۩۞۩۞ شبكة رونق الحرف ۞۩۞۩

رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902
زائرنا الكريم : انت غير مسجل في المنتدى او لم تسجل معلومات الدخول بعد فرجاءنا منك التسجيل اولا للمشاركة في المنتدى وان كنت تريد القراءة فقط فدونك اقسام المنتدى اهلا وسهلا بك... رحلة نيبور الى البصرة 61923 رحلة نيبور الى البصرة 61923 رحلة نيبور الى البصرة 61923 رحلة نيبور الى البصرة 61923 رحلة نيبور الى البصرة 61923
يا ضيفنا لو جئتنا لوجـــدتنا ....نحن الضيوف وانت رب المنزل

رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

۩۞۩۞ شبكة رونق الحرف ۞۩۞۩

رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902
زائرنا الكريم : انت غير مسجل في المنتدى او لم تسجل معلومات الدخول بعد فرجاءنا منك التسجيل اولا للمشاركة في المنتدى وان كنت تريد القراءة فقط فدونك اقسام المنتدى اهلا وسهلا بك... رحلة نيبور الى البصرة 61923 رحلة نيبور الى البصرة 61923 رحلة نيبور الى البصرة 61923 رحلة نيبور الى البصرة 61923 رحلة نيبور الى البصرة 61923
يا ضيفنا لو جئتنا لوجـــدتنا ....نحن الضيوف وانت رب المنزل

رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902 رحلة نيبور الى البصرة 358902

۩۞۩۞ شبكة رونق الحرف ۞۩۞۩

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ادبية معلومات اخبارية تقنية طبية موسوعية

آخر المواضيع






<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_widget/twitter_widget" title="web widget">Twitter Widget</a></div>



    رحلة نيبور الى البصرة

    الماستر
    الماستر
    الاداريون
    الاداريون


    رسالة sms رسالة sms : مرحبا بك
    زائر


    عدد المساهمات : 4802
    تاريخ التسجيل : 04/10/2009
    العمر : 41
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    عاجل رحلة نيبور الى البصرة

    مُساهمة من طرف الماستر الأربعاء 17 فبراير 2021, 3:12 am

    نيبور والبصرة ...
    حينما زار الرحالة الالماني كارستين نيبور البصرة في عام 1765 بطلب من ملك الدنمارك لاكتشاف البلدان ومنها العراق بقى الرحالة مدة في البصرة ووصف احوالها ومناطقها وسنتناول ذلك لاحقا ووضع لها خارطة من اروع ما يمكن في وصف دفاعاتها الطبيعية والتي صنعها البشر حيث يحيط بها نهر الخندق ويمتد ويلتقي مع نهر الخورة ليشكل حاجز مائي طبيعي ( مبين بالخارطة باللون الازرق )  حول المدينة ومن ثم هناك سور البصرة المبين بالخارطة باللون البني والذي يحيط بالمدينة من كل جانب ما عدا جهة شط العرب وله خمسة ابواب وهي ( باب الرباط - باب بغداد - باب الزبير - باب السراجي - باب المجموعة ) وقد اشر لدار المتسلم ( المفتي ) او دار الحكم والمصنع الفرنسي ( هو بالحقيقة ابرشية الاباء الكرمليين الفرنسيين وفيها التمثيل القنصلي ) والمصنع الانكليزي وهو مقر شركة الهند الشرقية وكان مقام اول قنصل بريطاني في البصرة وكل تلك الاماكن في البصرة القديمة . ويلاحظ ان العمارة في البصرة القديمة في ذلك الوقت اكبر بكثير من العشار الذي بين فيه المقام لانه اشهر معلم حينها . وفي منطقة المناوي التي ميزها بكتابة اسمها يظهر فيها بناء واضح وهناك دار القبطان باشا التركي . اما نهر العشار فهو بمثابة خط الدفاع الثاني بعد نهر الخندق والسور ويلاحظ انه يضعف ويصبح صغيرا كلما اقترب من ملتقى نهري الخندق والخورة . 

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] 
    الماستر
    الماستر
    الاداريون
    الاداريون


    رسالة sms رسالة sms : مرحبا بك
    زائر


    عدد المساهمات : 4802
    تاريخ التسجيل : 04/10/2009
    العمر : 41
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    عاجل رد: رحلة نيبور الى البصرة

    مُساهمة من طرف الماستر الأربعاء 17 فبراير 2021, 3:23 am

    الرحلة من الخرج ( ايران )  إلى البصرة
    في ٣١ تموز/ يوليو، غادرت الخرج عند المساء، و بلغت مصب شط العرب بين الاول و الثاني من آب/ أغسطس. يطلق العرب هذا الاسم على النهر الكبير الممتد من القرنة، حيث يندمج الفرات، و دجلة إلى الخليج الفارسي. و لا يزال العرب يطلقون على المنطقة الواقعة فوق القرنة، اسم الفرات الاول و الجل الاخير، المذكورين في الكتاب المقدس. ينقسم شط العرب، قرب البصرة، إلى عدة روافد (*).
    و الملاحظ ان الجزر المحيطة بهذا النهر، تقع على مستوى منخفض جدا. مما يتعذر بالتالي على الاشخاص القادمين بحرا رؤية مصبات الشط، شأنها في ذلك شأن مصبات النيل، وحده الرافد الغربي المعروف بشور حالتا، يستعمل احيانا للملاحة، فغالبا ما نجد امام المصب  في الخليج  قاعا عاليا، يتعذر على السفن الكبيرة اجتيازه الا في حالة ارتفاع مستوى المياه أو عند اكتمال القمر (**) تحد النهر من الجهتين بساتين النخيل و القرى الصغيرة و المنازل المتناثرة هنا و هناك، أما أكثر القرى تميزا فهي قرية حسان ابن الحنفية، حيث دفن المدعو حسان، شقيق الامير محمد، الذي اتيت على ذكره في سياق حديثي عن الخرج، و يقال انهما ابنا علي و حفيدا محمد. و اظن ان المكان الذي دفن فيه حسان، كان مغطى بالمياه قبل ١١٠٠ عام تقريبا، فالشاطى‏ء منخفض جدا في بعض الاماكن، إلى حد ان السكان اضطروا لبناء السدود كي يحموا بساتينهم من الفيضانات. و نشاهد في كافة الانحاء، قنوات محفورة في الأرض تنقل بواسطتها المياه إلى بساتين النخيل، حاملة معها كمية كبيرة من التراب. دمرت قرى جزيرة محرزي منذ بضعة سنوات، حين استولى عليها سليمان، شيخ قبيلة كعب، و نشاهد بالتالي انقاض قرية تعرف بسراي غير ان أحد التجار الاوروبيين في البصرة أكد لي انها انقاض البصرة، التي بناها الخليفة عمر. و الجدير ذكره ان بعض الرحالة يسمون في مؤلفاتهم، البصرة القديمة سراي و لكن مدينة البصرة التي بنيت في عهد الخليفة عمر تقع في مكان آخر. تتألف انقاض جزيرة محرزي من اسوار من الصلصال مما يثبت انها ليست بقديمة
    . (*) يسمي اريان هذا النهر سينتو رانيس بينما يطلق عليها بعض اليونانيون، اسم باسيغريس، تجدون في اللوحة XL  الخريطة التي رسمتها استنادا لما شاهدته، و لروايات بعض سكان البصرة، و اظن انها تعطي القارى‏ء فكرة عن مصب هذا النهر.
    (**) استنادا الى تقرير البحارة، يبدأ المد هنا، عند ظهور القمر في الافق، مما يعني انه عند اكتمال القمر، يبلغ المد ذروته ظهرا او عند منتصف الليل.

    لم أستطع ان ادون على خارطة اللوحة اسماء كل القرى الواقعة على ضفاف شط العرب، من الخليج الفارسي إلى البصرة، فمعظمها صغير للغاية و لا يستحق ان يوليه عالم الجغرافيا اهتماما. في مطلق الاحوال، سأتلو عليكم فيما يلي اسماء القرى كلها، رغم ان بعضها قد يبدو للقارى‏ء غريبا بعض الشي‏ء، و الجدير ذكره ان هذه القرى تخضع لحكومة البصرة. رغم انها لا تقع كلها بمحاذاة النهر.
    نجد في الجهة الغربية لشط العرب :
    (( اقليم الدواسر ، جويبده و جابده، و كوت ابن خلف، و كوة خليفة، و كوة غانم، و تليها قرى سيحان و زين و قاووس، و كليسيا، و شمرته، و مطوعه صغيرة، و مطوعه كبيرة، و سلم علي، و حسينات، و بلد جان، و عاميه، و ابو بقيع و عبادة، و باب كنكي، و باب العريض، و باب الطويل و باب الدباغ و ابو الخصيب، و غبية، و نهر خور، و ابو مغيرة و سبيليات، و نهر حبابه، و البلد، و يهودي، و حنجة و كوت ابن فايز و علي احمد ابن كوة، و كوت ابن الكومرلي، جزيرة علي، و بلد ابن سبيع، و باب النجدي، و بلد ويوسفان، و حمدان و كرية و بلد السيد، و بلد مخزم، و بلد ياس، و مهيجران، و فجة مصلح و ابو سلال و عويسيان، و سراجي، و ميتان، و براضعية، و أم النعاج، و مناوي.))
    و نجد على جزيرة محرزي، قرى منوحي، خضر ابادان و باردة، و كوت ابن اسماعيل، و صوينج الكبير، و صوينج الصغير، و حويش، و كوت ابن بلبول، و راس الخدة، و محيله، و محرزي و نهر الشيخ و كوت عامر، و كوت المفتي، و كوت عيسى و كوت الملا و جزيرة المحلة.
    تقع القرى التالية على الضفة الشرقية للنهر و تخضع لحكومة البصرة :
    ((  عبد، سابلة، حفار، قلعة المحرزي، قلعة الحفار، كوت شيخ يعقوب، معمورية، دربن، ابو جذيع، خيني، ثمار، حمرانات، دعجي، كوة الزناد، جزيرة البارين، كوة الجوع، تنومة، شريعة، كردلان، و كوب الجلابة، و نهر يوسف، و جباسي، و كوت انجانة، و ريان، و حوطه، و كتيبان، و نجاجي، و حمامله، و مغارة، و حلاف، و ام الزيط و شلهة، و مصطفاوية، و رميلية، وام التوت، و كوت الدرجة، و خلط، و سويب، و مرفأ حفيظة، و شاملي ))
    أكد لنا الرحالة الاخرون ان العرب لا يستعملون اسما آخر للبوصلة، غير ان العرب، الذين لم يشاهدوا هذه الآلة إلا صدفة على احدى السفن، لا يعرفونها جيدا. علما ان علماءهم لا يستطيعون الاستغناء عنها ابدا، فخلال الصلاة يديرون وجههم صوب الكعبة، مما يقتضي عليهم ان يتأكدوا من موقع مكة، قبل بناء المساجد، لتحديد المكان الذي يجب ان تبتنى فيه القبلة. كان أحد علماء القاهرة يستعمل لهذه الغاية، ابرة ممغنطة تعرف بالمغناطيس، غير ان الشيخ المذكور لم يسمع قط، بمسألة انحراف الابرة أو تبدل وجهتها سنويا، فضلا عن ذلك، سمعت العرب يسمون البوصلة، ديرة أو بيت الابر. بينما سكان الخليج الفارسي يسمونها قبله نما، أو راش نعمة . حاول بعض الرحالة اقناعنا ان العرب البدو يستعينون بالبوصلات خلال رحلاتهم في الصحراء غير انني لم أجد ما يثبت ذلك. فحين رأوني احملها سألوني عن سبب استعمالي له. فأجبتهم انها ساعة تحدد موقع القبلة، اي مدينة مكة، و لهذا السبب، كانوا يقصدون منزلي للاستعلام عن وجهة القبلة كلما ارادوا الصلاة. و الجدير ذكره ان هؤلاء العرب، ينتقلون دوما في الصحراء و يعرفون الطرقات جيدا، و يستعينون ليلا بالنجوم، فلهذا السبب لا يحتاجون للبوصلة ابدا.

