مناظرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع الطبيب هندي
في علل بعض خصوصيات أعضاء البدن
حضر الإمام الصادق ( عليه السلام ) مجلس المنصور يوماً ، وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب ، فجعل ( عليه السلام ) ينصت لقراءته ، فلمَّا فرغ الهندي قال له : يا أبا عبد الله ، أتريد ممَّا معي شيئاً ؟ قال ( عليه السلام ) :
( لاَ ، فَإِنَّ مَعِي مَا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا مَعَكَ ) ، قال : وما هو ؟ ، قال ( عليه السلام ) :
( أُدَاوِي الحَارَّ بِالبَارِدِ ، وَالبَارِدَ بِالحَارِّ ، والرَّطِبَ باليَابِسِ ، واليَابِسَ بالرَّطِبِ ، وَأرُدُّ الأمْرَ كلَّهُ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأستَعْمِلُ مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَأعْلَم أنَّ المَعدَة بَيتُ الدَّاءِ ، وَأنَّ الحِمْيةَ هِي الدَّوَاءُ ، وَأعوِّدَ البَدَنَ مَا اعْتَادَ ) .
فقال الهندي : وهل الطبُّ إِلاَّ هذا ؟ فقال ( عليه السلام ) :
( أَفَتَرانِي عَنْ كُتُبِ الطِّبِّ أخَذْتُ ؟ ) قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) :
( لاَ وَاللهِ ، مَا أخَذْتُ إِلاَّ عَنِ اللهِ سُبْحَانَهُ ، فَأَخْبِرْنِي أَنَا أَعْلَمُ بِالطِّبِّ أمْ أَنْتَ ؟ ) فقال الهندي : لا ، بل أنا ، فقال ( عليه السلام ) :
( فَأَسْأَلُكَ شَيئاً ) ، قال : سل ، قال ( عليه السلام ) :
( أَخْبِرْنِي يَا هِنْدِي : لِمَ كَانَ فِي الرَّأسِ شُؤن ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَ الشَّعْرُ عَلَيْهِ مِنْ فَوقِهِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ خَلَت الجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَ لَهَا تَخْطِيطٌ وَأسَارِير ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كانَ الحَاجِبَانِ مِن فَوقِ العَيْنَينِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَ العَيْنَان كاللَّوزَتَينِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَ الأَنْفُ فِيْمَا بَيْنَهُمَا ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فَلِمَ كَانَ ثَقْبُ الأَنْفِ فِي أَسْفَلِهِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فَلِمَ جُعِلَت الشِّفَّةُ وَالشَّارِبُ مِن فَوقِ الفَم ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فَلِمَ احتدَّ السِّنُّ وَعَرضَ الضِّرْسُ وَطَالَ النَّابُ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَت اللِّحْيَةُ للرِّجَالِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ خَلَتِ الكَفَّان مِنَ الشَّعْر ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ خَلا الظِّفْرُ وَالشِّعْر مِنَ الحَيَاةِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَ القَلْبُ كَحَبِّ الصَّنُوبَر ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَت الرِّئَة قِطْعَتَيْنِ ؟ وَجُعِلَ حَرَكَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَت الكَبِدُ حَدْبَاء ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَتْ الكُلْيَة كَحَبِّ اللُّوبْيَاءِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَ طَيُّ الرُّكْبَتَيْنِ إِلى خَلْف ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ تَخَصَّرَت القَدَم ؟ ) قال : لا أعلم ، فقال ( عليه السلام ) :
( لَكِنِّي أَعْلَمُ ) ، قال : فأجب ، قال ( عليه السلام ) :
( كَانَ فِي الرَّأْسِ شُؤن لأَنَّ المُجَوَّفَ إِذَا كَانَ بِلا فَصْلٍ أَسْرَعَ إِلَيهِ الصُّدَاعُ ، فَإِذَا جُعِل ذَا فُصُولٍ كَانَ الصُّدَاعُ مِنْهُ أَبْعَد .
وَجُعِلَ الشَّعْرُ مِنْ فَوقِهِ لِتُوصِلَ بِوِصُولِهِ الأَدْهَانُ إِلَى الدِّمَاغِ ، وَيَخْرُجُ بِأَطْرَافِهِ البُخَارُ مِنْه ، وَيَردُّ الحَرَّ والبَرْدَ عَلَيه .
وَخَلَت الجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ لأنَّهَا مَصَبُّ النُّورِ إِلَى العَيْنَيْنِ ، وَجُعِلَ فِيهَا التَّخْطِيطُ وَالأَسَارِير لِيَحْتَبِسَ العَرَقُ الوَارِدُ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى العَيْنِ قَدْرَ مَا يُمِيطُهُ الإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِه ، وَهُوَ كَالأَنْهَارِ فِي الأَرْضِ الَّتِي تَحْبِسُ المِيَاهَ .
