[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
( في مرسمِ الوطن )
للشاعر الكبير أجود مجبل
لمْ يبقَ مِن وطنٍ في دفترِ الرسمِ
سوى رُكامِ الحروبِ السودِ والوهمِ
فكلّما رسمَ الأطفالُ ساقيةً
كي يُنقذوا سِرْبَ أشجارٍ من اليُتْمِ
وفتّشوا عُلَبَ الألوانِ لم يجدوا
لوناً لماءٍ به ذكرى مِن الغيمِ
ماذا سيرسُمُ أطفالٌ ؟ يعلّمُهم
حزنُ الأراملِ ما استعصى على الفهمِ
أيرسمونَ قبوراً لا طريقَ لها ؟
أمْ قريةً كلّما مرّوا بها تَهمي ؟
أم نخلةً عاقبَتْها الأرضُ ؟ وهي هنا
لم ترتكبْ غيرَ هذا التمرِ مِن إثمِ
أم خيمةً والصحارى أهدرَتْ دمَها ؟
أم زورقاً سحقَتْه أذرُعُ اليمِّ ؟
أم يرسُمونَ بُيوتاً لا نوافذَ في
أيامِها ومراياها بلا طعمِ ؟
أم يرسمونَ بحاراً سوف تُغرقُهم ؟
وهمْ بها لم يذوقوا لذة العَومِ
أمِ الأزقّةَ لا تكفي لأرجلِهم ؟
أمِ الشوارعَ في تَكرارِها اليومي ؟
أمِ المساجدَ يبنيها اللصوصُ ؟ ومِنْ
ورائهم شجرٌ يمضي إلى النومِ
أم يرسمون بلاداً لا بلادَ بها ؟
لم يحملوا معهم منها سوى الضيمِ
وبعدَ أن تعِبوا ناموا كأضرحةٍ
على الضفافِ وكان النهرُ في صَومِ
لهم بتلك الليالي أدمعٌ نبغَتْ
وفي النهارِ لهم تغريبةُ النجمِ
كانوا بكل صباحٍ يكبَرونَ
وآلافُ البنادقِ كانت نحوَهم ترمي
ماتوا طويلاً على وحْلِ الحروبِ كما
ماتوا جِياعاً على بوّابةِ السّلْمِ
ما غادروا نفَقاً أخفى طفولتَهم
إلّا إلى نفقٍ بالشيبِ مُظلَمِّ
إلى النهاياتِ ساروا مُغدقينَ ، فهُمْ
في كلِّ نَصٍّ لهُمْ قبرٌ بلا إسمِ
فكيف ينسَونَ أسماءَ الغيابِ ؟ وهُمْ
أحلى أمانيِّهِم سيِقَتْ إلى الرجْمِ
سيجمعونَ بقاياهم ليكتشفوا
كيف العناقيدُ صارتْ مأتمَ الكَرْمِ
وكيف تؤمِنُ بالشطآنِ أشرعةٌ
والريحُ تهجَعُ في نسيانِها الضخْمِ
ماذا سينسوَنَ مِن هذا الخرابِ ؟ وهلْ
تَنسى شموعٌ وصايا دمعِها الجمِّ ؟