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    الماستر
    الماستر
    الاداريون
    الاداريون


    رسالة sms رسالة sms : مرحبا بك
    زائر


    عدد المساهمات : 4802
    تاريخ التسجيل : 04/10/2009
    العمر : 41
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    عاجل رد: رحلة نيبور الى البصرة

    مُساهمة من طرف الماستر الأربعاء 17 فبراير 2021, 4:57 am

    ملاحظات حول البصرة
    تقع مدينة البصرة على ارتفاع ٣٠، ٣٠ من القطب، على الجهة الغربية لشط العرب، و استنادا للخارطة التي رسمتها في اللوحة يبلغ طول سورها حوالي الميل تقريبا، و تكثر فيها بساتين النخيل و حقول القمح، التي تزيد من نقاط التشابه بينها و بين مدينة باب القديمة.
    و الجدير ذكره ان هذه المنطقة لا تضم صخورا منقوشة، إلا تلك التي نشاهدها فوق عتبة الجوامع، فمعظم الابنية مصنوعة من الخشب الثمين الذي ينقل من المناطق الاخرى، تغطي الحجارة بعض الاسوار بينما استعمل الصلصال لبناء المنازل و سور المدينة الكبيرة؛ مما يعني ان انقاض هذه المدينة، لن توازي انقاض مدينة بابل اهمية.
    يبلغ عرض الشط في هذه المنطقة، حوالي ربع فرسخ؛ تكثر في البصرة القنوات الصغيرة، المتفرعة من النهر الكبير، و التي تساعد على الحفاظ على نظافة المدينة، غير انني لم أدخل مدينة اكثر قذارة من هذه اذ يستعمل معظم الناس المياه الملوثة في مطابخهم، كما و انهم ينظفون بها شوارعهم غير المرصوفة.
    تضم المدينة خمسة أبواب :
    ١) دراوزه الرباط
    ٢) دراوزه بغداد
    ٣) دراوزه الزبير
    ٤) دراوزه السراجي
    ٥) دراوزه المجموعة
    وكما مؤشر في الخارطة في رقم ٦) دار القبطان باشا ، و  ٧ ) دار ( المتسلم ) المفتي، و  ٨ ) المصنع الانكليزي و ٩ ) المصنع الفرنسي . و نشاهد في المدينة مسجدا له منارتين، و ثمانية آخرين لكل واحد منها منارة واحدة، و هي تعرف بالجوامع، و يقال ان هذه المدينة تضم ٤٠ مسجدا صغيرا. و لكنني اخالها أقرب إلى المصلى منها إلى الجامع. لما كانت البصرة مدينة حديثة، سأتلو عليكم في ما يلي اسماء احيائها كافة، خاصة و اننا قد لا نحظى ابدا بترجمة وافية لوصف هذه المنطقة، مع الاشارة إلى تسمياتها القديمة :
    ((  المناخ – المشراق – دنانيك -  ابن عيد – عباية- ميدان العبيد- الدّوغ- أُمّ البلابل- أُمّ البزازين - شيخ بادي - شيخ قنبر- شيخ جوهر-شيخ عمر – قبلة –مدبغة- نهر البنات- أُمّ الطنوق- الشّيخ حبيب- جسر الملح- مكحول- المعدان- محمّد تختة - حمّام كوت- محلّة القاضي- محلّة العرصة –محلّة سيّد رمضان- محلّة الأفغان- - حكاكة - محلّة مرجانة - عز الدين – الكواز - بستان قصب – محلة خان زكار -  الكوارخين – القطانة – السيف – حوش الباشا – جسر الغربان – المجموعة –مقيبرة – صمغونية - محمد جواد – عروة – غمقة – بحارنة – جسر العبيد – بلد السياس – الدوغ – حلل – المقام – محلة الجديدة – نظران – الصبخة – معصرة – الخضر – الحدادة – الخليلية – الشربتية – محلة اليهود – حصرجية – السيمر – فتالة – جسر الحوز – خشابة – محلة الساعي – مناوي – بريهة – عباس ( العباسية ) – فرسي - الخضراوية – كوت الكومرلي – المجصة -حسن دادة - ه – الكواز - حكاكة- بستان قصب- كوارخين ))
    لم تعرف البصرة الازدهار إلا في عهد المدعو افرسياب، الذي كان نبيلا من البلاد، استلم دفة الحكم من الاتراك، كان هذا الاخير، يشجع الاجانب على الاقامة في هذه المدينة، و تأسيس مشاريع تجارية فيها، خاصة و ان موقعها مؤات للغاية. استلم ابنه علي باشا الحكم من بعده، ليخلفه في ما بعد حسين باشا، ابن علي باشا . وكانوا جميعا يعتبرون البصرة، و القرى التابعة لها، ملكا لهم. فحول علي «القرنة» إلى مكان يلتقي فيه الفرات و دجلة، و الى حدود حصينة، عززها حسين ببناء سور ثان لها. و وسع هذا الأخير مدينة البصرة، إذ بلغ السور الذي بناه نهر شط العرب، رغم بعد المدينة عنه، و ساهم بالتالي في رفع عدد بساتين الفاكهة و حقول القمح. كما و انه حصن قرية مناوي، و استولى على القصر و اقام فيه. علاوة على ذلك، بنى جامعا في البصرة، و منح المسيحيين حرية ممارسة دينهم، حتى يغريهم بالبقاء في هذه المدينة، و المساهمة في ازدهار التبادلات التجارية فيها. فعظم شأن حسين باشا بعد أن وضع يده على قرى عديدة كانت تابعة لحاكم بغداد، و بعد أن صد الأتراك الذين حاولوا مرة اقتحام البصرة، و لما تعذر عليه اخضاع الباشوات المجاورين لنفوذه، أرسل أحد افراد عائلته إلى القسطنطينية، حاملا هدايا ثمينة للسلطان، فوعده بأن يدفع له سنويا، مبلغا من المال، شرط أن يسلمه دفة الحكم، فوافق السلطان على ارسال جيش صغير لمساعدته على بسط نفوذه، علما انها الطريقة الاسهل لضم البصرة لاحقا إلى امبراطوريته. و بدلا من أن يقف سكان البصرة و القرى المجاورة إلى جانب حسين باشا، أرتأوا الالتفاف حول عدوه الجديد أدرك ان قواه العسكرية قد ضعفت، و وجد نفسه مرغما على الانغلاق على نفسه في مقره؛ و بعد ان تضاعفت قوة عدوه في المدينة، فضل الانسحاب إلى المناوي، و منها إلى بلاد فارس، بعد مرور بضع سنوات، احتل الفرس البصرة، و لكنهم ما لبثوا ان طردوا منها على يد الاتراك، و منذ ذالك الحين و السلطان يعين باشا من باشاواته حاكما على المدينة. و لكن حسان باشا، والد احمد باشا الشهير، استغل القبائل العربية الكبيرة لمهاجمة الباشاوات الجدد في الطريق و قتلهم أو ارغامهم على العودة إلى حلب و بعد ان رفض الجميع تسلم هذه المهمة، عرض حسان باشا دفع الضريبة العادية، لضم هذه المنطقة إلى بغداد و خضوعها لنفوذها .
    خلال الفترة التي كان السلطان يرسل فيها الباشاوات من القسطنطينية إلى البصرة، كان يعين فيها ربانا من الاعيان، على رأس ٥٠ أو ٦٠ سفينة حربية، يمنع وصول سفن القراصنة إلى الفرات و دجلة و الخليج العربي برمته. و في سبيل اعالة هذا الاسطول خصصت له ايرادات المناطق الكبيرة في بغداد و البصرة. و بعد ان بسط باشا بغداد نفوذه، وضع يده على ايرادات المناطق المخصصة للربان. فمنح السلطان الباشا حرية تسهيل الاعمال التجارية بحرا. و عيّن الربان موظفا عنده، فعينه حاكما على المناوي و أوقف سفنه الحربية على الشاطى‏ء معطيا الأمر لقادتها بإطلاق نيران مدافعهم على الحاكم، ان مر في مركبه غير ان هذه السفن ليست صلبة البناء، علما انها مطلية بالزفت الذي يستورد من مدينة هيت‏ الواقعة على ضفاف الفرات على بعد بضعة أيام شمالي الحلة. ان السفن الصغيرة، التي تتنقل بين بغداد و الحلة و البصرة، ليست أكثر صلابة، و ان الزفت يتلاءم مع المياه الحلوة، و لكن يقال انه يذوب في المياه المالحة، و لهذا السبب لن تخاطر سفر الربان الحربية بالابحار في الخليج الفارسي. و رغم تكاثر عمليات القرصنة في الفرات و دجلة، قلّما يوليها الربان اهتماما ، غير انه يستدعي الضابط الاعلى، و الدفتردار و الآجال، و شيخ البندر و القاضي، إلى الديوان، ليعالج المسائل الطارئة.