وَجُعِلَ الحَاجِبَان مِنْ فَوقِ العَيْنَيْنِ لِيَرُدَّا عَلَيْهِمَا مِنَ النُّورِ قَدْرَ الكِفَايَة ، أَلا تَرَى يَا هِنْدِيُّ أَنَّ مَنْ غَلَبَهُ النُّورُ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ ، لِيَرُدَّ عَلَيْهِمَا قَدْرَ كِفَايَتِهِمَا مِنْهُ .
وَجَعَلَ الأَنْفَ فِيْمَا بَيْنَهُمَا لِيُقَسِّمَ النُّورَ قِسْمَينِ إِلَى كُلِّ عَيْنٍ سَوَاء .
وَكَانَت العَيْنُ كَاللَّوْزَةِ لِيَجْرِيَ فِيْهَا الميل بِالدَّوَاءِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا الدَّاءُ ، وَلَو كَانَتْ مُربَّعةً أو مُدَوَّرَةً مَا جَرَى فِيْهَا الميل ، وَمَا وَصَل إِلَيْهَا دَوَاءٌ ، وَلاَ خَرَجَ مِنْهَا دَاءٌ .
وَجُعِلَ ثقْبُ الأَنْفِ فِي أَسْفَلِهِ لِتَنْزِلَ مِنْهُ الأَدْوَاءُ المُتَحَدِّرَةِ مِنَ الدِّمَاغِ ، وَيَصْعَدُ فِيهِ الأرَايِيح إِلَى المَشَامِّ ، وَلَو كَانَ فِي أَعْلاهُ لَمَا نَزَلَ مِنْهُ دَاءٌ ، وَلاَ وَجَدَ رَائِحَةً .
وَجُعِلَ الشَّارِبُ وَالشِّفَّة فَوْقَ الفَم ، لِحَبْسِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الدِّمَاغِ إِلَى الْفَمِ ، لِئَلاَّ يَتَنَغَّصَ عَلَى الإِنْسَانِ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَيُمِيطُهُ عَنْ نَفْسِهِ .
وَجُعِلَتْ اللِّحْيَةُ للرِّجَالِ لِيُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الكَشْفِ فِي المَنْظَرِ ، وَيُعْلَمُ بِهَا الذَّكَرُ مِنَ الأُنْثَى .
وَجُعِلَ السِّنُّ حَادّاً لأنَّهُ بِهِ يَقَعُ العَضُّ ، وَجُعِلَ الضِّرْسُ عَرِيْضاً لأنَّهُ بِهِ يَقَعُ الطَّحْنُ وَالمَضْغُ ، وَكَانَ النَّابُ طَويلاً لِيَسْندَ الأضْرَاسَ وَالأَسْنَانَ ، كالأُسْطُوَانَةِ فِي البِنَاءِ .
وَخَلا الكفَّانِ مِنَ الشَّعْرِ لأنَّ بِهِمَا يَقَعُ اللَّمْسُ ، فَلَوْ كَانَ فِيْهِمَا شَعْرٌ مَا دَرَى الإِنْسَانُ مَا يُقَابِلُهُ وَيَلْمسُهُ .
وَخَلا الشَّعْرُ وَالظِّفْرُ مِنَ الحَيَاةِ لأنَّ طُولَهُمَا سَمِجٌ يَقْبُحُ ، وَقَصُّهُمَا حَسَنٌ ، فَلَو كَانَتْ فِيْهِمَا حَيَاةٌ لألَّمَ الإِنْسَانَ قَصُّهُمَا .
وَكَانَ القَلْبُ كَحَبِّ الصَّنُوبَرِ لأَنَّهُ مُنَكَّسٌ ، فَجُعِلَ رَأسُهُ دَقِيقاً لِيَدْخُلَ فِي الرِّئَةِ فَيَتَرَوَّحُ عَنْهُ بِبَرْدِهَا ، لِئَلاَّ يَشِيْطَ الدِّمَاغُ بِحَرِّهِ .
وَجُعِلَتْ الرِّئَةُ قِطْعَتَيْنِ لِيَدْخُلَ بَينَ مَضَاغِطِهَا ، فَيَتَرَوَّحُ عَنْهُ بِحَرَكَتِهَا ، وَكَانَتْ الكَبِدُ حَدْبَاء لِتثقلَ المَعدَة ، وَيَقَعُ جَميعُها عَلَيْهَا فَيَعْصُرُها ، لِيَخْرُجَ مَا فِيْهَا مِنَ البُخَارِ .
