُ وَاللهِ لا تَلْبَثُونَ بَعْدَها إِلاّ كَرَيْثِ ما يُرْكَبُ الْفَرَسُ حَتّى يَدُورَ بِكُمْ دَوْرَ الرَّحى وَتَقْلَقَ بِكُمْ قَلَقَ الْمِحْوَرِ ، عَهْدٌ عَهْدَهُ إِلَيَّ أَبي عَنْ جَدّي ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ، ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةٌ ، ثُمَّ اقُضوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونَ.
    إِنّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبّي وَرَبِّكُمْ ، ما مِنْ دابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتها ، إِنَّ رَبّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ.
    أَللّهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطَرَ السَّماءِ ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنينَ كَسِنَيْ يُوسُفَ ، وَسَلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلامَ ثَقيفٍ يَسُومُهُمْ كَأْساً مُصْبَرَةً ، فَإِنَّهُمْ كَذَّبُونا وَخَذَلُونا ، وَأَنْتَ رَبُّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ ».
    ومثلّ هذا الخطاب الثوري صلابة الاِمام ، وقوّة عزيمته ، وشدّة بأسه ، فقد استهان بأولئك الاَقزام الذين هبّوا إليه يستنجدون به ، ويستغيثون لينقذهم من جور الامويين وظلمهم ، فلما أقبل إليهم انقلبوا عليه رأساً على
    عقب ، فسلّوا عليه سيوفهم وشهروا عليه رماحهم تقرّباً للطغاة والظالمين لهم ، والمستبدّين بشؤونهم في حين أنّه لم يبدو من أولئك الحكام أية بارقة من العدل فيهم ، كما أعلن الاِمام عن رفضه الكامل لدعوة ابن مرجانة من الاستسلام له ، فقد أراد له الذلّ والهوان ، وهيهات أن يرضخ لذلك وهو سبط الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والممثّل الاَعلى للكرامة الاِنسانية ، فقد صمّم على الحرب بأسرته التي مثّلت البطولات ليحفظ بذلك كرامته ، وكرامة الاَمة.
    وقد أخبرهم الاِمام عن مصيرهم بعد قتلهم له أنّهم لا ينعمون بالحياة ، وان الله يسلّط عليهم من يسقيهم كأساً مصبرة ، ويجرعهم الغصص وينزل بهم العذاب الاَليم ، وقد تحقّق ذلك فلم يمض قليل من الوقت بعد اقترافهم لقتل الاِمام حتى ثار عليهم البطل العظيم ، والثائر المجاهد ، ناصر الاِسلام الزعيم الكبير المختار بن يوسف الثقفي فقد ملاَ قلوبهم رعباً وفزعاً ، ونكّل بهم تنكيلاً فظيعاً ، وأخذت شرطته تلاحقهم في كل مكان فمن ظفرت به قتلته أشرّ قتلة ، ولم يفلت منهم إلاّ القليل.
    وقد وجم جيش ابن سعد بعد هذا الخطاب التأريخي الخالد ، وودّ الكثيرون منهم أن تسيخ بهم الاَرض.

    خطاب آخر للامام الحسين
    استجابة الحرّ:
    واستيقظ ضمير الحرّ ، وثابت نفسه إلى الحقّ بعدما سمع خطاب الاِمام ، وجعل يتأمّل ، ويفكّر في تلك اللحظات الحاسمة من حياته فهل يلتحق بالحسين ، ويحفظ بذلك آخرته ، وينقذ نفسه من عذاب الله وسخطه ، أو أنّه يبقى على منصبه كقائد فرقة في الجيش الاَموي ، وينعم بصلات ابن مرجانة ، واختار الحرّ نداء ضميره الحيّ ، وتغلّب على هواه ،
    فصمم على الالتحاق بالاِمام الحسين ( عليه السلام ) وقبل أن يتوجّه إليه أسرع نحو ابن سعد القائد العام للقوات المسلّحة فقال له:
    « أمقاتل هذا الرجل ، .. ».
    ولم يلتفت ابن سعد إلى انقلاب الحرّ فقد أسرع قائلاً بلا تردّد:
    « أي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الاَيدي.. ».
    لقد أعلن ذلك أمام قادة الفرق ليظهر إخلاصه لابن مرجانة ، فقال له الحرّ:
    « أفمالكم في واحدة من الخصال التي عرضها عليكم رضا.. ».
    واندفع ابن سعد قائلاً:
    « لو كان الاَمر لي لفعلت ، ولكن أميرك أبى ذلك.. ».
    ولما أيقن الحرّ أن القوم مصمّمون على حرب الاِمام عزم على الالتحاق بمعسكر الاِمام ، وقد سرت الرعدة بأوصاله ، فأنكر عليه ذلك زميله المهاجر ابن أوس فقال له:
    « والله إن أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل ما أراه الآن ، ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، .. ».
    وأعرب له الحرّ عمّا صمّم عليه قائلاً:
    « إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، ولا اختار على الجنّة شيئاً ولو قطعت وأحرقت .. ».
    وألوى بعنان فرسه نحو الاِمام وكان مطرقاً برأسه إلى الاَرض حياءً وندماً على ما صدر منه تجاه الاِمام ، ولما دنا منه رفع صوته ودموعه تتبلور على خدّيه قائلاً:
    « اللهمّ إليك أُنيب ، فقد أرعبت قلوب أوليائك ، وأولاد نبيّك ، يا أباعبدالله إنّي تائب فهل لي من توبة.. ».
    ونزل عن فرسه ، وأقبل يتضرّع ويتوسّل إلى الاِمام ليمنحه التوبة قائلاً:
    « جعلني الله فداك يا بن رسول الله ، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وجعجعت بك في هذا المكان ، ووالله الذي لا آله إلاّ هو ، ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبداً ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة أبداً ، فقلت في نفسي: لا أُبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ، ولا يرون أني خرجت من طاعتهم ، وأما هم فيقبلون بعض ما تدعوهم إليه ، ووالله لو ظننت أنّهم لا يقبلون منك ما ركبتها منك ، وانّي قد جئتك تائباً مما كان منّي إلى ربّي ، مواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك أفترى لي توبة ، .. ».
    واستبشر به الاِمام ، ومنحه الرضا والعفو ، وقال له:
    « نعم يتوب الله عليك ويغفر.. ».
    وملاَ الفرح قلب الحرّ حينما فاز برضاء ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واستأذنه أن ينصح أهل الكوفة لعلّ بعضهم أن يرجع إلى الحقّ ، ويتوب إلى الرشاد ، فأذن له الاِمام في ذلك ، فانبرى الحرّ إليهم رافعاً صوته: « يا أهل الكوفة لاَمكم الهبل والعبر أدعوتموه حتى إذا أتاكم
    اسلمتموه وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأحطتم به ، ومنعتموه من التوجه إلى بلاد الله العريضة ، حتى يأمن ، ويأمن أهل بيته ، فأصبح كالاَسير ، لا يملك لنفسه نفعاً ، ولا يدفع عنها ضرّاً ، ومنعتموه ومن معه عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهودي والنصراني والمجوسي ، ويتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هو وأهله قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) في ذريّته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا ، وتفزعوا عمّا أنتم عليه... ».
    وودّ الكثير منهم أن تسيخ بهم الاَرض ، فهم على يقين بضلالة حربهم إلاّ أنّهم استجابوا لرغباتهم النفسية في حبّ البقاء ، وتوقح بعضهم فرموا الحرّ بالنبل وكان ذلك ما يملكونه من حجّة في الميدان.