    الدفتردار هو أمين الخزنة، و يخضع في المدن الاخرى لأوامر السلطان مباشرة. أما في البصرة، فهو مجرد موظف في خدمة باشا بغداد يعين سلطان القسطنطينية القاضي أو يقيله من منصبه، ليختار بديلا عنه، و يقال ان معظم القضاة يشترون شهاداتهم (او فرمان) من غيرهم و يقتبسون اسمه ايضا. لهذا السبب لا يسعنا القول ان رجلا نزيها شغل يوما هذا المنصب، و في انتظار تعيين قاض جديد، يحل نائبه محله، علما ان هذا الاخير يجيد العربية و يعرف البلاد جيدا، فالقاضي الآتي من القسطنطينية لا يحسن إلا التركية بينما سكان البصرة لا يتكلمون الا العربية.
    يعرف نبلاء البلاد بالأجلّاء، أما أكثرهم اجلالا فكان في تلك الحقبة الشيخ درويش القوسي، من سلالة عالم شهير، يدعى قوس، بنى جامعا جميلا في هذه المدينة.  ينتمي المفتي الحنفي إلى هذه الطبقة من النبلاء، و يقال ان هذا المنصب لا يشغله إلا العلماء.
    غير ان ذلك ليس ضروريا، اذ قد يحل محله نائبا أو وكيلا. من ناحية أخرى تخضع لسلطة نقيب الشرفاء، أو كبير احفاد النبي محمد كلهم، المقيمين في هذه المنطقة. لسنوات خلت، اختار سليمان باشا احد الاعيان، كمفتي شافعي، فخضع له رئيس الاجل، المدعو سعيد درويش ابن سعيد طالب، الذي كان اجداده يرافقون قديما القوافل إلى حلب، و هو يشغل اليوم منصب قائد للقوافل. علما انه الاكثر شهرة بين الشيوخ. الذين تمر قوافلهم في هذه المنطقة و يدفعون الجزية له. يتمتع الاجل بامتيازات كثيرة، علاوة عن أخذ الحاكم بنصائحهم قبل اقدامه على اي عمل كان. فهم لا يدفعون شيئا من أرباح أرضهم، خلافا للرعايا الآخرين الذين يرغمون على دفع الجزى على بساتين البلح، مع العلم انها تشكل مصدر ثروتهم. و يحق لهم ايضا معاقبة الفلاحين، رغم انهم ليسوا عبيدا عندهم. يخضع رجال الدين، و من بينهم ناظر المدرسة و الناسخ، لسلطة المفتي القضائية، كما يخضع الاسياد و الشرفاء لسلطة نقيب الشرفاء القضائية، و هما يملكان سجونا خاصة بهما، يزجان فيها الرعايا الذين يخالفون القانون. عندما يبني احد الاعيان جامعا، تحتفظ ذريته بحق ادارة هذا الجامع و صيانته، مع اعلام الحاكم بذلك. و تعين رجال الدين في الجامع، لكن ان تفنى عائلة باني المسجد، أو يطالب احدهم بحقه في هذا الملك، حتى يتسلم المفتي الايرادات و المصاريف و يتحول بالتالي إلى متول. قال لي معلم اللغة، الذي كان ناسخا ايضا، ان من يقدم التقارير و من يراجعها من بعده، يجنيان امولا طائلة اذ يتقاسمان جزءا من الأرباح. سمعت المتمولين يشتكون من هذا الامر في مدن تركية أخرى، حيث الجوامع تهدمت جزئيا، إذ من الصعب صيانة الجوامع ان لم تتلق دوما مساعدات اضافية.
    يتمتع الانكشاريون في البصرة كما في المدن التركية الاخرى، بامتيازات كثيرة، منها عدم معاقبتهم أو حبسهم عند اقترافهم الجرائم، كبار ضباطهم يلازمون القرنة برفقة قادتهم، بينما يعين صغار الضباط في فرقهم، عناصر منحلة، ممن يمارسون اللصوصية و غيرها من الأعمال المخلة بالأمن، و التي تسي‏ء للحاكم و لرعاياه من الطبقة الكادحة. علاوة عن ذلك، لا يتخلى المتطوع عن عمله، و يتقاضى راتبا شهريا، و مبلغا آخر اضافيا لسهره على الأمن العام. غير انني لا أخال الانكشاري يغالي إلى هذا الحد إلا في غياب باشا بغداد. عند وفاة سليمان باشا، لم يستطع الحاكم منع الانكشاريين، من مهاجمة منازل المسيحيين، و المسلمين الذين لم يطلبوا الحماية منهم. و غالبا ما يشتم اعضاء احدى الفرق، المسلمين أو اتباع الديانات الاخرى، الذي طلبوا الحماية من فرقة أخرى، و أدى ذلك إلى نشوب خلاف بين الانكشاريين، و اندلاع معارك حادة بينهم.
    و غالبا ما كان يسقط في اليوم الواحد من ٨ إلى ١٢ قتيلا، من بينهم اشخاص لا علاقة لهم اطلاقا بالانكشاريين. و حث هذا الامر الناس على الانخراط في فرقهم، تفاديا لوقوعهم ضحية سخط هؤلاء الحثالة. و لهذا السبب، عرف مسلمو البصرة، جميعا بالانكشاريين‏ و لما كان الأجل و الانكشاريون يتمتعون بامتيازات كثيرة، يخيل الينا ان الحاكم لا يتمتع بصلاحيات عالية، لكن ان كان نبيها استطاع الحفاظ على نفوذه.
    غالبا ما يشن الاعيان الحرب على بعضهم البعض، فينهبون القرى التابعة لنفوذ احدهم للآخر، ان أراد الحاكم ان يدحر أحد معارضيه، إما علنا في الديوان أو في أي مكان آخر، يصبر عليه حتى يغالي في تصرفاته. و لكن الأتراك يعظمون شأن اخطاء الأثرياء أكثر من الجرائم التي قد يرتكبها الفقراء. فيشنقون الفاعل و يصادرون جزءا من أمواله.
    و لا يسع ذوو المشنوق إلا التذمر سرا من طغيان الاتراك. قدم الحاج يوسف اموالا طائلة لعلي باشا، الذي منحه في المقابل الحق في ابتزاز مبالغ كبيرة من التجار الاخرين، و الادعاء انها لحساب الآخر. فأقيل عندئذ حاكم بغداد احمد كخيا و عين مكانه حاكما آخر. و لكنه ما لبث ان أعيد إلى منصبه، حيث بذل قصارى جهده لكسب صداقة الرجل الذي تسبب في الماضي في اقالته. و لكن يوسف لم يضع فيه ثقته، و فضل ان يعين مرافقين خاصين، لإغاثته عندما تدعو الحاجة. غير انه اضطر في أحد الأيام للتعامل مع التفكجي باشا (او قائد فيلق من المشاة) الذي كان يكن له صداقة عميقة. فأعطاه هذا الاخير الامر الصادر بشنقه. فتم اعدامه في الحال، و رميت جثة هذا التاجر الذي نال حظوة لدى الباشا، و تمتع بحماية رجال الدين له، خاصة بعد أن حج إلى مكة، في مزبلة، و استطاع احمد باشا كخيا جمع الاثباتات ضد الحاج يوسف، و تبرير تصرفاته للشعب، أما علي باشا، فكان يشعر بسرور عظيم، خاصة و انه استعاد المئتي الف قرش التي كان يدين بها للحج يوسف، فضلا عن استيلائه على جزء كبير من أموال هذا المسكين.
    ابتز الحاكم نفسه مبلغا كبيرا من المال، من تاجر أرمني، لإقدامه على خطوة نالت اعجاب حكام اوروبا كلهم. و إليكم ما جرى: بنى الأرمني على حسابه جسرا من الحجارة، فوق احدى القنوات المجاورة للمدينة، و رمم الطريق العام، الذي كان يتعذر سلوكه في الشتاء نظرا لإهمال‏ الحكومة له. و كان قد طلب مسبقا الإذن من الحكومة، و لما لم يتلق فرمانا، دفع ثمنا غاليا ثمن تصرفاته. ففي تركيا، غالبا ما يجبر الاشخاص الذين يشيدون صروحا جميلة، على اقراض الحكومة مبلغا من المال، دون ان تعيده لهم لاحقا. فلا عجب اذن ان لم يظهر الاثرياء من الأتراك كرما بالغا. من جهة أخرى، يتميز جهاز الشرطة في البصرة بفعالية: فرغم ان اكوام القمح لا تغطى بالحصائر في السوق، لم نسمع ابدا عن عملية سرقة من أي نوع كانت.
    من الصعب الحصول على رقم محدد لعدد السكان في بلاد الشرق، خاصة و انهم لا يضعون فيها لوائح بالولادات و الوفيات. فان حاولنا الاستعلام عن الموضوع من السكان، اجابوا ان عددهم يبلغ الملايين. غير ان عدد السكان ليس كبيرا جدا، كما يسري الاعتقاد في اوروبا، تضم البصرة حوالي ٧٠ محلة أو حي. بعضها يضم ٣٠٠ أو ٤٠٠ منزلا. و بعضها الآخر ١٠ أو ٢٠ منزلا أما المحال الاخرى، فتضم بساتين نخيل و مقابر كبيرة. أكد لي سكان المدينة، ان كل محلة تضم حوالي ١٠٠ منزل فان حسبنا ان كل منزل يحوي سبعة أشخاص، بلغ عدد السكان الاجمالي اكثر من ٥٠ ألفا. لكن إن حاولنا احصاء السكان لما تجاوز عددهم الاربعين الفا.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    الماستر
    الماستر
    الاداريون
    الاداريون