وَجُعِلَتْ الكُلْيَةُ كَحَبِّ اللُّوبْيَاءِ ، لأنَّ عَلَيْهَا مَصَبُّ المَنِيِّ نُقطَةً بَعْدَ نُقْطَة ، فَلَو كَانَتْ مُرَبَّعَة أو مُدَوَّرَة احْتُبِسَت النُّقْطَةُ الأُولَى إِلَى الثَّانِيةِ ، فَلا يَلْتَذُّ بِخُروجِهَا الحَي ، إِذ المَنِيِّ يَنْزِلُ مِنْ فِقَارِ الظَّهْرِ إِلَى الكِلْيَة ، فَهِي كَالدُّودَةِ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ تَرْمِيه أوّلاً فَأوّلاً إِلَى المَثَانَةِ كَالبُنْدُقَةِ مِن القَوْسِ .
وَجُعِلَ طَيُّ الرُّكْبَةِ إِلَى خَلْف لأَنَّ الإِنْسَانَ يَمْشِي إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَتَعْتَدِلُ الحَرَكَتَان ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَسَقَطَ فِي المَشْي .
وَجُعِلَت القَدَمُ مُخَصَّرَة لأنَّ المَشْي إِذَا وَقَعَ عَلَى الأَرْضِ جَمِيعُه ثَقُلَ ثقْل حَجَرُ الرَّحَى ، فَإِذَا كَانَ عَلَى طرقه دَفَعَه الصَّبِي ، وَإِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ صَعبَ نَقلُهُ عَلَى الرجل ) .
فقال له الهندي : من أين لك هذا العلم ؟
فقال ( عليه السلام ) :
( أَخَذْتُهُ عَنْ آبَائِي ( عليهم السلام ) عَنْ رَسُولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَنْ جِبْرائيل عَنْ رَبِّ العَالَمِين جَلَّ جَلالُهُ ، الَّذِي خَلَقَ الأَبْدَانَ والأَرْوَاحَ ) .
فقال الهندي : صدقت ، وأنا أشهد أن لا إِله إِلا الله ، وأن محمداً رسول الله وعبده ، وأنك أعلم أهل زمانه .
في علل بعض خصوصيات أعضاء البدن
حضر الإمام الصادق ( عليه السلام ) مجلس المنصور يوماً ، وعنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب ، فجعل ( عليه السلام ) ينصت لقراءته ، فلمَّا فرغ الهندي قال له : يا أبا عبد الله ، أتريد ممَّا معي شيئاً ؟ قال ( عليه السلام ) :
( لاَ ، فَإِنَّ مَعِي مَا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا مَعَكَ ) ، قال : وما هو ؟ ، قال ( عليه السلام ) :
( أُدَاوِي الحَارَّ بِالبَارِدِ ، وَالبَارِدَ بِالحَارِّ ، والرَّطِبَ باليَابِسِ ، واليَابِسَ بالرَّطِبِ ، وَأرُدُّ الأمْرَ كلَّهُ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأستَعْمِلُ مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَأعْلَم أنَّ المَعدَة بَيتُ الدَّاءِ ، وَأنَّ الحِمْيةَ هِي الدَّوَاءُ ، وَأعوِّدَ البَدَنَ مَا اعْتَادَ ) .