    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:34 pm


    الحرب
    وارتبك ابن سعد حينما علم أن الحرّ قد التحق بمعسكر الاِمام ، وهو من كبار قادة الفرق في جيشه ، وخاف أن يلحتق غيره بالاِمام ، فزحف الباغي الاَثيم نحو معسكر الاِمام ، وأخذ سهماً كأنّه كان نابتاً في قلبه ، فأطلقه صوب الاِمام ، وهو يصيح:
    « اشهدوا لي عند الاَمير أنّي أوّل من رمى الحسين.. ».
    واتخذ بذلك وسيلة لفتح باب الحرب ، وطلب من الجيش أن يشهدوا له عند سيّده ابن مرجانة انه أول من رمى ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليكون أميره على ثقة من إخلاصه ، ووفائه للاَمويين ، وأن ينفي عنه كل شبهة من أنّه غير جادّ في حربه للحسين.
    وتتابعت السهام كأنّها المطر على أصحاب الاِمام ، فلم يبق أحد منهم إلاّ أصابه سهم منها ، والتفت الاِمام إلى أصحابه ، فأذن لهم في الحرب قائلاً:
    « قوموا يا كرام فهذه رسل القوم إليكم.. ».
    وتقدّمت طلائع الشرف والمجد من اصحاب الاِمام إلى ساحة الحرب لتحامي عن دين الله ، وتذبّ عن ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهم على يقين لا يخامرهم أدنى شكّ أنّهم على الحق ، وأن الجيش الاَموي على ضلال ، قد سخط الله عليه وأحلّ به نقمته. لقد تقابل اثنان وثلاثون فارساً ، وأربعون راجلاً من أصحاب الاِمام ( عليه السلام ) مع عشرات الآلاف من الجيش الاَموي ، وكانت تلك القلّة المؤمنة
    كفوءاً لتلك الكثرة التي تملك أضخم العتاد والسلاح ، فقد أبدت تلك القلّة من صنوف البسالة والشجاعة ما يبهر العقول ويحير الاَلباب.

    الحملة الاُولى
    وشنّت قوّات ابن سعد هجوماً عاماً واسع النطاق على أصحاب الاِمام ( عليه السلام ) وخاضوا معهم معركة ضارية ، وقد اشترك فيها المعسكر الاَموي بكامل قطعاته ، وقد انبرى إليهم أصحاب الامام بعزم وإخلاص لم يشهد له نظير في جميع الحروب التي جرت في الاَرض ، فقد كانوا يخترقون جيش ابن سعد بقلوب أقوى من الصخر ، وقد انزلوا بهم خسائر فادحة في الاَرواح والمعدّات.
    وقد استشهد نصف أصحاب الاِمام ( عليه السلام ) في هذه الحملة.

    المبارزة بين المعسكرين
    ولما سقطت الصفوة الطاهرة من أصحاب الاِمام ( عليه السلام ) صرعى على أرض الشهادة والكرامة ، هبّ من بقي منهم إلى المبارزة ، وقد ذعر المعسكر بأسره من بطولاتهم النادرة ، فكانوا يستقبلون الموت بسرور بالغ ، وقد ضجّ الجيش من الخسائر الفادحة التي مُني بها ، وقد بادر عمرو بن الحجاج الرونق الحرفيدي وهو من الاَعضاء البارزين في قيادة جيش ابن سعد فهتف في الجيش ينهاهم عن المبارزة قائلاً: « يا حمقى أتدرون من تقاتلون ، تقاتلون نقاوة فرسان أهل المصر
    وقوماً مستميتين ، فلا يبرز لهم منكم أحد إلاّ قتلوه ، والله لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم.. ».
    وحكت هذه الكلمات ما اتصف به السادة أصحاب الاِمام الحسين من الصفات البارزة فهم فرسان أهل المصر ، وذلك بما يملكونه من الشجاعة ، وقوة الاِرادة وانّهم أهل البصائر فلم يندفعوا إلى نصرة الاِمام ( عليه السلام ) إلاّ على بصيرة من أمرهم ، وليسوا كخصومهم الذين تردّوا في الغواية ، وماجوا في الباطل والضلال ، كما انّهم قوم مستميتون ولا أمل لهم في الحياة.
    لقد توفرت في أصحاب الاِمام جميع النزعات الخيّرة ، والصفات الكريمة من الاِيمان والوعي والشجاعة وشرف النفس ، ويقول المؤرخّون: ان ابن سعد استصوب رأي ابن الحجاج فأوعز إلى قوّاته بترك المبارزة معهم وشنّ عمرو بن الحجاج هجوماً عاماً على من تبقّى من أصحاب الاِمام ، والتحموا معهم التحاماً رهيباً ، واشتدّ القتال كأشدّ ما يكون القتال عنفاًول وقد استنجد عروة بن قيس بابن سعد ليمدّه بالرماة والرجال قائلاً:
    « ألا ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدّة اليسيرة ، ابعث إليهم الرجال والرماة ».
    وطلب ابن سعد من المنافق شبث بن ربعي القيام بنجدته فأبى ، وقال:
    « سبحان الله شيخ مضر ، وأهل المصر عامة ، تبعثه في الرماة لم تجد لهذا غيري!!. ».
    ولما سمع ذلك ابن سعد منه دعى الحصين بن نمير فبعث معه المجفَّفة وخمسمائة من الرماة ، فسددوا لاَصحاب الحسين ( عليه السلام ) السهام فأصابوا خيولهم فعقروها ، فصاروا كأنّهم رجالة ، ولم تزدهم هذه الخسارة إلاّ استبسالاً في القتال ، واستهانة بالموت ، فثبتوا كالجبال الشامخات ، ولم يتراجعوا خطوة واحدة ، وقد قاتل معهم الحرّ بن يزيد الرياحي راجلاً ، واستمرّ القتال كأعنف وأشدّ ما يكون ضراوة ، وقد وصفه المؤرّخون بأنّه أشدّ قتال حدث في التأريخ ، وقد استمرّ حتى انتصف النهار.