    رسالة sms رسالة sms : مرحبا بك
    زائر


    عدد المساهمات : 4802
    تاريخ التسجيل : 04/10/2009
    العمر : 41
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    عاجل رد: رحلة نيبور الى البصرة

    مُساهمة من طرف الماستر الأربعاء 17 فبراير 2021, 5:06 am

    ملاحظة : النص منقول بدون تصرف من النسخة الاصلية رعاية لامانة النقل ومصداقيته بغض النظر عن ما جاء فيها من تمييز مذهبي او طائفي
    يعتبر المذهب السني المذهب المهيمن في هذه المدينة. خلال الحرب الاهلية في بلاد فارس، وصل عدد كبير من اهل الشيعة إلى المدينة، و لما كان السنة يكرهون هؤلاء الاخرين شديد الكره، عرف معظم الشيعة انفسهم على انهم من السنة. و يبدو ان مسلمي هذه المنطقة لا يدققون كثيرا في مسألة الواجبات الدينية. و لا يتوانى الاثرياء عن الصلاة خمس مرات في النهار، كي لا تتهمهم الحكومة بإهمال دينهم، ان لم تجد تهمة أخرى توجهها إليهم. و الجدير ذكره انه قلما يهمها أمر ممارسة الفقير واجباته الدينية أو اهمالها لها. من بين مسيحيي الشرق كلهم، تعد رعية الأرمن الأكثر عددا، علما ان معظم افرادها اتوا إلى هنا من بلاد فارس. أما عدد الصابئة فضئيل جدا، و لا أحد يعيرهم اهتماما. اعطاني احد الحدادين نسخة عن ابجديتهم .  نجد في البصرة ايضا عائلات بانيانية و هندية. و من بين الامم الاوروبية كلها، يمارس الانكليز تجارة الجوخ الاوروبي، و النسيج البنغالي و الاقمشة على انواعها من مدينة سورات الهندية . يقيم في هذه المدينة مستشار انكليزي من بومباي، يرافقه عدد من رجال الدين، اما المستشار الفرنسي فقد رحل عنها بعد أن توقفت حكومته عن إرسال أجر محترم له. و الجدير ذكره ان الهولنديين لم يقيموا ابدا في هذه المدينة، علما ان التجار يجلبون التوابل و العقاقير من خارج. نجد في البصرة عددا كبيرا من الايطاليين، الذين يمارسون الاعمال التجارية عبر حلب باتجاه البندقية و ليفورن. فضلا عن كاهنين كاثوليكيين رومانيين، بنيا كنيسة صغيرة، شبيهة بتلك التي شيدت في ظل حكومة حسين باشا، و التي انهارت كليا.
    تمتد الصحراء الكبيرة من سفح اسوار البصرة، و تمتاز تربة هذه البقعة بخصوبتها شأنها شأن التربة التي تغطي ضفتي النهر، حيث تكثر بساتين النخيل، و حقول الأرز. و لا ينقص في هذه البقعة، سوى قنوات المياه، التي نشاهد مثالا عنها جنوبي غربي المدينة. لثلاثين أو اربعين سنة خلت، كانت تقع في هذه المنطقة قرية كبيرة، لم يتبق منها اليوم الا صرحا صغيرا يعلو ضريح ولي مسلم و يغطي المنطقة الممتدة إلى الزبير، الملح الذي يستعمل في الأكل، خاصة في البقع التي بنيت فيها سدود صغيرة، لجمع مياه الامطار و تبخيرها.
    موقع مدينة البصرة القديمة
    تقع مدينة البصرة القديمة، التي اشتهرت في ظل حكم الخلفاء الاولين، على بعد ميلين جنوبي غربي المدينة، التي تحمل اليوم هذا الاسم، و في منطقة رملية شاسعة، و نجد ههنا بقايا سور من اسوار المدينة، يبلغ محيطه فرسخين، فضلا عن أسوار جامعي علي البرمكي و سفران، و أضرحة الحسن البصري الشهير، و الزبير، و ابن علوان و طلحة، و ابن عبيد، و غيرهم من الحكماء الذين دفنوا في البصرة.
    يكره اهل الشيعة هؤلاء العرب الشهيرين، لأنهم خرقوا عهد الوفاء مع امامهم الكبير، و حاربوه من اجل عائشة. أما أهل السنة، فيكنون لهم كل احترام، لأنهم تطوعوا كضباط في جيش محمد، و ندموا كثيرا، قبل وفاتهم، لمقاومتهم علي، صهر محمد، و الخلفاء الذين جاؤوا من بعده. تعلو أضرحة هؤلاء العرب منازل حجرية شبيهة بتلك التي تعلو أضرحة الأولياء الآخرين، و يقال ان الفرس دمروا هذه المنازل، زمن الهجرة (١١٥٦)، حين حاصر نادر شاه مدينة البصرة التي نعرفها اليوم.
    و لكن اهل السنة اعادوا بناءها بعد انسحاب العدو من المدينة. و مما لا شك فيه ان العجائب التالية، حصلت في ما بعد، استنادا لكلام رجل دين مسلم من الزبير، اضاع رجل حماره خلال سفره من البصرة الجديدة إلى البصرة القديمة، فشكا همه لبعض العمال قرب ضريح طلحة، علما انه جاب الصحراء كلها دون ان يتمكن من العثور على حماره. فحزنوا لأمره. و راحوا يشاركونه الصلاة، و الدعاء، حتى يعيد الولي له حماره. عندئذ، رأوه آتيا صوبهم بعجلة، و كان احدهم يلحق به حاملا سوطا في يده. انهارت القبة الجديدة، التي بنيت فوق ضريح الحسن البصري، للمرة الثانية. فظهر اثر ذلك الولي لأحدهم في الحلم و أكد له انه لا يريد قبة فوق ضريحه، بل برجا صغيرا، على أن يوضع رأسه قرب الجدار، حتى يتمكن الناس من الدوران حول الضريح‏ . دفن الزبير قرب جامع جميل تعلوه مئذنة. و أكد لي امام هذا الجامع، الذي اخبرني هذه القصص كلها، ان الزبير رد عليه مرة التحية. فسألت الشيوخ الاخرين، ان رد عليهم الأولياء السلام، فأجابوني بتواضع و خشوع. إنهم خطأة و لا يستحقون هذه النعمة. و أراني الامام الشجرة الذي فقد تحتها الزبير حياته، استنادا لتاريخ العرب. و على مقربة من هذه المدينة القديمة نجد ضريح المدعو عبد الله بن عباس، الذي كان والده بواب محمد لما كان المسلمون يفضلون ان يدفنوا قرب اوليائهم، تنقل جثث الموتى من البصرة الجديدة إلى البصرة القديمة. كانت المدينة مهدمة كليا، إلى ان اعيد بناء بعض المنازل قرب ضريح الزبير، منذ ٣٠ أو ٤٠ سنة، و منذ ذلك الوقت عرفت البصرة القديمة بالزبير منذ ثماني أو عشر سنوات، تمركز في هذه المدينة عدد كبير من السنة، الذين طردوا من نجد على يد عبد الوهاب مؤسس احدى الديانات الجديدة، و لهذا السبب تعد الزبير مدينة صغيرة، خاصة بعد ان بني فيها مسجد جديد علاوة عن ذلك الذي تحدثت عنه آنفا.
    لم استطع ان أعرف في الزبير متى دمرت البصرة القديمة و في أي ظرف. يقول الامام الذي تحدثت عنه اعلاه، ان عاصفة قوية اقتلعت المنازل و الجوامع، فأعاد السكان بناء البصرة الجديدة. لكن يبدو لي ان انحطاط هذه المدينة كان ثمرة سوء حكم المسلمين، الذي دفع بسكان بلاد الكلدان إلى النزوح منها. نشاهد في البصرة القديمة، مجرى نهر جاف، أو قناة مجوفة، يسميها العرب جاري زاد أو حاثازاد. كانت مياه هذا النهر تنبع من بلدة هيت‏ ، التي تقع على بعد ستة أيام شمالي الحلة، و من الفرات في الكوفة، ليصب على بعد ثلاثة أميال في خليج غورابديلا (اللوحةXL   يقول العرب ان ضفتي القناة كانتا محددتين بالأشجار، و ان مياهها ساهمت في تحويل هذه الارض إلى بقعة خصبة. و لكن مياه القناة جفت منذ عدة سنوات و تحول هذا البلد الخصب إلى ارض قاحلة لا يقطن فيها الا العرب البدو. فلا عجب اذن، ان ينزح اهل البصرة عنها، عندما جفت مياه النهر، كما و ان سكان القرى المجاورة انتقلوا إلى ضفاف الفرات، حيث المياه غزيرة جدا
    كم يسرني ان يجتمع اهالي هذا البلد ليحفروا قناة طولها يوازي مسيرة عدة ايام، كي تحوّل هذه الصحراء الى ارض خصبة. و مما لا شك فيه ان عدد سكانه كان مرتفعا جدا، اذ لا يعقل حفر نهر بالاكوباس. قبل انتهاء اعمار بلاد ما بين النهرين. عند وصول المسلمين الى هذه المنطقة، كان النهر في حالة جيدة، خاصة و ان مدينتي الكوفه و البصرة الشهيرتين كانتا تقعان على ضفافه، و لما دمرتا منذ عدة قرون، اظن ان حكومتيها قد اهملتا الاعتناء بهما، كانت مياه الفرات تصب في بحر باهر، عبر نهر بالاكوباس. و نجد بين السماوة و الحلّة مستنقعات كثيرة تغرقها مياه الفرات؛ و يبدو ان الاسكندر قد سلك هذا الدرب في طريق العودة. كان الناس اذن يخلطون بين نهر الفرات و البالاكوباس، و نجد سواعد عدة تمر في وسط البحر الابيض المتوسط القديم، قرأت في مذكرات انكليزي سافر من حلب الى البصرة، انه شاهد على بعد ٤٤ فرسخا جنوبي شرقي هيت، قرية مهجورة تماما، يبلغ ارتفاع اسوارها ٥٠ قدما و سماكتها ٤٠. اما الجهات الاربع، فيبلغ-
    استنادا إلى تاريخ كربلاء، وقعت المعركة الشهيرة بين علي و عائشة، على مقربة من البصرة، و لكن سكان الزبير، لم يحددوا ساحة المعركة بدقة. رغم انهم يدعون انها وقعت في وادي سعيد سبان. بين البصرة و جبل سنام، حيث نجد قرية كوبيدة، التي يسميها العرب اليوم خريبة.
    تتميز البصرة بتنوع اجناس التمر التي تنمو فيها. و يقسمها العرب إلى نوعين نوع بارد، مفيد للصحة و نوع حار مضر بها. و هذا يعني ان النوع البارد طعمه لذيذ رغم ان سعره مرتفع بعض الشي‏ء، بينما النوع الحار، متوفر بكميات كبيرة، و يشكل غذاء الطبقة الفقيرة الاساسي. أما التمر الحنتاوي فهو الافضل بين كافة الانواع، إذ لا يضر أبدا بالمعدة، حتى و ان تناولنا كمية كبيرة منه.
    أما التمر الزاهدي، الذي يعد من أشد انواع التمر في البصرة، فهو يرمى للمواشي أو يصنع منه شرابا مسكرا. وحدهم الفقراء الذين لا يستطيعون تأمين طعام أفضل، يتناولون هذا النوع من التمر غير ان سكان بغداد لا يحتقرون هذا النوع من التمر، لأنه ينمو بكثرة في ارضهم، و اذكر من أنواع التمر الاخرى التي تنمو في هذه المنطقة، الحلاوي و الاستعمران و الشكر، و الجوزي، و الدبري و الخصاب، و الخضراوي و الاشرسي و البريم، و المكتوم (بعضه أحمر و بعضه أصفر) القنطار، الاواوي، تمر بنت السبع، الخنبزي، اصابيع العروس الدقل (بعضه احمر و بعضه اصفر)، الجوزي الاشكر، الشيص، المعضاد، البمكي، القصيب، الابراهيمي.
    يستعمل هذا التمر لصنع الدبس، الذي يأكله العرب مع الخبز، و الجدير ذكره ان الحلاوي هو الافضل لصنع هذا الشراب المسكر. اما لب التمر فيرمى للماشية. قرأت في أحد الكتب ان عرب البصرة، يزرعون في الارض لب التمر بشكل هرمي، و لا أظن ان احدا يلجأ اليوم إلى هذه الطريقة لزراعة الأشجار. تكثر في هذه المنطقة بساتين الفاكهة، علما انها تعاني من نقص في الخشب.
    في الفصل الحار، ترتفع الحرارة في هذه المنطقة ارتفاعا شديدا، حتى أن البعض يقعون ارضا في الشارع من شدة الحر، كما و ان الهواء ليس منعشا نظرا للمستنقعات التي تحيط بالمكان، و الاقذار المتناثرة في المدينة نفسها. خلال شهرآب/ أغسطس، هبت الرياح الجنوبية الشرقية لمدة
    (*) سمعتهم في بغداد يتحدثون عن التمر الشفتاوي و الزهدي، و اصابع العروس، و الدقل، و الإبراهيمي و البدري و الاواوري، و السعدي، و البربان، و كوفي الشرمسي، و أم فاتل و مراسا، و المكاري.
    خمسة أو ستة أيام بينما استمرت الرياح الشمالية أو الشمالية الغربية خلال الايام الاخرى، يتأثر الجسم البشري بالحر عند هبوب الرياح الجنوبية الشرقية. لأنه يتصبب حينها عرقا. أما في النصف الاخير من شهر تشرين الاول/ أكتوبر، فكانت الرياح شديدة التقلب، ففي السابع من تشرين الاول/ أكتوبر، ظهرت بعض الغيوم، التي تكاثرت في ٢٧ منه، حاملة معها فصل الشتاء.
    تقيم قبيلة كعب العربية، التي تحدثت عنها في وصف شبه الجزيرة العربية شرقي شط العرب، و تتولى زمام الامور في المنطقة، و لا يقيم افرادها في الخيم، كما يفعل عرب الصحراء بل في مدن و قرى، شأنهم شأن عرب شرقي الخليج الفارسي، كان الشيخ سليمان، الحاكم الحالي للمنطقة، سيدا على مقاطعة صغيرة، تخضع لنفوذ بلاد فارس، لكن خلال الحرب الاهلية، استطاع ان يضع يده على مقاطعات صغيرة اخرى. و بعد ان اجتاح منطقة البصرة، تابع تقدمه باتجاه الشط ليبلغ منطقة دواس، على الجهة الغربية للنهر؛ بعبارة أخرى، استطاع بسط نفوذه على اقليم فارسي شاسع، و على جزر و مصبات شط العرب، التي كانت خاضعة في السابق لحكومة البصرة. و لكنه لم يدفع شيئا لكريم خان لأنه كان يقيم في منطقة بعيدة جدا عنه. و لما طالبه هذا الاخير بدفع الجزية، ادعى انه لا يملك مالا، لأن الأتراك، يبتزونه؛ و لما طالبه باشا بغداد بالمال، تذمر ايضا من الفرس: فقد كان يرشو أعيان مدينة البصرة، حتى يغضوا الطرف عن استيلائه على القرى، الواحدة تلو الاخرى. من جهته، رفض الحاكم شن الحرب على سليمان، خاصة و ان هذا يدفع له مبالغ طائلة، و لا اخاله قد يدفع قرشا واحدا للحاكم الجديد ان لم يسلم له بعض القرى أو يعلن الحرب عليه.
    شن باشاوات بغداد حملة عليه، فارتأى دفع الجزى و اعلان نفسه تابعا للأتراك أو رشوة الشيوخ العرب، و إلهاء الباشا. و اتخذ قبان (مدينة صغيرة على الساعد الشرقي للشط) مقرا له، و بنى سدا عاليا على الساعد الاخر، لتحويل مياه النهر و جعلها صالحة للملاحة. العام ١٧٦٥، كان يملك عشر سفن حربية و ٧٠ مركبا صغيرا للاستيراد و التصدير. في المقابل، كان نفوذ حاكم البصرة يتقلص من سنة إلى أخرى؛ و خلال اقامتي في تلك المنطقة، كان عاجزا عن مواجهة هذا الشيخ الصغير.
    قرر كريم خان الذهاب بنفسه لجلب جزية الشيخ سليمان، فدخل تلك السنة، على رأس جيش كبير، إلى مناطق نفوذه، دون ان يحقق أي انتصار يذكر، على غرار قائده الآمر كنيح خان، خلال مواجهته مير مهنا. كان سليمان يتنقل من جزيرة إلى أخرى، على متن سفنه مخلفا وراءه مدنا و قرى خالية كليا. و كان من الصعب على كريم خان الوصول إلى الجزر، و بعد ان بذل جهدا كبيرا، تمكن من الوصول إلى احداها و لكن بعد أن هجرها سليمان. و في نهاية المطاف انسحب إلى غربي شط العرب، في ظل حكومة البصرة.
    أبلغ كريم خان حكومة هذه المدينة انه من الأفضل لها مد يد العون له، و القضاء على قوات الشيخ سليمان. فوعده الحاكم بتلبية طلبه، رغم انه كان يحتج دوما بانتظاره وصول السفن و الجيوش من بغداد. مما لا شك فيه ان سليمان نجح في استمالة حكومة البصرة و رشوتها؛ أو لعلها كانت تفتقر للمال اللازم لشن الحرب عليه. و لما لاحظ الفرس ان الاتراك لا يسعون لمساعدته، سحبوا جيوشهم، تاركين للعرب عناء استرجاع مناطقهم. بعد ان أقدم كريم خان هذه السنة على طرد متمردين من مناطق نفوذهم سمح لهما بالعودة اليها. علما انها في حالة يرثى لها، اذ نزح عنها اهلها. و توقفت الاعمال التجارية فيها. و بعد ان ترك كريم خان حامية من الجند في مدن الشيخ سليمان، اضطر لتزويدها بالمؤن و الذخائر اللازمة لمتابعة هذه الحرب المستديمة و التي لن يجني منها شيئا. و لا شك ان سليمان دفع مبلغا كبيرا للفرس، حتى لا يلحقوا به ضررا لا يعوض.
    الماستر
    الماستر
    الاداريون
    الاداريون