فقال الهندي : وهل الطبُّ إِلاَّ هذا ؟ فقال ( عليه السلام ) :
( أَفَتَرانِي عَنْ كُتُبِ الطِّبِّ أخَذْتُ ؟ ) قال : نعم ، قال ( عليه السلام ) :
( لاَ وَاللهِ ، مَا أخَذْتُ إِلاَّ عَنِ اللهِ سُبْحَانَهُ ، فَأَخْبِرْنِي أَنَا أَعْلَمُ بِالطِّبِّ أمْ أَنْتَ ؟ ) فقال الهندي : لا ، بل أنا ، فقال ( عليه السلام ) :
( فَأَسْأَلُكَ شَيئاً ) ، قال : سل ، قال ( عليه السلام ) :
( أَخْبِرْنِي يَا هِنْدِي : لِمَ كَانَ فِي الرَّأسِ شُؤن ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَ الشَّعْرُ عَلَيْهِ مِنْ فَوقِهِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ خَلَت الجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَ لَهَا تَخْطِيطٌ وَأسَارِير ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كانَ الحَاجِبَانِ مِن فَوقِ العَيْنَينِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَ العَيْنَان كاللَّوزَتَينِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَ الأَنْفُ فِيْمَا بَيْنَهُمَا ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فَلِمَ كَانَ ثَقْبُ الأَنْفِ فِي أَسْفَلِهِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فَلِمَ جُعِلَت الشِّفَّةُ وَالشَّارِبُ مِن فَوقِ الفَم ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فَلِمَ احتدَّ السِّنُّ وَعَرضَ الضِّرْسُ وَطَالَ النَّابُ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَت اللِّحْيَةُ للرِّجَالِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ خَلَتِ الكَفَّان مِنَ الشَّعْر ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ خَلا الظِّفْرُ وَالشِّعْر مِنَ الحَيَاةِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَ القَلْبُ كَحَبِّ الصَّنُوبَر ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَت الرِّئَة قِطْعَتَيْنِ ؟ وَجُعِلَ حَرَكَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَت الكَبِدُ حَدْبَاء ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ كَانَتْ الكُلْيَة كَحَبِّ اللُّوبْيَاءِ ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ جُعِلَ طَيُّ الرُّكْبَتَيْنِ إِلى خَلْف ؟ ) قال : لا أعلم ، قال ( عليه السلام ) :
( فلِمَ تَخَصَّرَت القَدَم ؟ ) قال : لا أعلم ، فقال ( عليه السلام ) :
( لَكِنِّي أَعْلَمُ ) ، قال : فأجب ، قال ( عليه السلام ) :
( كَانَ فِي الرَّأْسِ شُؤن لأَنَّ المُجَوَّفَ إِذَا كَانَ بِلا فَصْلٍ أَسْرَعَ إِلَيهِ الصُّدَاعُ ، فَإِذَا جُعِل ذَا فُصُولٍ كَانَ الصُّدَاعُ مِنْهُ أَبْعَد .
وَجُعِلَ الشَّعْرُ مِنْ فَوقِهِ لِتُوصِلَ بِوِصُولِهِ الأَدْهَانُ إِلَى الدِّمَاغِ ، وَيَخْرُجُ بِأَطْرَافِهِ البُخَارُ مِنْه ، وَيَردُّ الحَرَّ والبَرْدَ عَلَيه .
وَخَلَت الجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ لأنَّهَا مَصَبُّ النُّورِ إِلَى العَيْنَيْنِ ، وَجُعِلَ فِيهَا التَّخْطِيطُ وَالأَسَارِير لِيَحْتَبِسَ العَرَقُ الوَارِدُ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى العَيْنِ قَدْرَ مَا يُمِيطُهُ الإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِه ، وَهُوَ كَالأَنْهَارِ فِي الأَرْضِ الَّتِي تَحْبِسُ المِيَاهَ .
وَجُعِلَ الحَاجِبَان مِنْ فَوقِ العَيْنَيْنِ لِيَرُدَّا عَلَيْهِمَا مِنَ النُّورِ قَدْرَ الكِفَايَة ، أَلا تَرَى يَا هِنْدِيُّ أَنَّ مَنْ غَلَبَهُ النُّورُ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ ، لِيَرُدَّ عَلَيْهِمَا قَدْرَ كِفَايَتِهِمَا مِنْهُ .
وَجَعَلَ الأَنْفَ فِيْمَا بَيْنَهُمَا لِيُقَسِّمَ النُّورَ قِسْمَينِ إِلَى كُلِّ عَيْنٍ سَوَاء .
وَكَانَت العَيْنُ كَاللَّوْزَةِ لِيَجْرِيَ فِيْهَا الميل بِالدَّوَاءِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا الدَّاءُ ، وَلَو كَانَتْ مُربَّعةً أو مُدَوَّرَةً مَا جَرَى فِيْهَا الميل ، وَمَا وَصَل إِلَيْهَا دَوَاءٌ ، وَلاَ خَرَجَ مِنْهَا دَاءٌ .
وَجُعِلَ ثقْبُ الأَنْفِ فِي أَسْفَلِهِ لِتَنْزِلَ مِنْهُ الأَدْوَاءُ المُتَحَدِّرَةِ مِنَ الدِّمَاغِ ، وَيَصْعَدُ فِيهِ الأرَايِيح إِلَى المَشَامِّ ، وَلَو كَانَ فِي أَعْلاهُ لَمَا نَزَلَ مِنْهُ دَاءٌ ، وَلاَ وَجَدَ رَائِحَةً .
وَجُعِلَ الشَّارِبُ وَالشِّفَّة فَوْقَ الفَم ، لِحَبْسِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الدِّمَاغِ إِلَى الْفَمِ ، لِئَلاَّ يَتَنَغَّصَ عَلَى الإِنْسَانِ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَيُمِيطُهُ عَنْ نَفْسِهِ .