    أداء فريضة الصلاة
    وانتصف النهار وحان ميقات صلاة الظهر فوقف المؤمن المجاهد أبو ثمامة الصائدي فجعل يقلب وجهه في السماء كأنّه ينتظر أعزّ شيء عنده وهي أداء صلاة الظهر ، فلما رأى الشمس قد زالت التفت إلى الاِمام قائلاً:
    « نفسي لنفسك الفداء ، أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، والله لا تقتل حتى أقتل دونك ، واحبّ أن ألقى ربّي ، وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها.. ».
    لقد كان الموت منه كقاب قوسين أو أدنى ، وهو لم يغفل عن ذكر ربّه ، ولا عن أداء فرائضه ، وجميع أصحاب الاِمام ( عليه السلام ) كانوا على هذا السمت إيماناً بالله ، وإخلاصاً في أداء فرائضه.
    ورفع الاِمام رأسه فجعل يتأمّل في الوقت فراى أن قد حلّ وقت أداء الفريضة فقال له:
    « ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلّين الذاكرين ، نعم هذا أول وقتها.. » وأمر الاِمام ( عليه السلام ) أصحابه أن يطلبوا من معسكر ابن زياد أن يكفّوا عنهم القتال ليصلّوا لربّهم ، فسألوهم ذلك فانبرى الرجس الخبيث الحصين ابن نمير قائلاً: « أنها لا تقبل » فقال لهُ حبيب بن مظاهر بسخرية:
    « زعمت أن لا تقبل الصلاة من آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقبل منك يا حمار!! ».
    وحمل عليه الحصين فسارع إليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فثبت به الفرس فسقط عنها ، وبادر إليه أصحابه فاستنقذوه.
    واستجاب أعداء الله ـ مكيدة ـ لطلب الاِمام فسمحوا له أن يؤدّي فريضة الصلاة ، وانبرى الاِمام للصلاة ، وتقدّم أمامه سعيد بن عبدالله الحنفي يقيه بنفسه السهام والرماح واغتنم أعداء الله انشغال الاِمام وأصحابه بالصلاة فراحوا يرشقونهم بسهامهم وكان سعيد الحنفي يبادر نحو السهام فيتقيها بصدره ونحره ، ووقف ثابتاً كالجبل لم تزحزحه السهام ، ولا الرماح والحجارة التي اتخدته هدفاً لها ولم يكن يفرغ الاِمام من صلاته حتى أثخن سعيد بالجراح فهوى إلى الاَرض يتخبّط بدمه وهو يقول:
    « اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود ، وأبلغ نبيّك منّي السلام ، وابلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإنّي أردت بذلك ثوابك ونصرة ذريّة نبيّك.. » والتفت إلى الاِمام قائلاً له بصدق وإخلاص:
    « أوفيت يا بن رسول الله؟. ».
    فأجابه الاِمام شاكراً له:
    « نعم أنت أمامي في الجنّة.. ».
    وملئت نفسه فرحاً حينما سمع قول الاِمام ، ثم فاضت نفسه العظيمة إلى بارئها فقد أصيب بثلاثة عشر سهماً عدا الضرب والطعن وكان هذا منتهى ما وصل إليه الوفاء ، والاِيمان ، والولاء للحقّ.

    مصرع بقيّة الاَنصار
    وتسابقت البقيّة الباقية من أصحاب الاِمام من شيوخ وشباب ، وأطفال إلى ساحات المعركة ، وقد أبلوا بلاءً حسناً يقصر عنه كل وصف واطراء ، وقد جاهدوا جهاداً لم يعرف التأريخ له نظيراً في جميع عمليات الحروب التي جرت في الاَرض ، فقد قابلوا على قلّة عددهم الجيوش المكثفة ، وانزلوا بها أفدح الخسائر ، ولم تضعف لاَي رجل منهم عزيمة ، ولم تلن لهم قناة ، وقد خضبوا جميعاً بالدماء ، وهم يشعرون الغبطة ، ويشعرون بالفخار.
    وقد وقف الاِمام العظيم على مصارعهم ، فكان يتأمّل بوجهه الوديع فيهم ، فيراهم مضمخين بدم الشهادة ، فكان يقول:
    « قتلة كقتلة النبيّين وآل النبيّين.. ».
    لقد سمت أرواحهم الطاهرة إلى الرفيق الاَعلى ، وقد حازوا الفخر الذي لا فخر مثله ، فقد سجلوا شرفاً لهذه الاَمة لا يساويه شرف ، وأعطوا للاِنسانية أفضل ما قُدّم لها من عطاء على امتداد التأريخ.
    وعلى أيّ حال فقد شارك أبو الفضل العبّاس الاَنصار الممجدين في جهادهم وخاض معهم غمار الحرب ، وكانوا يستمدّون منه البسالة ، وقوّة الاِرادة والعزم على التضحية ، وقد أنقذ بعضهم حينما وقع عليه التفاف من بعض قطعات الجيش الاَموي.