    رسالة sms رسالة sms : مرحبا بك
    زائر


    عدد المساهمات : 4802
    تاريخ التسجيل : 04/10/2009
    العمر : 41
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    عاجل رد: رحلة نيبور الى البصرة

    مُساهمة من طرف الماستر الأربعاء 17 فبراير 2021, 5:08 am

    حرب بين أهل البصرة و العرب‏
    ادعى الأتراك انهم قادرون على استعادة الاراضي التي سلبها منهم الشيخ سليمان، و على تدمير جيوشه كلها، فشنوا عليه هجوما بالاتفاق مع كريم خان؛ و لكن عقائدهم الدينية، تفرض عليهم تقديم العون للعربي المضطهد، و ايوائه هو و جيوشه، في ارضهم. و لكن سليمان رفض الانسحاب من اراضي البصرة، و فضل ان ينتظر جني التمر، فأصدر باشا بغداد الامر لسكان اليصرة، بإعلان الحرب على هذا العربي الخائن، و الاستيلاء على مناطق نفوذه. كان الحاكم يملك فوجا من الخدم، و فوجين من المشاة (براتولي و تافنشكي)، و لكنه ارتأى ان يجند مجموعة أخرى من الرجال، قبل بدء المعارك؛ بعبارة أخرى جمع الحاكم أربعة أو خمسة الاف رجل، ليهاجم سليمان المقيم في دواسر، الواقعة غربي شط العرب، برفقة ١٤ أو ١٨ رجلا. (يرجى مراجعة اللوحةXL ).
    عند خروجهم من المدينة، كان الجند يظهرون شجاعة بالغة، و لكنهم بذلوا جهدا بالغا ليقطعوا عشرة أميال أو اثني عشر ميلا، علما ان الحاكم كان يبعد عن جيوشه حوالي الفرسخين. كان اسطول القائد باشا، يتألف من عشر سفن حربية، و مراكب صغيرة اخرى لنقل الجنود و المؤن.
    و كان الأتراك يعتمدون على مركب تجاري انكليزي، اعاره لهم المستشار الحالي، و على سفينتين حربيتين يقودهما ربانان انكليزيان. حطت الفرق الامامية رحالها على الضفة الغربية لشط العرب، قبالة الرأس الشمالي لجزيرة محرزي، و ألقت بعض سفن الاسطول مراسيها على شواطى‏ء الجزيرة نفسها، علما ان سفن العدو الحربية كانت راسية قرب رأس الجزيرة المذكورة. كان الحاكم قد نصب خيامه على بعد فرسخين من المدينة، بينما ألقى القائد باشا المرساة على مقربة منه. لما
    كان الأتراك يفتخرون بأسطولهم البحري و فرق المشاة التابعة لهم، ناموا في الليلة الاولى مل‏ء جفونهم، و لكن عندما دقت الساعة منتصف الليلة، تسللت سفن سليمان إلى وسط اسطول القائد باشا فاستيقظ الاتراك مذعورين، و غادروا سفنهم بسرعة البرق. استنفرت قوى الحاكم في المخيم، دون ان تتاح لها فرصة الاستعداد للمواجهة، اذ انسحبت سفن سليمان، و أخذت معها المراكب الحربية الثلاث. في اليوم التالي اجتازت هذه السفن الاسطول التركي، و نهبت القرى المجاورة للبصرة، و استولت على بعض المراكب الصغيرة، و لكن سليمان كان يتردد في الذهاب بعيدا في حربه مع البصريين، فعقد اتفاقا معهم يقضي بأن يدفع لهم مبلغا كبيرا من المال، و عادت على اثره الجيوش إلى البصرة، بعد مرور ١٨ أو ٢٠ يوما على رحيلها عنها.
    استنادا إلى سياسة الوكيل الانكليزي، لن يسي‏ء الشيخ سليمان الظن بأهل أمته، علما انه أعار البصريين احدى سفنه، و أرسل لهم عددا من رجاله ليقودوا مراكبهم الصغيرة. و في المقابل، يقول سليمان ان الانكليز و الاتراك هددوا سلامته و حاولوا شن هجوم عليه، و انه تصالح مع الأتراك و ليس مع الانكليز، الذين لم يأت على ذكرهم في الاتفاق الذي وقعه معهم.
    ارسل الوكيل يخته الصغير من الخرج إلى الشيخ سليمان، دون ان يتعرض له رجال سليمان، و لكن في منتصف شهر تموز/ يوليو، وصلت سفينة من مدارس إلى الشط، و شاهد الربان مراكب صغيرة كثيرة تجتاز النهر و لم يخطر في باله انها تابعة للعدو. لاحظ رجال سليمان ان الانكليز ليسوا مستعدين للمواجهة، فهجموا على السفينة و وضعوا يدهم عليها. قبل ان يتمكن الربان من مغادرة حجرته‏ .  كانت السفينة الانكليزية، التي رافقت اليخت من الخرج قد بلغت مصب النهر، و صادف رجال الشيخ سليمان، الذين ارادوا نقل السفينة إلى مرفأ قبان على الساعد الشرقي، اليخت الذي يسبق السفينة، فاستولوا عليه ايضا. و لما شاهد الربان الثالث هذين المركبين الانكليزيين مصحوبين بالسفن الحربية، خطر له انهما وقعا في الاسر، ففضل العودة إلى الخليج الفارسي، حيث يستطيع التحكم بمركبه بصورة افضل، و لكن لسوء حظه وقع على الرصيف الذي يطل على المصب فانتظر العرب فترة طويلة حتى ينخفض مستوى المياه، و ينقضوا على السفينة، و يسجنوا البحارة، و ينقلوا الاسطول كله إلى قبان. لم يتوقع الوكيل الانكليزي ان يقدم سليمان على هذا التصرف. فأجرى مفاوضات طويلة لاستعادة هذه السفن، و في نهاية المطاف وضع نص اتفاق رفض سليمان التوقيع عليه، إلا بعد موافقة حكومة بومباي عليه. و في هذه الاثناء أرسل ربابنة السفن إلى البصرة، بعد مضي ثلاثة أسابيع على احتجازهم، أما البحارة فأطلق سراحهم لاحقا.
    يروي الانكليز قصصا عديدة تثبت جهل العرب للعادات و التقاليد الاوروبية، و منها القصة التالية:
    لاحظ ضابط من ضباط سليمان ان أحد الربابنة ينظر إلى ساعته. فطلب منه أن يريه هذه الآلة الغريبة، و لما لاحظ ان شيئا ما يتحرك في داخلها، وضعها في دلو ماء ليغرق هذا الحيوان. و بعد ان ادرك ان الساعة لا تزال تعمل، رماها أرضا. فراحت تتفكك قطعها كلها، فخاف العربي منها و رماها في الماء.
    بعد ظهر ٢٤ آب/ أغسطس، شاهدنا ثماني سفن حربية تابعة للشيخ سليمان، تجتاز النهر.
    فوضعت المدينة في حالة تأهب. و لما كان الحاكم يخشى ان يرسي العرب السفن الحربية امام منزل القائد باشا، أو ان ينزلوا جيوشهم في المدينة، انتقل ليلا برفقة رجاله إلى مناوي. في اليوم التالي، عملنا ان رجال سليمان نهبوا قريتين صغيرتين، تابعتين لشيخ قبيلة المنتفق، و أضرموا النار فيها؛ كان هؤلاء العرب يقيمون حاليا بين البصرة و عرجة، و هم يدفعون حاليا الجزية لباشا بغداد، و يعيشون بسلام مع البصريين. أظهر عبد الله، شيخ القبيلة الحالي، استياءه من تصرف سليمان، و استعد للانقضاض على بلاده. فدعى الحاكم للمشاركة في حملته هذه، و قبل ان يصله رد الحكومة التركية، تمركزت جيوشه امام المدينة، و كان بعض العرب يعبرون النهر في زوارق صغيرة، برفقة نسائهم و اولادهم، بينما يمر البعض الاخر امام المدينة على ظهور الجمال، حاملين اكياسا فارغة، و متوجهين نحو بستان النخيل الواقع على الطرف الجنوبي، من البصرة.
    عاد سليمان برفقة سفنه الحربية إلى المدينة، بينما تراجع الحاكم، إلى مناوي، و لكن سليمان لم يكن ينوي انزال جيوشه حيث يتوقع ان يلقى معارضة، فبدأ يجمع التمر من القرى المجاورة، إلى ان بلغ اقصى الجنوب؛ في المقابل، كان عرب قبيلة المنتفق يجمعون التمر من الجنوب إلى الشمال، في البصرة. في ١٠ تشرين الاول/ أكتوبر، تابع عرب قبيلة كعب الطريق، بينما عاد عرب المنتفق إلى ديارهم، فلحق بهم البصريون، ليجمعوا التمر الذي تركه جيرانهم. فبدا لنا واضحا ان الشيخين عبد الله و سليمان قد اتفقا، بين بعضهما، على جمع تمر الرعايا الأتراك، رغم ان عرب قبيلة المنتفق أرادوا ان يثبتوا صداقتهم للبصريين و كان يصل يوميا إلى المدينة اناس يتحدثون عن المناوشات التي وقعت بينهم و بين عرب كعب، لمنعهم من نهب بساتين النخيل، حتى ان الشيخ عبد الله ارسل إلى الحاكم رأسين كان سكان البلدة يفتخران بهما كثيرا. لم يتجرأ أهل المدينة على التعبير عن رأيهم في الحرب، فهم يعتقدون ان العرب اقتطعوا رأسي رجلين مريضين. في هذه الأثناء، كانت الحكومة التركية راضية كل الرضى عن النجاح الذي حقق، لأنها كانت تخشى ان تهاجمها قبيلة المنتفق من جهة و قبيلة كعب من جهة أخرى. في نهاية الامر تقاتل عربي من المنتفق مع جندي من جنود الحاكم وارداه قتيلا، فأبى السكان ان يقبلوا بهذه الاهانة في عقر دارهم، فتجمعت الفرق العسكرية كلها كافة، و تعاونت في ما بينها لطرد العرب من المدينة. يدفع الاوروبيون الذين يمارسون التجارة في البصرة ثلاثة بالمئة من رسم المرور على البضائع التي يستوردونها من الهند، أما تجار الدول الشرقية فيدفعون ٧٠ بالمئة علاوة عن الضرائب التي يدفعونها لضباط الجمرك على بضائعهم. و هذا يعني ان الحكومة خسرت الكثير من المال نظرا لعدم وصول هاتين السفينتين القادمتين من الهند، فبذلت قصارى جهدها لإرغام سليمان على اعادتهما لها. فتقدم سيد من أعيان بغداد، قبض منذ بضعة أشهر ٦٠٠ ريال من سليمان ليتوسط له امام الباشا، ليلعب دور السفير. فوصل إلى البصرة في اواسط شهر تشرين الاول/ أكتوبر و تابع رحلته دون توقف باتجاه قبان. لكن سليمان ادعى عدم معرفته به. و لما ذكره السيد بالخدمة التي اداها له، و بالمبلغ الذي قبضه منه، رفض العباءة الثمينة التي ارسلها له الباشا، تعبيرا عن سلامة نيته. و قال ان العباءة تليق بالشيخ العربي اكثر من الخادم التركي، خاصة ان كان مرسلها شخص يعمل في خدمة السلطان. بعبارة أخرى، كان استقبال سليمان للسيد سيئا للغاية؛ إلى حد ان هذا الاخير اضطر للعودة على الفور إلى البصرة. في ٢٦ تشرين الاول/ أكتوبر وصل سفير آخر للباشا، و يدعى عبد الله بك، و هو عربي الاصل، كريم النسب، يعمل في خدمة باشا بغداد، و يحبه العرب أجمعون.
    في بداية الامر، بعث رسولا إلى قبان ليعلم سليمان بوصوله، و في ٢٨ منه، انطلق برفقة الشيخ درويش، أحد أعيان مدينة البصرة، فاستقبلهما الشيخ سليمان بكل حفاوة، دون ان ينالا منه أكثر من الاطراء.
    لما كان الباشا قد عظم من شأن سليمان، بإرساله ضابطين كريمي النسب لمقابلته، طلب من مستشاره الخاص ان يرافقهما إلى بغداد على أمل ان يتفاوض مع سيدهم للتوصل إلى اتفاق. و اظن ان هذا الامر يعد اهانة كبيرة للباشا الذي يحكم بلدا يفوق كافة الممالك الاوروبية مساحة، هذه هي نقاط ضعف الحكومة التركية في المقاطعات النائية.
    عم الحزن البصرة هذه السنة، ففي فصل الخريف كانت تستقبل عادة حوالي ٥٠ مركبا من مرافى‏ء عمان كافة، محملة كلها بالبن من المخا و الحديدة. و أرغمت السفن الاولى على دفع رسوم مرور باهظة للشيخ سليمان، كي يسمح لها بمتابعة رحلتها إلى البصرة، كما و انها ارغمت على شراء التمر في طريق العودة. و عندما بلغ خبر الاحداث التي وقعت على شط العرب مسامع سكان مسقط، افرغت المراكب الصغيرة البن، الذي حمل في سفينة حربية تابعة لاسطول الامام.
    و رغم انها تمكنت من الوصول بسلام إلى بوشهر، لم تجرؤ على المضي في رحلتها. في السنة التالية، علمت ان السفينة المذكورة افرغت حمولتها كلها في احد مخازن الخرج، لتقع بعدها اسيرة مير مهنا.
    الماستر
    الماستر
    الاداريون
    الاداريون


