۩۞۩۞ شبكة رونق الحرف ۞۩۞۩

ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902
زائرنا الكريم : انت غير مسجل في المنتدى او لم تسجل معلومات الدخول بعد فرجاءنا منك التسجيل اولا للمشاركة في المنتدى وان كنت تريد القراءة فقط فدونك اقسام المنتدى اهلا وسهلا بك... ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923 ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923 ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923 ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923 ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923
يا ضيفنا لو جئتنا لوجـــدتنا ....نحن الضيوف وانت رب المنزل

ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

۩۞۩۞ شبكة رونق الحرف ۞۩۞۩

ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902
زائرنا الكريم : انت غير مسجل في المنتدى او لم تسجل معلومات الدخول بعد فرجاءنا منك التسجيل اولا للمشاركة في المنتدى وان كنت تريد القراءة فقط فدونك اقسام المنتدى اهلا وسهلا بك... ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923 ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923 ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923 ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923 ايام الزنزانة لانتصار غريب 61923
يا ضيفنا لو جئتنا لوجـــدتنا ....نحن الضيوف وانت رب المنزل

ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902 ايام الزنزانة لانتصار غريب 358902

۩۞۩۞ شبكة رونق الحرف ۞۩۞۩

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ادبية معلومات اخبارية تقنية طبية موسوعية

آخر المواضيع






<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_widget/twitter_widget" title="web widget">Twitter Widget</a></div>



    ايام الزنزانة لانتصار غريب

    Admin
    Admin
    الاداريون
    الاداريون


    رسالة sms رسالة sms : نرحب بكم ياكرام

    عدد المساهمات : 207
    تاريخ التسجيل : 03/10/2009
    الموقعhttps://adeladel.ahlamontada.com

    ايام الزنزانة لانتصار غريب Empty ايام الزنزانة لانتصار غريب

    مُساهمة من طرف Admin الأحد 11 أكتوبر 2009, 4:11 pm



    ايام الزنزانة

    لانتصار غريب

    لازالت تتذكر ذلك اليوم المشؤوم في بغداد قبل بضع سنوات ، عندما غادرت مبنى الصحيفة التي تعمل بها عندما فوجئت برجل أمن يترجل من سيارته لا تعتقد بأنها قد رأت واحدة مثلها من قبل ، كانت على وشك أن تتمعن في نظراته حين دفعها بقوة داخل السيارة شعرت بشيء من الخوف والرعب مجتمعين ، كانت على وشك أن تفتح الباب وتخرج ولكن دون فائدة أما زميلها محسن فقد صمت بعد أن تنبأ بأن أمرهم قد إنتهى مع قدوم هؤلاء الأشخاص بغتة، كان الوضع حينذاك شديد الانفجار ، لاذت بالصمت بينما توغلت بهم السيارة داخل غابة من الأشجار كانت تعرف بأن عاصفة قادمة بالطريق غير أنها لم تكن لديها القدرة على منعها أو الوقوف في طريقها ، ظل محسن شاحب الوجه متوترا ، توقفت السيارة في مكان مجهول ثم أخرج السائق رأسه من السيارة قائلا: لقد وصلنا إلي المكان المطلوب ، لكن إكتشفت سعاد بأنهم في مكان مخيف بعيد عن المدينة .