وَجُعِلَتْ اللِّحْيَةُ للرِّجَالِ لِيُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الكَشْفِ فِي المَنْظَرِ ، وَيُعْلَمُ بِهَا الذَّكَرُ مِنَ الأُنْثَى .
وَجُعِلَ السِّنُّ حَادّاً لأنَّهُ بِهِ يَقَعُ العَضُّ ، وَجُعِلَ الضِّرْسُ عَرِيْضاً لأنَّهُ بِهِ يَقَعُ الطَّحْنُ وَالمَضْغُ ، وَكَانَ النَّابُ طَويلاً لِيَسْندَ الأضْرَاسَ وَالأَسْنَانَ ، كالأُسْطُوَانَةِ فِي البِنَاءِ .
وَخَلا الكفَّانِ مِنَ الشَّعْرِ لأنَّ بِهِمَا يَقَعُ اللَّمْسُ ، فَلَوْ كَانَ فِيْهِمَا شَعْرٌ مَا دَرَى الإِنْسَانُ مَا يُقَابِلُهُ وَيَلْمسُهُ .
وَخَلا الشَّعْرُ وَالظِّفْرُ مِنَ الحَيَاةِ لأنَّ طُولَهُمَا سَمِجٌ يَقْبُحُ ، وَقَصُّهُمَا حَسَنٌ ، فَلَو كَانَتْ فِيْهِمَا حَيَاةٌ لألَّمَ الإِنْسَانَ قَصُّهُمَا .
وَكَانَ القَلْبُ كَحَبِّ الصَّنُوبَرِ لأَنَّهُ مُنَكَّسٌ ، فَجُعِلَ رَأسُهُ دَقِيقاً لِيَدْخُلَ فِي الرِّئَةِ فَيَتَرَوَّحُ عَنْهُ بِبَرْدِهَا ، لِئَلاَّ يَشِيْطَ الدِّمَاغُ بِحَرِّهِ .
وَجُعِلَتْ الرِّئَةُ قِطْعَتَيْنِ لِيَدْخُلَ بَينَ مَضَاغِطِهَا ، فَيَتَرَوَّحُ عَنْهُ بِحَرَكَتِهَا ، وَكَانَتْ الكَبِدُ حَدْبَاء لِتثقلَ المَعدَة ، وَيَقَعُ جَميعُها عَلَيْهَا فَيَعْصُرُها ، لِيَخْرُجَ مَا فِيْهَا مِنَ البُخَارِ .
وَجُعِلَتْ الكُلْيَةُ كَحَبِّ اللُّوبْيَاءِ ، لأنَّ عَلَيْهَا مَصَبُّ المَنِيِّ نُقطَةً بَعْدَ نُقْطَة ، فَلَو كَانَتْ مُرَبَّعَة أو مُدَوَّرَة احْتُبِسَت النُّقْطَةُ الأُولَى إِلَى الثَّانِيةِ ، فَلا يَلْتَذُّ بِخُروجِهَا الحَي ، إِذ المَنِيِّ يَنْزِلُ مِنْ فِقَارِ الظَّهْرِ إِلَى الكِلْيَة ، فَهِي كَالدُّودَةِ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ تَرْمِيه أوّلاً فَأوّلاً إِلَى المَثَانَةِ كَالبُنْدُقَةِ مِن القَوْسِ .
وَجُعِلَ طَيُّ الرُّكْبَةِ إِلَى خَلْف لأَنَّ الإِنْسَانَ يَمْشِي إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَتَعْتَدِلُ الحَرَكَتَان ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَسَقَطَ فِي المَشْي .
وَجُعِلَت القَدَمُ مُخَصَّرَة لأنَّ المَشْي إِذَا وَقَعَ عَلَى الأَرْضِ جَمِيعُه ثَقُلَ ثقْل حَجَرُ الرَّحَى ، فَإِذَا كَانَ عَلَى طرقه دَفَعَه الصَّبِي ، وَإِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ صَعبَ نَقلُهُ عَلَى الرجل ) .
فقال له الهندي : من أين لك هذا العلم ؟
فقال ( عليه السلام ) :
( أَخَذْتُهُ عَنْ آبَائِي ( عليهم السلام ) عَنْ رَسُولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَنْ جِبْرائيل عَنْ رَبِّ العَالَمِين جَلَّ جَلالُهُ ، الَّذِي خَلَقَ الأَبْدَانَ والأَرْوَاحَ ) .
فقال الهندي : صدقت ، وأنا أشهد أن لا إِله إِلا الله ، وأن محمداً رسول الله وعبده ، وأنك أعلم أهل زمانه .