    رسالة sms رسالة sms : مرحبا بك
    زائر


    عدد المساهمات : 4802
    تاريخ التسجيل : 04/10/2009
    العمر : 41
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    عاجل رد: رحلة نيبور الى البصرة

    مُساهمة من طرف الماستر الأربعاء 17 فبراير 2021, 5:11 am

    الطرق المؤدية من البصرة إلى حلب عبر الصحراء
    ان اقصر طريق من البصرة إلى حلب تمر في الصحراء، غير اننا نصادف في الطريق قبائل عربية كثيرة، تدعي كل منها السيادة، و الحق في المطالبة بهدايا من الرحالة؛ لهذا السبب لا يجتاز احد هذه الطريق الا برفقة قافلة كبيرة. خلال اقامتي في البصرة، كانت الاعمال التجارية ضعيفة للغاية، و عدد التجار الذين يسافرون في القوافل ضئيلا للغاية. لذلك اضطررت لسلوك طريق آخر. و لما اتيحت لي فرصة التعرف على بدوي قطع عدة مرات الصحراء من البصرة إلى حلب، سأذكر لكم المناطق الواقعة على هذه الطريق، كما سمعتها منه.
    يبدأ الطريق بمنطقة زبير، كويبده شكره، الخفة، القصير (قصر متداع) وادي ابو المريس عيون صيد، و هي عبارة عن بركة بنتها زوجة احد الخلفاء، الغضاري، جرتمي، القايم أو الالتلة، رهامة، في جوار مشهد علي، الطقطقانة، أو الحباضة، الحسين، الاخيضر (حصن قديم تحدثت عنه سابقا) رأس العين، تمبل، الكبسة، عقلة، حوران، تغب الجاموس، المانغي، الرتقة، البردان، رشبا، (حصن قديم على الفرات) جب غنم، الحمض، جبل بشير، العزمة، الطيبه، (دمرت القرية التي تحمل هذا الاسم منذ ٢٠ أو ٣٠ سنة)، قصر الشوان، قاع، ابو الفياض، عنز الروثة، صهاريج، جبل شبيبة، لحاس، حقلة عين سفيرة، أو عين ذهب، حلب‏
    و إذا كان هذا الطريق محفوفا بالمخاطر سلكت القوافل طريقا مختلفا، على ان تتزود بكمية كافية من المياه، فتعبر بعد مغادرتها البصرة، الزبير، و كوبيدة، و شكرة، و الخفة، و الكوس، و سلمان و الأثله، و قطري، و البذي، و حجرة، محبوز و القعر، و صواب، و الصرايم، و الضخه، و بير قديم، و ابو الفياض و الحمام، و جبل الاحص و حقلة و سفيرة و حلب في طريقها من بغداد إلى حلب، تعبر القوافل في عقرقوف، و الهيس، و الفلوجه، و الوحلة، و ام الروس، صبنديج، هيت، المعميرة، عين الارنب و عقلة حوران.
    مما لا شك فيه ان الرحلة في الصحراء ليست مزعجة أو محفوفة بالمخاطر، خاصة ان كان السلام يسود بين القبائل العربية، أو بينها و بين الاتراك، و ان كان قائد القافلة رجلا شريفا و ان كان المسافر يفهم لغة البلاد، و يحبذ طريقة عيش الشرقيين. لاحظ القارى‏ء، في الصفحات السابقة، ان الحروب تنشب بسرعة في هذه البلاد، و تنتهي احيانا بالسرعة نفسها. فحين نغادر احدى المدن، يخطر لنا ان رحلتنا آمنة تماما، و غالبا ما نصادف في منتصف الطريق اعداء على خلاف مع الشيوخ المقيمين في الجوار أو مع الباشاوات الاتراك، و يتوجب حينها على قائد القافلة ان يتفق مع العرب بطريقة ملائمة حتى نمر بسلام. مما لا شك فيه ان أكثر الرحلات أمانا هي تلك التي نقوم بها مع عرب بني كلب، الذين ينقلون كل سنة عددا كبيرا من الجمال إلى حلب، بهدف بيعها.
    كما و ان السفر برفقة قوافل التجار، التي يترأسها أحد اعيان البصرة، ليس محفوفا بالمخاطر، فهذا الاخير سافر كثيرا في صباه، و تعرف على شيوخ القبائل كافة، مما ساعده على تأمين الحماية الكاملة للمسافرين. أما القوافل التي يقودها احد الاتراك، و خاصة تلك التي تذهب من بغداد إلى دمشق و الى مكة فهي مكلفة و شديدة الخطورة. غالبا ما يبيع الباشا منصب قائد القافلة إلى الشخص الذي يدفع اكثر، ففي تلك السنة، دفع احدهم ٤٠ ألف ريال لتسلم قيادة قافلة حجاج بلاد فارس، الذين يبغون السفر من بغداد إلى دمشق بعد مرور ثلاثة اسابيع، دفع شخص آخر عشرة آلاف ريال، و حظي بالمنصب المذكور. يتوجب على هذا الشخص ان يجند عددا كبيرا من الرجال، و تقديم الهدايا للقبائل العربية، التي يصادفها في طريقه، اما المسافرون، فيشاركون في هذه الاعباء، علاوة عن دفعهم مبلغا محترما لقائد القافلة. و يروى ان بعض قادة القوافل، يتفقون مع العرب ليهاجموا القافلة و ينهبوها. و أكد لي كبار التجار ان قادة القوافل الاتراك يتسببون في معظم الاحيان بتعرض القوافل للنهب، على يد العرب، و قد اعطيت مثالا على هذه الاعمال في كتاب وصف شبه الجزيرة العربية. أخبرني شخص سافر في قافلة مماثلة، ان التجار اجبروا على دفع مبلغ كبير من المال، قبل انطلاق القافلة، و تعهد القائد في المقابل، بأن يوصلهم إلى وجهتهم بسلام.
    غير انه شاهد بعض العرب من بعيد، و اسرع للقائهم مع عدد من رجاله في هذه الاثناء، كان يجدر بنا الانتظار دون ان يتجرأ احد على اطلاق النار على العرب، رغم انهم كانوا يقتربون من القافلة و يهددون بنهبها. دامت المناقشات بين القائد و الشيخ وقتا طويلا، فكانا يتبادلان التهديد بحمل السلاح، و كافة انواع الشتائم و في نهاية المطاف، توصلا إلى اتفاق في ما بينهما، و اجبر قائد القافلة كل مسافر على دفع مبلغ من المال لمتابعة الرحلة. و الجدير ذكره ان الرحلة في الصحراء شديدة الخطورة على اهل الشيعة، اذ تفرض عليهم ضريبة أكبر من اهل السنة، و يسي‏ء الملحدون معاملتهم إلى اقصى حد.
    أتى بعض المسافرين على ذكر مركز الحمام الذي كان يستعمل قديما في البلاد الشرقية و هي تكثر في مدن مختلفة، و لكن من الصعب ان نصدق اننا نستطيع ارسال الحمام إلى كافة المناطق شأنها شأن اي رسول آخر؛ و لما كانت هذه المنطقة تفتقر إلى مراكز بريد محددة. درّب التجار الحمام لإبلاغ عائلاتهم بعودتهم سالمين من سفرهم. قابلت في البصرة تاجرا من بغداد، اعتاد على استعمال مراكز الحمام هذه في رحلاته كافة. فقد ترعرع الحمام في منزله و اعتاد على تناول طعامه في مكان محدد، كما و انه كان يتنقل على حريته، من مكان إلى آخر و يتعرف على المناطق المجاورة. في رحلته الاولى، اصطحبه معه إلى الحلّة، و في الثانية إلى لملم، و في الثالثة إلى ارج، و اخيرا إلى البصرة، حيث ارسله إلى منزله بعد ان علق رسالة صغيرة بقوائمه. و الجدير ذكره ان الحمام الذي يترك صغاره في المنزل يعود مباشرة اليه. و يزعم ان افضل نوع حمام هو البغدادي، و لكنني لا أشك ان الحمام الاوروبي اهل للتدرب على هذه المهمة. و قد قيل لي ان احد الايطاليين كان يستعملها ليعرف الأرقام التي استعملها مواطنوه في اليانصيب. و ما لا شك فيه اننا لا نحتاج مطلقا لهذا النوع من الحمام، لأننا نستطيع بعث الرسائل إلى أي بقعة في الارض، و بأقل كلفة ممكنة.
    يقول الكسندر هاملتون‏ (**) انه تكثر في منطقة البصرة شرقي و غربي الفرات، الغربان السوداء و البيضاء التي تتدافع و تتقاتل. و قد شاهدت بأم عيني غربانا سوداء و رمادية على ضفتي النهر، و لكن العرب لا يعتقدون ابدا ان الغربان السوداء و البيضاء قد اتخذت من الفرات حدا لها. الرحلة من البصرة إلى لملوم و مشهد علي، و مشهد الحسين، و الحلة، و بغداد للانتقال من البصرة إلى بعداد، هناك طريقان، الاول عبر دجلة و الثاني عبر الفرات، و لا يستخدم المسافرون الطريق الاول عادة، لطول المسافة بسبب تعرجات النهر الكثيرة، في حين ان الفرات لا تعرجات فيه، فضلا عن اننا نصل على هذا النهر حتى الحلّة و منها ينتقل المسافر مباشرة إلى بغداد برا، مما يجعل، الدرب أقصر، و نجد على الفرات محطات أو منازل، فحين يودّ المسافر أن يرتاح يظهر إذن الحاكم الذي يحمله، و يمكنه أن يتفق مع أناس في محطات مختلفة ليسحبوا مركبه، بأسعار معقولة، فيصل إلى الحلّة بهذه الطريقة في عشرة أيام على الأكثر.