    تحول أمل النجاة إلي هاجس معتم ، كانت مظاهر التعب بادية على وجوههم ، طريق معتم لا نهاية له ، راحت تمرق في ذهنها أفكار سوداء لا نهاية لها ، إن جدها ظل يحارب سنوات طويلة في حروب عبثية حتى إنتهى به المطاف مشلولا على كرسي عجلات، يترحم على الأصدقاء الذين فقدهم في ساحات المعارك ، كان يقول لها : رحل الإنكليز عن ديارنا ثم جاءت الشيوعية وبعد سقوط الملكية بدأ عهد الجنرال الذي تميز بالاضطهاد السياسي ، السحق والتنكيل، من الشمال إلى الجنوب ، ومن الشرق إلى الغرب ، حيث الموت والقمع، أمور أقرب إلى الخيال ، كانت هذه أول مرة تشعر فيها بالشؤم ومسحت رأسها بمنديل كانت تحتفظ به داخل جيبها، أما محسن فقد كان ينظر اليها بريبة وشك ، تنتظر على أحر من الجمر وما ستؤول إليه الأحوال ثم نظرت في ساعتها مرتبكة ، قال محسن : كانت لديهم نية مبيتة لاعتقالنا والنيل مني، ماذا لو حرمنا نعمة الحرية في ذلك المكان حيث لا حرمة لآدمية البشر ، كانت تراقب هذا العالم الغريب الموحش ، وعندما فتح الباب على مصراعيه طالعت وجه رجل في الخامسة والأربعين من عمره ، نظر إليها مستغربا ، فقال: "آسف يا سيدتي لكنها مجرد إجراءات روتينية يجب أن تتمالكي أعصابك ، التقت عيناها بعينيه ، ولا أدري لما تذكرت صورة جدها وهو يبكي عندما رأى شباب تحصدهم القنابل والألغام ونساء يرتدين السواد رجال أشداء يفتحون صدورهم للنار في الجبال العاتية التي لا تطأها قدم إنسان شعرت بقهر فظيع ، لكن تفكيرها لم يطل حتى إصطحب أحد رجال الأمن محسن إلى خارج القاعة كأنها رأته يحرك شفتيه مودعا ، بقيت ساعات من الإنتظار الطويل الممل ، وفتح الباب ورأت رجل ضخم الجثة وكأنها قد رأت المارد خرج من القمقم من شدة ضخامته ظل ينظر حولها وعيناه تحملقان بشدة في عيناها قبل أن يتوجه نحوها بالسؤال التالي: هل تعرفين محسن أو توجد لك صلة بتحركات رجال المعارضة في الآونة الأخيرة؟!


    لازالت تتذكر ذلك المشهد الدرامي، بطبيعة الحال نفت بشدة الاتهامات التي إنهالت عليها بلا رحمة أو شفقة لتبعد شبح الموت عن محسن ، كان هادئا في حديثه مقنعا في أسلوبه ، تحتدم في رأسه عشرات الأسئلة الغامضة له قدرة كبيرة على غسل الأدمغة وسلب مكنون ومحتويات العقل، وجدت نفسها تسبح في خضم من الأسئلة لا تنتهي ، لم تكن الرحلة إلى أرض الرعب سهلة ، صمت لحظات لكني خشيت من صمته ربما يخفي تحته براكين وعواصف .

    شعرت بالوحدة في هذا المكان الموحش القاتم لا تعرف إذا كانت الشمس قد ودعت الأفق أم لا، لكن بقايا الأمان الذي يسكن خيالها لم يبارحها كأنها في تلك اللحظات عاشت أعواما كاملة ، وقبل أن يصرخ في وجهها أجهشت بالبكاء كما لو أنها لم تبكي في حياتها من قبل وخنقتها العبرات ، كانت أشبه بطفل صغير يبحث عن أمه كي يخفي وجهه بين ذراعيها ، داهمها ألم حاد في الرأس من دوامة التحقيقات المستمرة منذ ساعات طويلة .