    مصارع آل النبيّ
    وبعدما سقطت الصفوة الطيّبة من أصحاب الاِمام ( عليه السلام ) صرعى وهي معطرة بدم الشهادة والكرامة ، هبّت أبناء الاَسرة النبوية كالاَسود الضارية للدفاع عن ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والذبّ عن عقائل النبوة ومخدّرات الرسالة ، وأول من تقدّم إلى البراز منهم شبيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خلقاً وخُلقاً عليّ الاَكبر ( عليه السلام ) فقد آثر الموت وسخر من الحياة في سبيل كرامته ، ولا يخضع لحكم الدعيّ ابن الدعيّ ، ولما رآه الاِمام أخذ يطيل النظر إليه ، وقد ذابت نفسه أسىً وحسرات ، وأشرف على الاحتضار ، فرفع شيبته الكريمة نحو السماء وراح يقول بحرارة وألم ممض:
    « اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمّد ( صلى الله عليه وآله ) خلقاً وخُلُقاً ومنطقاً ، وكنّا اذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه... اللهمّ امنعهم بركات الاَرض وفرقهم تفريقاً ، ومزّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قددا ولا ترضي الولاة عنهم أبداً ، فانّهم دعونا لينصرونا ، ثم عدّوا علينا يقاتلوننا... ».
    لقد تجسّدت صفات الرسول الاَعظم النفسية والخلقية بحفيده عليّ الاَكبر ( عليه السلام ) ، وأعِظم بهذه الثروة التي ملكها سليل هاشم وفخر عدنان ، وقد تقطع قلب الاِمام ( عليه السلام ) على ولده ، فصاح بابن سعد:
    « مالك قطع الله رحمك ، ولا بارك لك في أمرك ، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم تلا قوله تعالى: (ان الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم).. ».
    وشيّع الاِمام ( عليه السلام ) فلذة كبده وهو غارق بالاَسى والحسرات وخلفه عقائل النبوة ، وقد علا منهنّ الصراخ والعويل على شبيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي ستتناهب شلوه السيوف والرماح وبرز الفتى مزهواً إلى حومة الحرب ، لم يختلج في قلبه خوف ولا رعب ، وهو يحمل هيبة جدّه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وشجاعة جدّه الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبأس حمزة عمّ أبيه ، واباء الحسين ، وتوسّط حراب الاَعداء ، وهو يرتجز بفخر وعزّة قائلاً:
    أنا عليّ بن الحسين بن علي نحن وربّ البيت أولى بالنبيّ
    تالله لا يحكم فينا ابن الدعي
    أجل ـ يا بن الحسين ـ فخر هذه الاَمة ، ورائد نهضتها وكرامتها ، أنت وأبوك أحقّ بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وأولى بمركزه ومقامه من هؤلاء الاَدعياء الذين حوّلوا حياة المسلمين إلى جحيم لا يطاق.
    وأعلن عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) في رجزه عن عزمه الجبّار وإرادته الصلبة ، وانّه يؤثر الموت على الذلّ والخنوع للدعي ابن الدعيّ ، وقد ورث هذه الظاهرة من أبيه سيّد الاَباة في الاَرض ، والتحم فخر هاشم مع أعداء الله ، وقد ملاَ قلوبهم رعباً وفزعاً ، وقد أبدى من الشجاعة والبسالة ما يقصر عنه الوصف ، ويقول المؤرّخون: انّه ذكرهم ببطولات جدّه الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي هو أشجع إنسان خلقه الله ، فقد قتل فيما يقول المؤرّخون مائة وعشرين فارساً سوى المجروحين ، وألحّ عليه العطش ، واُضر به الظمأ فقفل راجعاً إلى أبيه يطلب منه جرعة من الماء ، ويودعه الوداع الاَخير واستقبله أبوه بأسى ، فبادر عليّ قائلاً:
    « يا أبة العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل الى شربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الاَعداء ، .. ».
    والتاع الاِمام كأشدّ ما تكون اللوعة ألماً ومحنة ، فقال له بصوت خافت ، وعيناه تفيضان دموعاً:
    « واغوثاه ، ما أسرع الملتقى بجدّك ، فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبداً.. ».
    وأخذ لسانه فمصّه ليريه ظمأه فكان كشقّة مبرد من شدّة العطش ودفع إليه خاتمه ليضعه في فيه.
    لقد كان هذا المنظر الرهيب من أقسى ما فجع به ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لقد رأى فلذة كبده وهو في ريعان الشباب وغضارة العمر كالبدر في بهائه قد استوعبت الجراحات جسمه الشريف ، وقد اشرف على الموت من شدّة العطش ، وهو لم يستطع أن يسعفه بجرعة ماء ، يقول الحجّة الشيخ عبد الحسين صادق:
    يشكو لخير أب ظماه وما اشتكى ظمأ الحشا الا الى الظامي الصدي
    كُـلِّ حـشاشتـه كـصالية الغضا ولسـانه ظـمأ كـشقّة مبـرد
    فانصاع يؤثره عليه بريقه لو كان ثمة ريقة لم يجمد
    وقفل فخر هاشم إلى ساحة الحرب ، قد فتكت الجروح بجسمه الشريف وفتت العطش قلبه ، وهو لم يحفل بما هو فيه من آلام لا تطاق ، وانما استوعبت مشاعره وعواطفه وحدة أبيه يراه وقد أحيط به من كل جانب ومكان ، وجميع قطعات الجيش متعطشة إلى سفك دمه لتتقرب به إلى ابن مرجانة ... وجعل عليّ بن الحسين يرتجز أمام الأعداء :
    الحـرب قد بانت لها حقائق وظهرت من بعدها مصادق
    والله رب العرش لا نفارق جموعكم أو تغمد البوارق
    لقد تجلت حقائق الحرب ، وبرزت معالمها وأهدافها بين الفريقين ، فالإمام الحسين إنما يناضل من أجل رفع الغبن الاجتماعي ، وضمان حقوق المظلومين والمضطهدين وتوفير الحياة الكريمة لهم ، والجيش الأموي انما يقاتل من أجل استعباد الناس وجعل المجتمع بستاناً للامويين يستغلون جهودهم ، ويرغمونهم على ما يكرهون ، وأعلن علي بن الحسين ـ في رجزه ـ أنه سيبقى يناضل عن الأهداف النبيلة والمبادئ العليا حتى تغمد البوارق .
    وجعل نجل الحسين يقاتل أشد القتال وأعنفه حتى قتل تمام المائتين وقد ضج العسكر من شدة الخسائر الفادحة التي مُني بها ، فقال الرجس الخبيث مرة بن منقذ العبدي عليّ آثام العرب إن لم أثكل أباه وأسرع الخبيث الدنس إلى شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله فطعنه بالرمح في ظهره
    وضربة ضربة غادرة بالسيف على رأسه ، ففلق هامته فاعتنق الفتى فرسه ظنا منه أنه سيرجعه إلى أبيه ليودعه الوداع الأخير إلا أن الفرس حمله إلى معسكر الأعداء ، فأحاطوا به من كل جانب ، فقطعوه بسيوفهم إربا إربا تشفيا منه لما ألحقه بهم من الخسائر الفادحة ، ورفع الفتى صوته :
    « عليك مني السلام أبا عبدالله ، هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وآله قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها ، وهو يقول : ان لك كأسا مذخورة ... ».
    وحمل الأثير هذه الكلمات إلى ابيه فقطعت قلبه ، ومزقت أحشاءه ففزع إليه وهو خائر القوى مهندّ الركن ، قد أشرف على الموت ، فوضع خدّه على خد ولده ، وهو جثة هامدة ، قد قطعت شلوه السيوف فأخذ يذرف أحرّ الدموع ، وهو يقول بصوت خافت قد حمل شظايا قلبه الممزق :
    « قتل الله قوما قتلوك ، يا بني ما أجرأهم على الله ، وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا ... » .
    وكان العباس عليه السلام إلى جانب أخيه ، وقد ذاب قلبه وذهبت نفسه حزنا وأسى على ما حل بهم من عظيم الكارثة وأليم المصاب ، لقد قتل ابن أخيه الذي كان ملء فم الدنيا في فضائله ومآثره ، فما أعظم رزيته ، وما أجلّ مصابه !!
    وهرعت الطاهرة حفيدة النبي صلى الله عليه وآله زينب عليها السلام إلى جثمان ابن أخيها فانكبت عليه تضمخه بدموعها ، وهي صارخة معولة تندبه بأشجى ما تكون الندبة قائلة :
    « وابن أخاه ... » .
    « واثمرة فؤاداه .. » .
    وأثر منظرها الحزين في نفس الإمام ، فجعل يعزيها بمصابها الأليم وهو بحالة المحتضر ، ويردد بأسى :
     « على الدنيا بعدك العفا يا ولدي ... » .
    لك الله يا أبا عبدالله على هذه الكوارث التي تميد بالصبر ، وتهتز من هولها الجبال ، لقد تجرعتها في سبيل هذا الدين الذي عبثت به العصابة المجرمة من الأمويين وعملائهم .