    و يجب أن يتمتع المسافر بصحة جيدة ليقوم برحلة كهذه في الشتاء، و بما أن قطاع الطرق يكثرون على هذا الدرب، لا يستخدم هذه المحطات إلا رجال الحكومة الذين لا يتجرأ العرب على المساس بهم، فضلا عن أناس على عجلة من أمرهم و لا يحملون معهم سوى حاجاتهم الضرورية. أما أنا فانتظرت وصول مركب صغير ينقل بضائع إلى الحلّة و استأجرت المقصورة لنفسي و غرفة صغيرة لخادمي.
    حين صعدت على متن المركب، وجدت في الغرفة المذكورة، ضابطا من الانشكاريين يعاني سكرات الموت و يريد الوصول إلى الحلّة، و هي رفقة لم أكن أتمناها في رحلتي سيما و أني لا أعرف المرض الذي يعاني منه. لكن صاحب المركب كان قد قبض ماله سلفا، و أقنع خادمي، و هو مسلم من البصرة، بالتنازل عن مكانه و البقاء على سطح المركب، و كي لا أكون أقل انسانية تجاه هذا البائس من المسلمين الذين كانوا ليكرهونني لو طردته، سررت لقرار خادمي و قررت أن أسلم امري للقدر.
    كانت الرحلة شاقة بالنسبة لجاري المريض، و بما أني اعتدت العيش بين العرب، لم أستأ من القرار الذي اتخذته بشأن السفر على متن هذا المركب‏ (*). استغرقت الرحلة ٢١ يوما أيّ من ٢٨  تشرين الأول/ أكتوبر إلى ١٩ كانون الأول/ ديسمبر حيث وصلنا لملوم و غادرت المركب، و هي رحلة طويلة لكنها اتاحت لي فرصة القيام بدراسات فلكية عدة، ساعدني خلالها المسافرون الاخرون اذ تحلقوا حولي بثيابهم الطويلة لرد الهواء حين كنت أضع ساعتي الشمسية على الشاطى‏ء.سجلت ارتفاع القطب في أماكن عدة مررت بها و هي:
    في البصرة كما أوردت سابقا ٣٠ ٣٠
    في الاول من كانون الأول/ ديسمبر قرب المنصوري ٣٠ ٥٢
    في الثاني من كانون الثاني/ يناير في أبادا ٣٠ ٥٥
    في الرابع من كانون الثاني/ يناير في كعد ٣٠ ٥٨
    في السادس منه في أرجة ٣٠ ٥٩
    في ١٢ كانون الثاني/ يناير في غريم ٣١ ١٧
    في ١٦ كانون الثاني/ يناير قرب السماوة ٣١ ١٩
    في ١٨ كانون الثاني/ يناير في منطقة أبو حروق ٣١ ٢٨
    في ١٩ كانون الثاني/ يناير قرب لملوم ٣١ ٤٣
    ثم في الحلّة ٣٢ ٢٨
    و بما أن الفرات لا يجري في هذه المنطقة مباشرة من الشمال إلى الجنوب انما من الغرب إلى الشرق، يصعب تحديد طول المسافة لا سيما حين نسافر بعكس التيار حيث يدفعنا الجزر غالبا إلى الامام، و المدّ أو الرياح المعاكسة إلى الخلف‏ (*). زد على ذلك، أننا اضطررنا إلى سحب المركب لأن منسوب المياه منخفض للغاية فلمسنا القاع، فلم ير البحارة المساكين بدا من النزول إلى المياه و العمل جاهدين لتخليص المركب. و في أحدى المناطق التابعة لقبيلة بني حجيم(Hackkem) ، وضع السكان سدا لتحويل المياه لريّ مزروعاتهم فلم نجد سوى ممرّ ضيّق للغاية يعظم فيه التيار فأمضينا نصف نهار حتى تمكنا من المرور بمركبنا. و لم أتمكن من تحديد المسافة بدقة إلا استنادا
    (*) نجد على الفرات مدا و جزرا حتى ارجة اي على مسافة ١٤ ميلا بعد القرنة(Korne) ، و على بعد حوالي ٢٨ الى ٣٠ ميلا من الخليج الفارسي، لكن لا نلاحظ وجود مد و جزر على دجله بعد ااعزير(Ozer) و هي قرية تحمل اسم النبي عزرا(Esra) ، و يزور فيها اليهود اليوم قبرا للتبرّك.
    إلى المحطات التي نجد فيها اناسا يسحبون المراكب و هي ١٢ محطة من البصرة إلى القرنة(Korne) ، و ٧ من القرنة إلى المنصوري، و ١٢ من المنصوري إلى كعد، و ٢ من كعد إلى العرجا، و ١٤ من العرجا إلى السماوة، و ١٨ من السماوة إلى لملوم، و ٧ من لملوم إلى الديوانية، و ١٤ من الديوانية(Diwanie) إلى الحلّة، و استنادا إلى ملاحظاتي، تبعد المحطة عن الاخرى دقيقتين و نصف إلى ٣ دقائق أي حوالي ٣/ ٤ الميل، و انطلاقا من هذا و من تسجيلي لارتفاع القطب، وضعت خرائط خط السير على اللوحتين‏XL وXLI التي يمكن للقارى‏ء أن يميّز عليها مجرى الفرات من الحلّة و حتى الخليج الفارسي.
    نجد بين البصرة و بغداد العديد من القبائل العربية، تدفع كلها ضرائب للباشا، أما أولها فقبيلة المنتفق(Montefik) التي ذكرتها سابقا في وصفي لشبه الجزيرة العربية. و بما أن القرى و المدن الصغيرة الواقعة إلى غرب شط العرب و الفرات من البصرة و حتى العرجا ملك لها فضلا عن تلك الواقعة إلى شرق هذا النهر انطلاقا من القرنة في الشمال، تقيم القبيلة لأشهر في نهر عنتر، و تهيم في الصحراء مع قطعانها قسما كبيرا من السنة، حيث تعيش في الخيام كغيرها من البدو. و غالبا ما جعلت هذه القبيلة الدرب على الفرات و في الصحراء غير آمن، حتى انها حاصرت بغداد أحيانا، لكنها تنسحب إلى عمق الصحراء حيث لا يتجرأون على ملاحقتها ما أن تعلم أن الباشا أرسل الجيش لمقاتلها.
    و لم يعاقبوا يوما و عاقبهم سليمان كخيا(Kichja) الذي أصبح في ما بعد باشا بغداد، و الذي اعتاد و عمه احمد باشا الشهير اصطياد العرب، اذا صحّ التعبير، أيّ انهما يهاجمان القبائل بغتة. لذا كانت الطرقات آمنة أثناء حكمهما. أسر أحمد باشا يوما الشيخ سعدون أخ الشيخ عبد الله، الحاكم الحالي، لكنه عاد و أطلق سراحه مع تنبيهه بوجوب دفع الضرائب و الابتعاد عن المشاكل. و بعد فترة وجيزة، ثار ثانية، فأرسل احمد عندها صهره سليمان كخيا لقتاله مع بعض الرجال، فشن هذا الاخير هجوما مفاجئا عليه و أسره. و لا زال العرب يمدحون العنفوان الذي أظهره شيخهم في هذا الموقف، اذا دافع عن نفسه طويلا برمحه ثم بسيفه و بعدها بالدبوس (سلاح يشبه المطرقة يحمله العرب في سرجهم) و اخيرا بلجام جواده و ركابه، لكن من دون جدوى. و كان سليمان قد تلقى الامر بإعادة سعدون اسيرا إلى بغداد، و بصفته منتصرا طالب المغلوب ببعض الاحترام و الخضوع، لكن العربي الابي، المولود حرا رفض الخضوع، و أحصى سلالة اسلافه و سأل الكخيا كيف يمكن لشخص مثله لا يعرف اباه (أنه جيورجي، بيع في صباه كعبد) أن يطلب من نبيل عربي ان يبذل نفسه؟ و أغضب هذا الكلام سليمان فقطع رأس الشيخ و أرسله للباشا كدليل انتصاره، و رأى المشايخ الآخرون ان من الفطنة الخضوع له. و في يوم من الايام، قصد حوالي ١٨ شيخا من هذه‏ القبيلة الباشا ظنا منهم انهم تصالحوا معه، و رأى هذا الاخير ان الفرصة لن تتكرر فأمر بقطع رؤوسهم جميعا (*)، و هكذا ضعف نفوذ قبيلة المنتفق و لم تتجرأ حتى اليوم على العصيان. و يقال إن أحمد باشا الذي يقدر القيمة الشخصية حتى لأعدائه غضب من تصرف صهره، لكن غالبية الاتراك تعتبر حملة سليمان هذه دليلا على شجاعتهم في حين أن العرب ينظرون اليها كعمل جبان و وحشي.
    الماستر
    الماستر
    الاداريون
    الاداريون


    رسالة sms رسالة sms : مرحبا بك
    زائر


    عدد المساهمات : 4802
    تاريخ التسجيل : 04/10/2009
    العمر : 41
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    عاجل رد: رحلة نيبور الى البصرة