    تساءلت في نفسها: هل يا ترى ستنقشع الغمامة ويزول اليأس ، عرفت الحاجة إلى أمها وحنانها ، لم تخر قواها أمام أسئلته الكثيرة المحتدمة وإستعادت رباطة جأشها وقوتها من جديد وإستعانت بالله على تلك المصيبة ، في تلك الليلة التي إرتدت لفاحا أسود في زقاق بعيد أجهل اسمه وموقعه، وأمام هذا الغريب الذي تحجر قلبه ، ولكن ما عساه يفعل إزاء الفقراء وثورتهم القادمة، حاول تهدئة الموقف المشحون بالغضب بأن قدم لها سيجارة ، محاولا تخفيف حدة القتامة التي إستولت على المكان ، لكنها رفضت وطلبت بدلا منها كوبا من الشاي كي تعالج الصداع الذي داهمها فجأة وبلا إنقطاع تخيلت بأن الزمن توقف تماما . كانت إجاباتها تشكل بالنسبة إليها مسألة حياة أو موت ، داهمتها التعاسة فقد كان شديد القساوة معها ، حتى إنها تعمدت قليلا من الكذب كي تجنب نفسها الموت، نموذج بشري غريب جدا ، كادت أن تموت من التعب تقرفصت وهي مرتعدة من البرد ثم أسندت رأسها على الحائط بعض الوقت بينما ضوء المصباح المعلق في سقف الغرفة يتأرجح ذات اليمين وذات اليسار أظلمت الدنيا من حولها ، قالت في نفسها إنها عجلة المصير تتدحرج كي تصل إلى النهاية ، لست بساحرة كي أصنع المستحيل ولكنني أتألم لما حدث ويحدث ، أو أدين الديكتاتور والديكتاتورية وأيدلوجيات الدولة الشمولية التي وضعت قناع الاشتراكية المزيفة لتمنع كل شيئ إلا الشعارات الخرقاء ، عندما دفع الجنرال بقوات الأمن إلى مواجهات عنيفة مع الشعب خلال انتفاضة آذار عام 1991 كانت المدن وقوى عراقية في الجنوب وأماكن أخرى تخضع إلى مداهمات عسكرية مسلحة بين الحين والآخر، تولدت لديها نزعة هائلة في الهروب كأنها وقعت في بئر تحاول جذب نفسها إلى شاطئ الأمان على الرمل الأبيض، أو تصل إلى النهر وتسترخي ، التيار جرفها بقوة ولم تتمكن من النجاة الآن ، وهي داخل السجن الانفرادي وتخضع لسلسلة من التحقيقات تنهال عليها بلا رحمة قتلتها الوحدة والوحشة ، المحقق بوجهه القاسي يضطهدها بلا سبب إن وحدتها اليوم محصورة بين جدران مغلقة لكنها وحدة النفس ولكن خير من الاستسلام والضعف ، بجزع واضح راحت تنظر إلى الساعة بلهفة أملا أن تنتهي تلك الليلة على خير وسلام أما الرجل وان أدانها من عينيه القاسيتين، إحمر غضبا ، ولم يستطع المصباح الخافت أن يخفيه تأملت وجهه من جميع الزوايا وراح يجيء في الغرفة مثل الجمر ، إتضح لها بأن التحقيق ما هو إلا مناورة لن يطول أمدها ، كانت مجهدة ومرتبكة وتائهة في لحظة وجدت نفسها أسير في شارع مغلق والدموع تنهمر على وجهها، تخيلت نفسها تصعد إلى أول سفينة تاركة خلفها هموم لا تحصى .

    فوضى عارمة الظلام تفشت والفجر تأخر طلوعه، كانت تناديها أصوات خافتة ، ثم بدأت بوارق الأمل تعود تدريجيا إلى نفسها ، ستتخلص من الشر وتتوقف عن التفكير بالغد ولقمة العيش ، أوه... أوه إن الزنازين تخلو من السجناء والمعتقلين ، لابد أن لحظات الشرود قد طالت وبدأت تفيق من غفوتها القصيرة ، بعد أن تناول المحقق كوبا من الشاي إنتفض أحمر العينين متململا رفع ستارة النافذة الخلفية ولكن النور لم يتسلل ،أراد أن يرسم وجهها، بالظلمة أمسك بالقلم ثم كتب على الورق جملا لم تفهمها ، أشعل سيجارة أخرى وعاد يتفحص وجهها بإمعان ليجدها صامدة لم تهتز، دام صمتها عدة دقائق ثم نصف ساعة ، ليست على ما يبدو محاولة للتملص امتلأ صدرها بالحنق ، تفكر في نهاية للموقف الآني ، وراحت تعبث في شعرها تفكر وتسبح في خيالات كثيرة، كانت المساحة المتبقية للحرية ضئيلة أشبه بسلب آدمية الإنسان تصل إلى أذنها بعض الأصوات الخافتة التي تتسم بخفوت الصوت ، لكنها تجلب إنتباهها وتضفي جوا من الخوف يساعد على خلق شعور بالتشاؤم من حولها .