    مصارع آل عقيل
    وهبت الفتية الأماجد من آل عقيل إلى الجهاد لتفدي إمام المسلمين وريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وهي ساخرة من الحياة ومستهينة بالموت وقد نظر الإمام عليه السلام إلى بسالتهم واندفاعهم بشوق إلى الذب عنه ، فقال :
    « اللهم اقتل قاتل آل عقيل ، صبرا آل عقيل ان موعدكم الجنة ... » .
    وقد ألحقوا بالعدو خسائر فادحة ، فقد قاتلوا كالأسود الضارية وعلوا بإرادتهم ، وعزمهم الجبار على جميع فصائل ذلك الجيش وقد استشهد منهم تسعة من أطائب الشباب ، ومن مفاخر أبناء الأسرة النبوية ، وفيهم يقول الشاعر :
    عين جودي بعبرة وعويل واندبي إن ندبت آل الرسول
    سبعة كلهم لصلب علي قد أصيبوا وتسعة لعقيل
    وقد صعدت أرواحهم الطاهرة إلى الفردوس الأعلى حيث مقر النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

    مصارع أبناء الحسن
    وسارعت الفتية من أبناء الامام الزكي أبي محمد عليه السلام إلى نصرة عمهم والذب عنه ، وقلوبهم تنزف دماً على ما حل به من عظيم الكوارث والخطوب وكان من بينهم القاسم ، وقد وصفه المؤرخون بأنه كالقمر في جمال طلعته وبهائه وقد غذاه عمه بمواهبه ، وأفرغ عليه أشعة من روحه حتى صار من أمثلة الكمال والآداب .
    وكان القاسم وبقية اخوانه يتطلعون إلى محنة عمهم ، ويودون أن يردوا عنه عوادي الأعداء بدمائهم وأرواحهم ، وكان القاسم يقول : « لا يقتل عمي وأنا حي » .
    وانبرى القاسم يطلب الإذن من عمه ليجاهد بين يديه ، فاعتنقه الإمام ، وعيناه تفيضان دموعا ، وأبى أن يأذن له إلا أن الفتى ألح عليه ، وأخذ يقبل يديه ورجليه ليسمح له بالجهاد ، فأذن له ، وانطلق رائد الفتوة الإسلامية إلى ساحة الحرب ، ولم يضف على جسده الشريف لامة حرب ، محتقراً لأولئك الوحوش ، وقد التحم معهم يحصد رؤوسهم ، ويجندل أبطالهم كأن المنايا كانت طوع إرادته ، وبينما هو يقاتل إذ انقطع شسع نعله الذي هو أشرف من ذلك الجيش ، وأنف سليل النبوة والإمامة أن تكون إحدى رجليه بلا نعل فوقف يشده متحديا لهم ، واغتنم هذه الفرصة كلب من كلاب ذلك الجيش وهو عمرو بن سعد الأزدي فقال : والله لأشدن عليه ، فأنكر عليه ذلك حميد بن مسلم ، وقال له :
    « سبحان الله !! وما تريد بذلك ، يكفيك هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم ... » .
    فلم يعن الخبيث به ، وشد عليه فضربه بالسيف على راسه الشريف فهوى إلى الأرض كما تهوي النجوم صريعا يتخبط بدمه القاني ، ونادى بأعلى صوته :
    « يا عماه أدركني .. ».
    وكان الموت أهون على الإمام من هذا النداء ، فقد تقطع قلبه وفاضت نفسه أسى وحسرات ، وسارع نحو ابن أخيه فعمد إلى قاتله فضربه بالسيف ، فاتقاها بساعده فقطعها من المرفق ، وطرحه أرضا ، وحملت خيل أهل الكوفة لاستنقاذه إلا أن الأثيم هلك تحت حوافر الخيل ، وانعطف الإمام نحو ابن أخيه فجعل يوسعه تقبيلا والفتى يفحص بيديه ورجليه كالطير المذبوح ، وجعل الإمام يخاطبه بذوب روحه :
    « بعدا لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك ، عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوت ، والله هذا يوم كثر واتره ، وقل ناصره ... » .
    وحمل الإمام ابن أخيه بين ذراعيه ، وهو يفحص بيديه ورجليه حتى فاضت نفسه الزكية بين يديه ، وجاء به فألقاه بجوار ولده عليّ الأكبر ، وسائر القتلى الممجدين من أهل بيته ، وأخذ يطيل النظر إليهم وقد تصدع قلبه ، وأخذ يدعو على السفكة المجرمين من أعدائه الذين استباحوا قتل ذرية نبيهم ، قائلا :
    « اللهم احصهم عددا ، ولا تغادر منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبدا صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً ... » .
    وبرز من بعده عون بن عبدالله بن جعفر ، ومحمد بن عبدالله بن جعفر وأمهما العقيلة الطاهرة حفيدة الرسول صلى الله عليه وآله زينب الكبرى عليها السلام وقد نالا شرف الشهادة مع حفيد النبي وريحانته ، ولم يبق بعد هؤلاء الصفوة من أهل البيت عليهم السلام إلا أخوة الإمام الحسين عليه السلام وفي طليعتهم أخوه أبو الفضل العباس عليه السلام وكان إلى جانب أخيه كقوة ضاربة يحميه من أي اعتداء عليه ، وقد شاركه في جميع آلامه وأحزانه .

