صلى رسول الله (ص) بالمسلمين ذات يوم , ولما فرغ من صلاته
جلس في مصلاه والناس حوله , فبينما هم كذلك إذ أقبل إليه طاعن في السن فقير الحال وهو لا يكاد يتمالك كبرا وضعفا .
فقال : يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني وعاري الجسد فاكسني وفقير فارشدني .
ولم يجد النبي (ص) شيئا ينفقه عليه فقال : ما أجد لك شيئا ولكن الدال على الخير كفاعله .
يابلال قم فقف به على منزل فاطمة . فانطلق الإعرابي مع بلال , فوقف على باب فاطمة ونادى بأعلى صوته : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ... ثم حكى لها قصته .
ولم تكن فاطمة ولا زوجها ولا أبوها قد طعموا طعما خلال ثلاث ليال.
فعمدت الزهراء (ع) على ما بها من الجوع أن تستجيب لهذا الشيخ
الفقير ـ إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة
بن عبد المطلب .
فقطعته من عنقها و أعطته إلى الإعرابي فقالت : خذه وبعه عسى الله أن يعوضك ما هو خير منه .
فأخذ الإعرابي العقد وانطلق مسرورا إلى مسجد رسول الله (ص)
والنبي (ص) جالس مع أصحابه فقال : يا رسول الله أعطتني فاطمة
هذا العقد وقالت بعه عسى الله يصنع لك .
فلما سمع رسول الله (ص) كلام الإعرابي , بكى وقال : أعطتك إياه
فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم .
فعرض الشيخ العقد للبيع .
فقال عمار بن ياسر ( رض) : بكم العقد يا أعرابي ؟
فقال الإعرابي : بشبعه من الخبز واللحم , وبردة يمانية أستر بها
عورتي وأصلي فيها لربي , ودينار يبلغني إلى أهلي .
وكان عمار (رض ) قد باع سهمه الذي أعطاه رسول الله (ص)
من خيبر فقال : للإعرابي لك عشرون دينار ومائه درهم و بردة
يمانية وراحلتي تبلغك اهلك وشبعك من الخبز البر واللحم .
ففرح الإعرابي بما سمع بذل عمار في شراء العقد وشكره على ذلك
ثم رخى يده داعيا
فقال : اللهم أعط فاطمة مالا عين رأت ولا أذن سمعت .
فقال رسول الله (ص) : آمين .
فعمد عمار إلى العقد فطيبه بالمسك , ولفه في بردة يمانية , وكان له عبد اسمه(سهم ) ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر ,
فدفع العقد إلى المملوك وقال له : خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول الله (ص) و أنت له .
فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول الله (ص) أخبره , بقول عمار (رض) , فقال رسول الله (ص) : انطلق إلى فاطمة فادفع إليها
العقد و أنت لها .
فجاء سهم بالعقد و أخبرها بقول رسول الله (ص) فأخذت فاطمة العقد و أعتقت سهما المملوك . فضحك الغلام سهم فقالت فاطمة
عليها السلام ما يضحكك يا غلام ؟
قال سهم : أضحكني عظم بركة هذا العقد , اشبع جائعا , وكسى عريانا , و أغنى فقيرا , واعتق عبدا , ورجع إلى صاحبه .