    سألته مستغربة من أين تأتي تلك الأصوات ؟ ثم قال لها بأنه صوت المذياع في الغرفة المجاورة، تلقت من هذا الرجل دروسا لا تنسى لا يمكنه أن يخدعها ، وتساءلت وهي في هذا المكان ، كيف يستطيع المرء أن يختار وسيلة للخلاص منه ، ولا تغالي إذا قالت إنها قضت فيه أسوأ ساعات عمرها ، ولأنها لا تجيد الهرب ، فقد عادت إلى مقعدها سريعا وراحت تستعيد ما قالته نادمة ، ثم شردت في أمر هذا الشعب المسكين الذي جنت عليه المؤامرات ، تطلعت من حولها في الغرفة أمكنها أن تدرك ما يدفع الإنسان عندما يجد نفسه محاصرا من جميع الجهات ، يحاول البحث عن منفذ ويبحث عن طوق للنجاة، ولكن وسط هذه العتمة، كان ثمة نور يشع من عينيها رجل يداري قسوة الواقع بجرأته وفصاحته ، فإندفع مؤيدا للديموقراطية أدخل نفسه ضمن الثائرين وراح يخطب خطابات قوية بحماسة واندفاع ، هاهي الأنثى التي عذبها عجزها عن مواجهة السلطة القوية رغم وطأة الاعتقال ، تقف شامخة مثل شجرة النخيل ، ترتفع وجذورها تضرب ممتدة في الأرض ، هذه الشجرة رمز الشموخ والإباء ظلت تراقب نموها في بيتها وإذا كانت الظلمة تحيط بها الآن فهي قادرة بالتأكيد على أن تنير الفضاء بسراج من تفاؤل وان كانت في صحراء فهي قادرة على الانتقال إلى حديقة مفروشة بالورود ، لم يكن يخطر لها أبدا بأنها ستقف بين يدي رجال الأمن ذات يوم ولماذا تستحق الإعتقال وهي لم تفعل شيئا أو ترتكب ذنبا ، لم تتخيل أمورا أخرى تحدث أسوأ مما حدث لم يكن هناك فرح ولا بوهيمية ، كانت تدرك بأنها ليست مجنونة أو بلهاء، وحين فتحت عينيها ولت الدهشة والغضب أشعلت سيجارة أخرى فلم يعد أمامها وقت تضيعه في الأوهام وتفجرت في ذهنها عشرات الأفكار والخطوط ، بدأت تفندها على حدة في غفلة من أمرها وجدت نفسها داخل زنزانة مغلقة تعبق بدخان رمادي وروائح الرطوبة التي إستحوذت على المكان، بدت قدميها ترتعدان من البرد جلست القرفصاء في إحدى زوايا الغرفة الجماد إستحوذ على الفضاء ، شعرت بأنها خطفت بغتة وتوقفت ساعتها عن الحراك ، فلم تدري كم من الزمن قد إنقضى وهي جليسة هذا المكان المقيت ، ولكنها أدركت بحدسها الذي لا يخطأ أبدا بأنها ستمكث طويلا حتى فقدت اهتمامها بمرور الزمن ، وحركة الليل والنهار وبدأت الأحلام تراودها بفراش وفير وطعام يسيل له اللعاب ، وقد إنحصرت إهتماماتها في الزنزانة بقراءة الكتب ، وبدأت ترى جسرا طويلا يمتد بينها وبين الحرية، كانت عيناها تذبلان تدريجيا ، الحشرات تملأ الزوايا والجدران ، شعرت بأنها دخلت في غيبوبة لن تصحو منها أبدا ، كان طعم الأكل قد توقف في فمها أشبه بمخلوقة تسبح في بحر عاصف الأمواج .