    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:36 pm


    على ضفاف العلقمي
    وذاب قلب أبي الفضل أسىً وحزناً ، وودّ أن المنيّة قد اختطفته ، ولا يشاهد تلك الكوارث والخطوب التي تذهل كل كائن حيّ ، وتميد بالصبر ، ولا يقوى على تحملها أي إنسان إلاّ أولي العزم من أنبياء الله الذين امتحن الله قلوبهم للاِيمان واصطفاهم على عباده.
    ومن بين تلك الكوارث المذهلة التي عاناها أبو الفضل عليه السلام أنّه كان يستقبل في كل لحظة شاباً أو غلاماً لم يراهق الحلم من أهل بيته قد مزّقت أشلاءهم سيوف الاَمويين وحرابهم ، ويسمع صراخ بنات الرسالة ، وعقائل النبوة ، وهنّ يلطمن وجوههن ، ويندبن بأشجى ما تكون الندبة أُولئك البدور الذين تضمخوا بدم الشهادة دفاعاً عن ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله ... ومن بين المحن الشاقة التي عاناها أبو الفضل عليه السلام أنّه يرى أخاه ، وشقيق روحه الاِمام الحسين عليه السلام قد أحاطت به أوغاد اهل الكوفة لتتقرّب بقتله إلى سليل الاَدعياء ابن مرجانة ، وقد زادته هذه المحن إيماناً وتصميماً على مناجزة أعداء الله ، وبذله حياته فداءً لسبط رسول الله صلى الله عليه وآله .
    ونعرض ـ يإيجاز ـ إلى شهادته وما رافق ذلك من أحداث.

    العباس مع أخوته
    وانبرى بطل كربلاء إلى أشقّائه بعد شهادة الفتية من أهل البيت عليهم السلام فقال لهم :
    «تقدّموا يا بني أمّي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله ، فانه لا ولد لكم...».
    لقد طلب من اخوانه الممجدين أن يقدموا نفوسهم قرابين لدين الله ، وأن ينصحوا في جهادهم لله ورسوله ، ولم يلحظ في تضحيتهم أي اعتبار آخر من النسب وغيره ، والتفت أبو الفضل إلى أخيه عبدالله فقال له:
    «تقدّم يا أخي حتى أراك قتيلاً ، واحتسبك..».
    واستجابت الفتية إلى نداء الحق فهبّوا للدفاع عن سيّد العترة وإمام الهدى الحسين عليه السلام .

    قول رخيص
    ومن أهزل الاَقوال ، وأبعدها عن الحق ما ذكره ابن الاَثير ان العباس عليه السلام قال لاَخوته: «تقدّموا حتى أرثكم ، فانه لا ولد لكم..».
    لقد قالوا بذلك ، ليقلّلوا من أهمية هذا العملاق العظيم الذي هو من ذخائر الاِسلام ، ومن مفاخر المسلمين ، وهل من الممكن أن يفكّر فخر هاشم في الناحية المادية في تلك الساعة الرهيبة التي كان الموت المحتم منه كقاب قوسين أو أدنى ، مضافاً إلى الكوارث التي أحاطت به ، فهو يرى أخاه قد أحاطت به جيوش الاَمويين ، وهو يستغيث فلا يغاث ، ويسمع صراخ عقائل النبوة ومخدرات الرسالة ، فقد كان همّه الوحيد الرحيل من الدنيا ، واللحوق بأهل بيته الذين حصدتهم سيوف الاَمويين ، وبالاضافة لهذا كله فان السيدة أم البنين أم السادة الاَماجد كانت حيّة فهي التي تحوز ميراث أبنائها لاَنها من الطبقة الاَولى لو كان لاَبنائها أموال فان أباهم الاِمام أمير المؤمنين قد انتقل من هذه الدنيا ولم يخلف صفراءً ولا بيضاء ، فمن أين جاءت أبناءه الاَموال... ومن المحتمل قوياً أن يكون الوارد في كلام سيّدنا أبي الفضل عليه السلام «حتّى أثأركم..» أي أطلب بثاركم فحرّف كلامه.



    مصارع اخوة العبّاس
    واستجاب السادة اخوة العباس إلى نداء أخيهم فهبّوا للجهاد ، ووطّنوا نفوسهم على الموت دفاعاً عن أخيهم ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقد برز عبدالله ابن أمير المؤمنين عليه السلام والتحم مع جيوش الامويين وهو يرتجز:
    شيخي علي ذو الفخار الاَطول من هاشم الخير الكريم المفضل
    هذا حسين بـن النبي المرسل عنه نحامـي بالحسام المصقل
    تفديه نفســي من أخ مبجّل يا رب فامنحنـي ثواب المنزل
    لقد أعرب بهذا الرجز عن اعتزازه وافتخاره بأبيه الامام أمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة علم النبيّ صلى الله عليه وآله ووصيه ، كما اعتزّ بأخيه سيّد شباب أهل الجنّة الاِمام الحسين عليه السلام ، وقد أعلن أنّه انّما يدافع عنه لاَنّه ابن النبيّ صلى الله عليه وآله ويلتمس بذلك أن يمنحه الله الدرجات الرفيعة.
    ولم يزل الفتى يقاتل أعنف القتال وأشدّه حتى شدّ عليه رجس من أرجاس أهل الكوفة وهو هاني بن ثبيت الحضرمي فقتله.
    وبرز من بعده أخوه جعفر ، وكان له من العمر تسعة عشر سنة فجعل يقاتل قتال الاَبطال فبرز إليه قاتل أخيه فقتله.
    وبرز من بعده أخوه عثمان وهو ابن إحدى وعشرين سنة فرماه خولي بسهم فأضعفه ، وشدّ عليه رجس من بني دارم وأخذ رأسه ليتقرّب به إلى ابن الاَمة الفاجرة عبيدالله بن مرجانة.
    لقد سمت أرواحهم الطاهرة إلى الرفيق الاَعلى ، وهي أنضر ما تكون تفانياً في مرضاة الله ، وأشدّ ما تكون إيماناً بعدالة تضحيتهم التي هي من أنبل التضحيات في العالم.
    ووقف أبو الفضل على اشقّائه الذين مزّقت أشلاءهم سيوف الاَعداء فجعل يتأمّل في وجوههم المشرقة بنور الاِيمان ، وأخذ يتذكّر وفاءهم ، وسموّ آدابهم ، وأخذ يذرف عليهم أحرّ الدموع ، وتمنّى أن تكون المنيّة قد وافته قبلهم ، واستعدّ بعد ذلك إلى الشهادة ، والفوز برضوان الله.