    مُساهمة من طرف الماستر الأربعاء 17 فبراير 2021, 5:13 am

    و تسيطر قبيلة بنو لام على دجلة، و تسبب متاعب عدة لباشاوات بغداد. حين أضحى أحمد باشا على بغداد للمرة الاولى، شنّ حملات عدة على هؤلاء العرب لكنه لم يتمكن من إلقاء القبض عليهم، لكثرة جواسيسهم في المدينة فما أن يعلموا بأن الجيش سيخرج حتى يتراجعوا إلى مناطق نائية. و عندما وصل إلى الحكم للمرة الثانية، ضرب و رجاله الخيام امام المدينة، و قام بتحضيرات كثيرة كما لو أنه يستعد لدخول المدينة في أبهى حلّة، و بقي عرب بني لام، الذين علموا بالأمر، آمنين، ظنّا منهم أنه لن يهاجم طالما لم يسيئوا اليه أولا أو أنه سيدخل المدينة أولا، لكنه رفع الخيام في الليل و هاجمهم بسرعة حتى أنهم لم يعرفوا بمخططه. و كسب في هذا الهجوم عدة غنائم من إبل و جياد و ابقار و خراف، و قطع رؤوس المشايخ فأضعف القبيلة التي لم تعد تفكر بالعصيان.
    و يلجم الباشاوات العرب المقيمين في مناطق حكمهم بهذه الوسائل، و يمكننا أن نتصور بسهولة أن البدو في الصحراء لا يهتمون قط بحكم السلطان و الباشاوات.
    و يطلق على المنتفق و بني لام و القبائل العربية الحقيقية الاخرى اسم أهل الابل أو البدو، و يعملون في تربية الجمال و تدريبها، و يقيمون معظم الوقت في الخيام و يتركون أمر الزراعة للفلاحين، و يأتي السادة العرب في أوقات معينة من السنة لجمع الضرائب مستخدمين العنف و القسوة احيانا. و تسمى قبيلة كعب المقيمة على مصب النهر أي على شط العرب و غيرها من القبائل التي تقيم دائما في القرى و المدن، العرب الحضر و نصادف عربا آخرين، يعملون في تربية الجياد و الابقار و الجواميس، فضلا عن الزراعة و ينقلون أكواخهم الحقيرة من مكان إلى آخر كما يفعل البدو مع خيامهم، و يطلق على هؤلاء اسم المعدان(Moadan) . و تقيم في شرق الفرات قبيلتان من هذه القبائل، و هما بني حجيم(Beni Hakem) و خزعل و تتبعان المذهب الشيعي. أما القبيلة الاولى فصغيرة العدد و لا تسبب مشاكل للاتراك، لكن‏
    ____________
    (*) كما غدر باليزيديين المقيمين في جبل سنجار، اذ اقنع شيوخ الجبل المهمين بزيارته و طلب العفو على عمليات النهب التي قاموا بها، لكن ما إن وصلوا الى خيمته حتى امر بقطع رؤوسهم.
    قبيلة خزعل التي يقيم شيخها في لملوم، فتتصرف احيانا بفظاظة و تسبب المتاعب للباشاوات، و قد هزمت قوات علي باشا منذ سنوات، حين قتلت الباشا نفسه أمسى أبناؤها متغطرسين، فمنعوا أي مركب من المرور على الفرات قبل ان يدفع جزية. و قبيل وصولي، لقّن عمر باشا هذه القبيلة درسا حيث قطع رؤوس مشايخها، و عيّن شيخا جديدا حاكما لها، لكن الحاكم السابق الفار و اسمه حمود، عاد بعد انسحاب الاتراك، و بما ان الباشا لم يشأ القيام بحملة أخرى، سلمّه الحكم من جديد. و لا يتجرأ هؤلاء العرب حاليا على ايقاف المراكب، لكن الاتراك الذي يبحرون على الفرات يضطرون إلى سماع الشيعة ينعتونهم بالملحدين و يعلنون كرههم للخلفاء الثلاثة الاوائل أي أبي بكر و عمر و عثمان.
    إن ضفة الفرات منخفضة جدا في المناطق الخاضعة لقبيلة خزعل، لا سيما في المنطقة المسماة ام الخنزير حيث يكثر الاسل و بالتالي الخنازير البرية، و لا بد أن للنهر سواعد عدة اذ لا يتعدى عرضه احيانا ٤٠ إلى ٥٠ قدما (*).
    و نجد في شمال المناطق التابعة لهذه القبيلة، مرسى كبيرا يسمى حسكة، يحكمه آغا تابع لباشا بغداد يقيم في ديوانه، و يعتبر اكبر مرسى. في نقطة حكم الباشا، يملك هذا الآغا فرقة كبيرة من الخيالة تساعده على السيطرة على العرب، لكننا لاحظنا آنفا أن هؤلاء لا يكترثون به أحيانا. أما أهم المناطق التي نصادفها بين البصرة و لملوم فهي:
    - مناوي، محل إقامة الباشا النقيب، و هي في البصرة كما ذكرت سابقا و اشرت إلى ذلك على اللوحةXXXIX . و يعتبر هذا المكان مميزا بالنسبة للمسافرين اذ يضطرون إلى دفع ضريبة للباشا.
    و في الجهة الاخرى لشط العرب و قبالة مناوي، نجد قلعة مهدمة كليا و تعرف باسم كردلان.
    - دير، قربة كبيرة جنوب الشط، و على بعد يوم من البصرة. و نجد هنا تلالا كبيرة هي عبارة عن بقايا مدينة شيّدها البرتغاليون استنادا إلى رأي رفاق رحلتي، لكن لم يبق من الابنية القديمة سوى منارة جميلة و هي الوحيدة التي نصادفها بين البصرة و الحلة (باستثناء القرنة).
    - سويب، تقع إلى شمال الشط و على نهر ينبع في حويزة. و تدل الاثار الكبيرة على أنّ مدينة كبيرة كانت تقوم في هذا المكان في ما مضى. إن النهر الذي يصب في الشط عند نهر حاسر(Haser) هو نهر حواسبيس(Choas Pis) الذي ذكره علماء الجغرافيا القدامى.
    (*) يبدو انه المكان الذي مرّ به الاسكندر عائدا حين قام برحلة من بابل الى بالاكوباس‏(Pallacopas) قبيل وفاته.
    - القرنة، تقع عند ملتقى دجله و الفرات، و هي مدينة سيئة البناء، يحيط بها من جهة اليابسة سور مزدوج من الآجر، و هو بناء حديث، اذ علمت في البصرة ان الباشا علي و الباشا حسين شيّداه لصدّ الاتراك و الفرس.
    و نجد هنا خمس فرق من الانكشاريين، أما التجارة في المدينة فمحدودة بالرغم من موقعها الجيد، لكن السفن التي تمرّ بها، تضطر إلى التوقف لتدفع ضريبة للانكشاريين. و لم اتمكن من قياس ارتفاع القطب في هذه القلعة، اذ سلمت ضابطا رفيع الشأن رسالة التوصية، فأظهر الكثير من اللياقة و دعاني إلى العشاء في منزله فلم أرفض دعوته. و حين علم بأني اريد التوجه إلى الضفة عند الثانية عشرة لقياس ارتفاع الهاجرة، اضطررت إلى جلب ساعتي الشمسية، التي أريته اياها لإسعاده، لكنه لم ينفك يطلب مني ان اسمح له بالنظر عبر المنظار المقرب، و تكاثرت الطلبات فأصبح عملي من دون جدوى.
    - نهر عنتر و هو محل اقامة شيخ قبيلة المنتفق كما أشرت سابقا، و تدفع له السفن ضريبة في تحته(Tachte) حيث لا نجد سوى المنزل الذي يقيم فيه ضباط الجمارك. و منذ سنتين، كانت المراكب الصغيرة المحملة بالتمر تدفع مسلمين (نصف روبية) أما اليوم فتدفع ٥ روبيات.
    - المنصورية و هي قرية كبيرة، تدفع رسوم المرور فيها لآغا انكشاريّي القرنة، لكن المركب القادم من البصرة في القرنة يكتفي بإبراز الوصل. و في قرية كوت أو كوت معمر تدفع الرسوم للباشا النقيب في البصرة. أما في العرجة فتدفع لآل صالح احدى ابرز عائلات قبيلة المنتفق. و كان هناك مركز لدفع الرسوم في غرام، لكن منذ أن فرغ المكان من سكانه، تجمع الرسوم في السماوة لآغا الحسكة و بالتالي للاتراك، لكن شيخ قبيلة خزعل يقبض هذه الرسوم حاليا.
    و صادفت في جمارك العرجة و السماوة شيوخا و قحين، و إن جاؤوا بأنفسهم لرؤيتي، و لم يهتموا بجواز المرور الذي زودني به متسلم البصرة كما استاؤوا حين أردت اظهار فرمان السلطان الذي أحمله، فارتأيت أن ارضيهم بأي وسيلة كانت، فإن تشاجر مسيحي مع اناس من هذا النوع، و قال كلمة ما اعتبروها إهانة لهم، يجبرونه احيانا على دفع عشرة اضعاف ما يتوجب عليه، فضلا عن أنهم يسخرون منه. و تبنى المنازل في السماوة من الطين المجفف في الهواء الطلق و هي بالتالي سيئة البناء، لكنها تبدو قصورا مقارنة مع أكواخ الفلاحين في هذه المنطقة. و منذ سنوات، مات معظم سكان المدينة بسبب الطاعون الذي تفشى بينهم. و تكثر النمور و الاسود و بنات آوى في الصحراء قرب هذا المكان، كما نجد فيها الكثير من الملح.
    و نصادف الكثير من القرى على ضفتي شط العرب و على ضفتي الفرات، من القرنة و من العرجة، و بعيدا عن النهر، بقيت هذه الارض الخصبة غير مزروعة لقلة السكان و الأقنية فيها، و تقوم‏ القرى بعيدا بعض الشي‏ء عن النهر، و هي سيئة العمران مما يدل على أن المشايخ لا يتركون للسكان ما يكفيهم، و قد بنيت المنازل و الاكواخ من الاسل، باختصار، لم أر أكواخا بحقارة تلك الموجودة في هذه المنطقة التي انعمت عليها الطبيعة بالخصب و التي ذاع صيتها و اكتظت بالسكان في ما مضى. أما الأراضي الممتدة بين العرجة و السماوة فغير مزروعة أيضا، و لا تعتبر الاسماء الواردة على اللوحةXL أسماء قرى. تدعى المنطقة على ضفتي الفرات الجزيرة، و لعل السبب يعود إلى كثرة الاقنية الموجودة و التي جعلت من البلاد في ما مضى مجموعة من الجزر.
    و يتميز سكان قرى الفرات بمهارتهم في السباحة كسكان ضفاف النيل، كما يعرف عنهم أنهم لصوص بارعون، أما البحارة فمهملون، كما في مصر، و لا يحرسون أثناء الليل، لذا يستغل اللصوص الفرصة، و يصعدون على متن المركب ليلا، فإن وجدوا الركاب نياما جمعوا ما يجدون على ظهر المركب و قفزوا بما طالته ايديهم في الماء.
    و في أحد الأيام، حاولوا الامر نفسه على مركبنا، لكن الانكشاري المريض فشّل محاولتهم، اذ لم يكن نائما، و في يوم آخر، جاؤوا في قوارب خفيفة و صغيرة من خلف مركبنا، و سرقوا لي حوضا للاغتسال و بعض الاشياء الاخرى التافهة، لكني استيقظت عندها فلم يتمكنوا من سرقة اشياء اخرى اذ اطلقت عيارا ناريا أرعبهم و جعلهم يقفزون من قواربهم إلى الماء.
    و كان مستوى المياه بين العرجة و السماوة منخفضا للغاية حتى أن المركب لامس القاع عدة مرات، و بما أن الرياح و حركة المدّ و الجزر عاكستنا اضطررنا إلى سحب المركب، و أوقفنا العرب مرارا. جلست على سطح المركب مسلحا، و قد اعتمرت عمامة الانكشاري المريض، و بقي بعض التجار من بغداد على مقربة مني و كأنهم ينتظرون أوامري، و حين يسأل العرب عمن على متن المركب، اعتاد القبطان ان يجيب انه آغا من بغداد مع ستة شكدار(Tschokadars) . و لا أعلم إن كان العرب قد صدقوا هذا الادعاء، لكنهم التزموا حدود الادب و لم يطلبوا سوى بعض التمر الذي قدمته لهم عن طيب خاطر بصفتي الآغا. و منذ ثلاثة أسابيع، تم نهب مركب محمل بالتمر في هذه المنطقة، و قتل المسافرون الذين رفضوا اعطاء ما يحملونه. و بعد ذلك، لامس مركب آخر القاع فأخذ العرب ينزلون حمولته، عندها أصبح المركب أخف فعام و أبحر القبطان كما أمر بقتل العربيين اللذين بقيا على متن مركبه و أرادا سلبه ما تبقى. و لن يلوم أي أوروبي المسافرين على فعلتهم، لكن عقلية العرب مختلفة و نظرتهم للأمور مغايرة، كانوا يعلمون أن على متن هذه المراكب أناس من القرنة و من السماوة، فطالبوا بالديّة من هاتين المدينتين، و ظننا أننا بهذا الادعاء سنرضيهم. و لو اني قتلت أو جرحت عربيا خلال هذه الرحلة، لطالب أخوه القبطان الذي بدوره سيطالبني، و لكنت دفعت أكثر من المسلمين لأنني مسيحي أراق دم مسلم. نستنتج بالتالي ان الاسلحة النارية الجيدة ضرورية للمسافر الاوروبي في هذه البلاد ليثير ذعر العرب لا ليستخدمها فعليا.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 02 مايو 2024, 7:49 am