    كم تعذبت طيلة تلك الليالي ، تقلبت على فراش من جمر وتثور في نفسها شتى المشاعر والأحاسيس التي يذكيها خيالها المتقد وذكرياتها الحية ، فترى صورتها متألقة مشعة مليئة بالأمل لعالم ينهار ويتلاشى أمامه نهر تاريخي في أرض تبارك ثراها وأشجار النخيل تزينها وعرائس العنب بثمارها اللذيذة ، لم يبقى سوى طريق واحد وما أن غادرها النوم حتى جلست ساهرة حتى الرابعة صباحا ، لن أسمح لهذا الرجل أن يحتجزني لفترة طويلة أو يضع يده على رقبتي ، وبدأ دماغها يثقل تدريجيا وجفنيها تتورمان من كثرة السهر وطول الانتظار ، وبدأ صبرها يمل وكرهت البقاء في هذا المكان المنعزل المضجر ، يرمقها هذا المحقق المقيت بنظرات الشك والريبة ولم تهتز فيه شعرة ، أو ثارت في قلبه الشفقة ، أو الرحمة ، قضى حياته في عمليات الاستجواب المستمرة والتعذيب البشري، إلتمسته وناشدته مرارا أن يطلق سراحها، لكن دون فائدة وإذا اشتد صبرها ، تململ هو الآخر وبدأت ترى جدارا متينا يمتد بينها وبين الحرية ولكن دون أن تكشف عن يأسها ، ولاشك أن دخولها هذا العالم مصادفة جعلها تحيا في عزلة إجبارية عن عالمها الحقيقي الذي كان يتسم بالبراءة ، نشأت في مجتمع قروي تحكمه عادات وتقاليد موروثة وإستدعاء الأنوثة المبكرة هي محاولة للثورة على هذا المجتمع أما بقية أسرار الجسد فتبقى طي الكتمان مغلقة ، لا يجوز اختراقها أو كشفها لكن الطفلة كانت تعيش في داخلها ، كانت تريد أن تلهو وتعبث بلا حساب أو تعيش مثل الطير تتمتع بحرية الطيران كيفما تشاء ، ولا أن تخجل من البوح بمشاعرها وبسب إحباطها الشديد من القيود إعتقدت بأنها ستحرمها مباهج الحياة ، أو تغلفها بشبكة يصعب اختراقها ، الآن كل شيء يفاجئها ولو كان مهيئا من قبل الآخرين يخاطبها هذا الرجل الفظ وكأنها ليست من عالم الأحياء أو تنتظر حكما بالإعدام أو ما شابه، لكنها لا تعرف سوى حقيقة واحدة هو أنها لازالت على قيد الحياة تتولد في نفسها رغبة عنيفة وعطش شديد لأن ينتهي كل شيء، هي مثل الطير السجين يتمنى نسمات الحرية ، السجن شيء مرعب لا يمكنها نسيانه ، كانت تجهش بالبكاء دائما، لكنه مستحيل الخروج منه ،كانت تجهل بأن بعض البشر يولدون أشرارا ولكن من الصعوبة التخلي عن الشر لكنه شيء مقيت أن يولد الإنسان على تلك الشاكلة لا يكترث بشعور الآخرين .

    لابد أن قاربها لن يذهب في رحلة طويلة ، تجيل النظر في الظلام الذي يغلف المكان ، لعلها تحاول إزاحته لكن دون فائدة إختفت تدريجيا الابتسامة التي كانت تزين محياها دائما وحل محلها شعور بالقهر والحزن لا ينقطع ، لماذا جاء بها القدر إلى مكان موحش كهذا لم تكن رغبة في إسترجاع ذكريات الماضي البعيد ، لا تسمع هنا سوى أنين المعذبين، وضجيج المساجين الذي تملأ بهم الزنازين، ماذا تفعل امرأة يافعة جميلة في مكان كهذا ، تسمع زئير الأسود التي كانت تطلق بين الحين والآخر من أقفاص لتهجم بلا رحمة على أجساد المساكين تمزقها ، انه القدر اللعين الذي لا يمكننا تفاديه ، كانت لا تنام أثناء الليل ولكن قدرتها العجيبة على تذكر كل التفاصيل والمفردات ، ساعدها على قتل الوقت الممل داخل الزنزانة ، قالت في نفسها : ماذا يدور في هذا المكان الموحش وأين نحن من العالم ؟! في هذا المكان الذي لا يسمع فيه سوى أنين المعذبين والباكين يأخذها الحديث مع نفسها حتى ساعة متأخرة من الليل .

    كانت الأيام تمضي منها على غفلة ، أفكار غريبة وموحشة عبرت في خاطرها ولم تدعها تذوق طعم النوم ، لقد تحولت إلى كائن آخر ، تتمنى الإنتقام من القوى الشريرة إن هذا الصنف من البشر لا يهمه الرحمة أو الشفقة لقد ملأ الناس بالرعب وهؤلاء الذئاب الذين ينتشرون في الطرقات كي يوقظوا المخاوف النائمة ، لقد أصبحوا من فرط حذرهم لا ينامون الليل صمت رهيب يلف الأمكنة الهادئة ، تفكير المخلوقات ينصب في المغامرات التي تتعرض لها الأرض ، نرى حشود النساء بملابسهن المزركشة المزينة ونحن نلعب وسط البساتين العامرة بالخيرات ثم يغرق الجميع في أحاديث بريئة وحكايات طريفة ، تغطي كل ملابسات الحي وطقوسه اليومية.