    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer الأربعاء 23 ديسمبر 2009, 4:38 pm


    مصرع أبي الفضل
    ولما رأى أبو الفضل عليه السلام وحدة أخيه ، وقتل أصحابه ، وأهل بيته الذين باعوا نفوسهم لله انبرى إليه يطلب الرخصة منه ليلاقي مصيره المشرق فلم يسمح له الاِمام ، وقال له بصوت حزين النبرات:
    «أنت صاحب لوائي..».
    لقد كان الاِمام يشعر بالقوّة والحماية ما دام أبو الفضل فهو كقوة ضاربة إلى جانبه يذبّ عنه ، ويردّ عنه كيد المعتدين ، وألحّ عليه أبو الفضل قائلاً:
    « لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين ، وأريد أن آخذ ثأري منهم..».
    لقد ضاق صدره ، وسئم من الحياة حينما رأى النجوم المشرقة من أخوته ، وأبناء عمومته صرعى مجزرين على رمضاء كربلاء فتحرّق شوقاً للاَخذ بثأرهم والالتحاق بهم.
    وطلب الاِمام منه أن يسعى لتحصيل الماء إلى الاَطفال الذين صرعهم العطش فانبرى الشهم النبيل نحو أولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة والرأفة فجعل يعظهم ، ويحذّرهم من عذاب الله ونقمته ، ووجّه خطابه بعد ذلك إلى ابن سعد:
    «يا بن سعد هذا الحسين بن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته ، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء ، قد احرق الظمأ قلوبهم ، وهو مع ذلك يقول: « دعوني أذهب إلى الروم أو الهند ، وأخلّي لكم الحجاز والعراق..».
    وساد صمت رهيب على قوّات ابن سعد ، ووجم الكثيرون ، وودّوا أن الاَرض تسيخ بهم ، فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فردّ عليه قائلاً:
    يا بن أبي تراب ، لو كان وجه الاَرض كلّه ماءً ، وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلاّ أن تدخلوا في بيعة يزيد . . .
    لقد بلغت الخسّة ، ولؤم العنصر ، وخبث السريرة بهذا الرجس إلى مستوى ما له من قرار... وقفل أبو الفضل راجعاً إلى أخيه فأخبره بعتوّ القوم وطغيانهم ، وسمع فخر عدنان صراخ الاَطفال ، وهم يستغيثون ، وينادون:
    «العطش العطش..».
    ورآهم أبو الفضل قد ذبلت شفاهم ، وتغيّرت ألوانهم ، وأشرفوا على الهلاك ، من شدّة العطش ، وفزع أبو الفضل ، وسرى الاَلم العاصف في محيّاه ، واندفع ببسالة لاِغاثتهم ، فركب فرسه ، وأخذ معه القربة ، فاقتحم الفرات ، فانهزم الجيش من بين يديه ، واستطاع أن يفكّ الحصار الذي فرض على الماء ، فاحتلّه ، وكان قلبه الشريف كصالية الغضا من شدّة العطش ، فاغترف من الماء غرفة ليشرب منه ، إلاّ أنه تذكّر عطش أخيه ، ومن معه من النساء والاَطفال ، فرمى الماء من يده ، وامتنع أن يروي غليله ، وقال:
    يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني
    هذا الحسيـن وارد المنـون وتشربيـن بارد المعين
    تالله ما هذا فعال ديني
    ان الاِنسانية بكل إجلال واحترام لتحيّي هذه الروح العظيمة التي تألّقت في دنيا الفضيلة والاِسلام وهي تلقي على الاَجيال أروع الدروس عن الكرامة الاِنسانية.
    ان هذا الاِيثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان كان من أبرز الذاتيات في خلق سيّدنا أبي الفضل ، فلم تمكّنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان أن يشرب من الماء قبله ، فأي إيثار أنبل أو أصدق من هذا الاِيثار ، ... واتجه فخر هاشم مزهواً نحو المخيم بعدما ملاَ القربة ، وهي عنده أثمن من حياته ، والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً فقد أحاطوا به من كلّ جانب ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبيّ صلى الله عليه وآله ، وأشاع فيهم القتل والدمار وهو يرتجز:
    لا أرهـب الموت اذ المـوت زقا حتى أواري في المصاليت لقى
    نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا إني أنا العبـاس أغـدو بالسقا
    ولا أخاف الشرّ يــوم الملتقى
    لقد أعلن بهذا الرجز عن شجاعته النادرة ، وانّه لا يخشى الموت ، وانّما يستقبله بثغر باسم دفاعاً عن الحق ، وفداءً لاَخيه سبط النبيّ صلى الله عليه وآله .. وانه لفخور أن يغدو بالسقاء مملوءً من الماء ليروي به عطاشى أهل البيت.
    وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب ، فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ، ومحطّم فلول الشرك ، إلاّ ان وضراً خبيثاً من جبناء أهل الكوفة كمن له من وراء نخلة ، ولم يستقبله بوجهه ، فضربه على يمينه ضربة غادرة فبراها ، لقد قطع تلك اليد الكريمة التي كانت تفيض برّاً وكرماً على المحرومين والفقراء ، والتي طالما دافع بها عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، ولم يعن بها بطل كربلاء وراح يرتجز:
    والله ان قطعتـم يميني انّي أحامي أبداً عن ديني
    وعن إمام صادق اليقين نجل النبيّ الطاهر الاَمين
    ودلل بهذا الرجز على الاَهداف العظيمة ، والمثل الكريمة التي يناضل من أجلها فهو انّما يناضل دفاعاً عن الاِسلام ، ودفاعاً عن إمام المسلمين وسيّد شباب أهل الجنّة.
    ولم يبعد العباس قليلاً حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية وهو الحكيم بن الطفيل الطائي فضربه على يساره فبراها ، وحمل القربة بأسنانه ـ حسبما تقول بعض المصادر ـ وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت عليهم السلام وهو غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء وألم الجراح ، وشدّة العطش ، وكان ذلك حقّاً هو منتهى ما وصلت إليه الاِنسانية من الشرف والوفاء والرحمة... وبينما هو يركض وهو بتلك الحالة إذ أصاب القربة سهم غادر فأريق ماؤها ، ووقف البطل حزيناً ، فقد كان إراقة الماء عنده أشدّ عليه من قطع يديه ، وشدّ عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته ، وهوى إلى الاَرض ، وهو يؤدّي تحيّته ، ووداعه الاَخير إلى أخيه قائلاً:
    «عليك منّي السلام أبا عبدالله...».
    وحمل الاَثير محنته إلى أخيه فمزّقت قلبه ، ومزّقت أحشاءه ، وانطلق نحو نهر العلقمي حيث هوى إلى جنبه أبو الفضل ، واقتحم جيوش الاَعداء ، فوقف على جثمان أخيه فألقى بنفسه عليه ، وجعل يضمخه بدموع عينيه ، وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزّقته الكوارث قائلاً:
    «الآن انكسر ظهري ، وقلّت حيلتي ، وشمت بي عدويّ...».
    وجعل إمام الهدى يطيل النظر إلى جثمان أخيه ، وقد انهارت قواه ، وانهدّ ركنه وتبددت جميع آماله ، وودّ أن الموت قد وافاه قبله ، وقد وصف السيّد جعفر الحلّي حالته بقوله:
    فمشى لمصرعه الحسين وطرفه بيـن الخيـام وبينـه مـتقسم
    ألفـاه محجـوب الجمال كـأنّه بـدر بمنحطـم الـوشيج ملثم
    فأكب منحنيـاً عليـه ودمعـه صبـغ البسيط كأنّما هـو عندم
    قـد رام يلثمه فلم يـر موضعاً لـم يدمه عـضّ السلاح فيلثم
    نـادى وقد ملاَ البوادي صيحة صـم الصخـور لهولهـا تتألّم
    أأخـي يهرونق الحرف النعيم ولـم أخل ترضى بأن أرزى وأنت مـنعم
    أأخي مـن يحمي بنـات محمد اذ صرن يسترحمن من لا يرحم
    مـا خلت بعدك أن تشلّ سواعدي وتكف بـاصرتي وظهري يقصم
    لسـواك يـلطم بـالاَكف وهـذه بيض الضبا لك فـي جبيني تلطم
    ما بين مصرعك الفضيع ومصرعي إلاّ كمـا أدعـوك قبـل وتنعـم
    هـذا حسامك من يذلّ بـه العـدا ولـواك هـذا مـن بـه يتقـدم
    هونت يا باابن أبي مصارع فتيتي والجـرح يسكنـه الذي هـو آلم
    وهو وصف دقيق للحالة الراهنة التي حلّت بسيّد الشهداء بعد فقده لاَخيه ووصف شاعر آخر وهو الحاج محمد رضا الاَزري وضع الاِمام عليه السلام بقوله:
    وهـوى عليـه مـا هنـالك قائلاً اليوم بان عـن اليميـن حسـامها
    اليـوم سـار عـن الكتائب كبشها اليوم بـان عـن الهـداة امـامها
    اليـوم آل إلـى التفـرق جمعنـا اليـوم حلّ عـن البنود نـظامها
    اليوم نـامت أعيـن بـك لـم تنم وتسهّـدت أخـرى فعـز منامها
    اشقيق روحي هل تراك علمت ان غـودرت وانثالت عليك لئـامها
    قد خلت اطبقت السماء على الثرى أو دكـدكت فـوق الربى أعلامها
    لكـن أهـان الخطب عندي انني بك لاحق أمـراً قضـى علامهـا
    ومهما قال الشعراء والكتّاب فانهم لا يستطيعون أن يصفون ما ألمّ بالاِمام من فادح الحزن ، وعظيم المصاب ، ووصفه أرباب المقاتل بأنّه قام من أخيه وهو لايتمكّن أن ينقل قدميه ، وقد بان عليه الانكسار ، وهو الصبور ، واتجه صوب المخيّم ، وهو يكفكف دموعه ، فاستقبلته سكينة قائلة:
    «أين عمّي أبو الفضل ، ..».
    فغرق بالبكاء ، واخبرها بنبرات متقطّعة من شدّة البكاء بشهادته ، وذعرت سكينة ، وعلا صراخها ، ولما سمعت بطلة كربلاء حفيدة الرسول صلى الله عليه وآله بشهادة أخيها الذي ما ترك لوناً من ألوان البرّ والمعروف إلاّ قدّمه لها أخذت تعاني آلام الاحتضار ، ووضعت يدها على قلبها المذاب ، وهي تصيح:
    «وا أخاه ، واعبّاساه ، وا ضعيتنا بعدك...».
    يالهول الفاجعة.
    يالهول الكارثة.
    لقد ضجّت البقعة من كثرة الصراخ والبكاء ، وأخذت عقائل النبوة يلطمن الوجوه وقد أيقن بالضياع بعده ، وشاركهنّ الثاكل الحزين أبو الشهداء في محنتهنّ ومصابهنّ ، وقد علا صوته قائلاً:
    «واضيعتنا بعدك يا أبا الفضل...».
    لقد شعر أبو عبدالله عليه السلام بالضيعة والغربة بعد فقده لاَخيه الذي ليس مثله أخ في برّه ووفائه ومواساته ، فكانت فاجعته به من أقسى ما مُني به من المصائب والكوارث.
    وداعاً يا قمر بني هاشم.
    وداعاً يا فجر كل ليل.
    وداعاً يا رمز المواساة والوفاء.
    سلام عليك يوم ولدت ، ويوم استشهدت ، ويوم تُبعث حيّاً.