    راحت سعاد تصول وتجول في التفكير وتلف سيجارة أخرى ، تطلعت إلى قسمات وجه المحقق بكل دقة وعناية كما لو أن الرائحة الكريهة التي تنبعث من أنفاسه المتلاحقة فيها رائحة الموت ، لقد تساءلت في نفسها مرات عديدة : ترى من أين له كل هذا الذكاء والفطنة ، كانت تلمح في عينيه الجاحظتين قصة إنسان يؤدي واجبه رغما عنه رغم إن الناس لم ترحمه من الكلام الهراء ، طال شرودها وهي تدخن بعصبية واضحة، ستتحول إلى بهيمة مثل غيرها من المخلوقات الذين تحولوا إلى بهائم لا ترى أو تسمع أو تتكلم ، بهائم تخاف قول كلمة حق في حضرة سلطان جائر ، كان المحقق ينصت إلى حديثها ويعجز عن مقاطعتها رغم التساؤلات الكثيرة التي تتدافع في ذهنه ويعجز عن تفسيرها، أي نوع من الرجال هذا الذي يصعب فهمه والولوج إلى أعماقه .

    مرت بخاطرها أفكار لا تحصى ، عن الأبواب والقلاع الموصدة ، إن الشيطان تغلغل في نفوسهم إنهم يطيعونه طاعة عمياء ، وينفذون جميع أوامره أسراب كثيرة من الخفافيش المسعورة التي لا ترحم الضعفاء ، لابد أنها تحمل في سرها ذكريات مشحونة بالمغامرات والعذابات والإنكسارات صوت الغراب ، الرياح والعواصف ، تعلمت العيش في ظل الحرمان والعذاب المتصل ، يختزن في داخلها سيل هائل من الحكايات الغامضة ، كان المحقق يتأمل تلك المخلوقة البائسة لابد أنها تحمل سرا موجعا ، كان في وجهها صفرة شديدة تنبعث من عينيها شرارة انتقام ، جسدها يرتجف إرتجافا من الخوف أو من العقوبة التي ستقع عليها إنها ضحية مثل غيرها من عشرات الآدميين ولكن على الرغم من كل الصدأ الذي داهم حياتها بقيت تلك الزهرة المتفتحة وبلسم الجروح والنور الذي يضئ الليالي رغم العتمة ، والدرب طويل مذلك بالأشواك والعقبات وحتى مشاهد الخوف في حياتها تمتلك قدرة عجيبة على مسحها بلحظات ، مشهد دائم وأزلي ، بلا ملل أو جزع وكأن جسدها يرتعش إرتعاشا عندما تتذكر تلك السنين العقيمة التي قضتها في المعتقل لم تفقد أبدا طعم اللحظات السحرية التي عاشتها مع محسن ، جعلتها تتناسى أحقاد العالم كله ، لم ترى مخلوقا أنقى منه في الوجود ، إنتقلت من عالم تسبح فيه مع الطبيعة وتكتسح فيه أمطار الربيع الأدران العالقة في النفوس والأفكار الخاطئة إلى عالم تلاشت فيه القيم الإنسانية وفقدان الحريات والسجون الحقيقية ، لا تذكر تاريخا محددا ، منذ بدء الخليقة أو منذ خرج آدم من الجنة ، ستظل في بحث دائم ومتصل عن الحقيقة إلى نهاية العالم ، كل شيء لا يتغير ذات وحيدة مرتبكة وسط حشد هائل من البؤس الروحي ، الإجتماعي والسياسي ، لقد عشنا في زمن الحروب لعقود طويلة ، هكذا غرقنا في أمجاد مزهوة بريش الطاووس وخيلائه المجنون ، تارة يرتدي زي هرقل الجبار أو قيصر روما أو زي هارون الرشيد ، وتارة أخرى يرتدي زي الخاكي الذي تزينه النياشين والميداليات الحنين الى زمن جديد ، يعيش الناس على النهم الوفيرة التي تجود بها الأرض ، زمن لا يعرف الطوفان والعواصف ، بدأت الذكريات تتسلل إلى رأسها لدى عودتها الى الناصرية مع إنسياب الدموع من عينيها تذكرت سنوات الإعتقال ومحسن الذي فقدته في طيات المجهول والسنوات التي عاشتها في المنفى حلوها ومرها فهمست في سرها الخونة .. الغدر ، مضت في نبش الذكريات الأليمة ومع كل تذكار دمعة وألم وجرح.



      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 02 مايو 2024, 11:27 pm