    نونو
    نونو
    رونق برونزي
    رونق برونزي


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    الاوسمة : ابو الفضل العباس من موقع الكفيل Ouoouu10
    عدد المساهمات : 483
    تاريخ التسجيل : 28/10/2009
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف نونو الخميس 24 ديسمبر 2009, 3:39 pm

    شكرا جزيلا اخي امير على هذا الموضوع الرائع
    بارك الله فيك
    ابن البصرة
    ابن البصرة
    رونق برونزي
    رونق برونزي


    رسالة sms رسالة sms : السلام عليكم شباب
    الاوسمة : وسام التميز
    عدد المساهمات : 313
    تاريخ التسجيل : 15/10/2009
    العمر : 44
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ابن البصرة الجمعة 25 ديسمبر 2009, 4:27 pm

    بارك الله فيك اخي العزيز
    معلومات جدا رائعة
    تقبل تحياتي
    وجدان
    وجدان
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : وجدان

    .
    .
    معكم

    الاوسمة : [img][/img]
    عدد المساهمات : 123
    تاريخ التسجيل : 26/12/2009
    العمر : 29
    الموقعرونق الحرف

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف وجدان السبت 26 ديسمبر 2009, 2:54 pm

    السلام على قطيع الكفين
    السلام على ناصر الحسين
    شكرا اخي امير
    تحياتي

    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer السبت 26 ديسمبر 2009, 4:00 pm

    نونو كتب:
    شكرا جزيلا اخي امير على هذا الموضوع الرائع
    بارك الله فيك


    شكرا نونو على المرور الطيب
    دمت بخير
    ameer
    ameer
    رونق فعال
    رونق فعال


    رسالة sms رسالة sms : اكتب النص هنا
    عدد المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 21/12/2009

    هام رد: ابو الفضل العباس من موقع الكفيل

    مُساهمة من طرف ameer السبت 26 ديسمبر 2009, 4:04 pm

    نونو كتب:
    شكرا جزيلا اخي امير على هذا الموضوع الرائع
    بارك الله فيك


    شكرا نونو على المرور الطيب
    دمت بخير

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 07 مايو 2024, 5:14 pm